الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عجوز فلسطيني يغزل الصوف من أجل لقمة العيش

عجوز فلسطيني يغزل الصوف من أجل لقمة العيش
31 يناير 2009 01:27
يمكن القول إن الحاج المسن هو أحد معالم مخيم النصيرات اللاجئين في وسط قطاع غزة المحاصر بالاحتلال والفقر، لا أحد يدلف إلى الأزقة الضيقة إلا ويرى هذا المسن الذي يعمل بإبرة تريكو وكرة من الصوف، في همة ونشاط لاتتناسبان مع سنه الطاعنة· ولسان حاله يقول: شيء أفضل من لاشيء! ويعمل الحاج أبو زكي خليفة وهو في العقد التاسع من عمره في حياكة الملابس الصوفية بإبرة تريكو واحدة منذ سبعين عاما· هواية نسائية يقول وقد علت وجهه ابتسامة عريضة ''تعلمت الحياكة بالتريكو في قريتي ''يبنا'' التي دمرها اليهود، حيث كنت أعمل مع شباب القرية في زراعة وجني البرتقال، وبعد مغيب الشمس كان كل شباب القرية يجلسون في جماعات ويحيكون الملابس من الخيوط الصوفية ويتبادلون السير والحكايا وينشدون: تخطم يا بعد روحي بهاليك يا عشق الصيف يا محى المهاليك أنا لولا الزين ما تطفت المهاليك ولا رميت نفسي للردى وأيضا: أنام الليل وأعد النجم لو غاب وأفتش ورد للحبيب لو غاب حبيبي فتش لا تهاب ما بعد الود إلا الجفا· ويضيف ''كانت هواية كل شباب القرية، وعندما يحل الظلام كنا نصلي العشاء ونخلد للراحة ونستيقظ في الفجر قاصدين الحقول، هكذا كانت تمر الأيام في القرية''· الطاقية الأولى في العام 1948 دمر الاحتلال قرية يبنا وكل ما يحيط بها من مدن وقرى، وشرد أهلها، خليفة هاجر مع زوجته وأولاده باتجاه قطاع غزة· يقول وقد غطى الأسى ملامح وجهه ''بعد أن دمر الاحتلال قريتنا هاجرنا سيرا على الأقدام باتجاه المجدل ومكثنا في أرض واسعة بالقرب منها تسمى ''بيارة تميمي''، كان صغاري يصرخون من الجوع والألم وأنا لا أملك شيئا أقدمه لهم''· ويضيف وقد امتلأت عيناه بالدموع ''تذكرت وقتها أني أستطيع فعل شيء ما، فقمت بحياكة طاقية من الصوف وبعتها بـ 12 قرشا فلسطينيا واشتريت بثمنها الخبز لأطفالي، فكانت أول مبلغ أكسبه في حياتي من الحياكة بالصوف'' استقر الحال بالحاج خليفة وعائلته في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، وعاش كغيره من الفلسطينيين حياة يملؤها البؤس والحاجة· يقول وهو يمسح عينيه يريد أن يخفى دموعا تأبي إلا أن تنهمر ''وصلنا سيرا على الأقدام إلى غزة ثم اتجهنا جنوبا حتى وجدنا أرضا فارغة، مكثنا بها لم يكن لدينا أي شيء يعيننا على الحياة وقتها، لكني لم أكف عن العمل في حياكة الطواقي والكنزات الصوفية''· ويضيف '' كنت أستخدم في ذلك صوف الملابس التي حملناها من القرية، وأعيد حياكته لأصنع منه طواقي وكنزات تصلح للبيع، كنت أشتري الخبز بما أكسبه'' ويتابع ''كان الوضع صعبا جدا تلك الفترة، حيث كنا نأكل مرة كل خمسة أو ستة أيام''· مع مرور الزمن ترك خليفة العمل بالحياكة وكان يعتاش من وراء الدكان التي فتحها مع أولاده· يقول ''عدت لأعتاش من وراء حياكة الصوف منذ خمس سنوات فقط بعد تركي لها لفترة طويلة، فقد أغلقت دكاني التي فتحتها أنا وأولادي بسبب الانتفاضة والوضع السيئ في غزة''· ويضيف ''أنا الآن أبيع الطاقية الواحدة بخمسة شواكل (العملة الإسرائيلية)، هو مبلغ قليل جدا ولا يكفي لمتطلبات الحياة غالية الثمن، لكنه جيد على أية حال'' ويتابع ''تأتي أيام أبيع طاقية أو اثنتين وأيام أخرى لا أتمكن من بيع شيء، المبلغ الذي أكسبه أشتري بجزء منه الخيوط الصوفية من السوق والجزء المتبقي أعين به نفسي على الحياة''· التريكو بسنارة واحدة، مهنة لم يورثها خليفة لأحد من أولاده، وهو يعزو ذلك إلى ''أن الوضع قد تغير والزمن غير الزمن، وهناك آلالات وماكينات خياطة تغني عن العمل اليدوي''· خليفة الذي كان شاهدا على حوادث كثيرة وحاسمة مرت على فلسطين عامة وغزة خصوصا، يصف حالها الآن بـ''الأسوأ على الإطلاق''· يقول ''الوضع صعب جدا هذه الأيام، الأمر لا يتعلق بالفقر والحصار فحسب، لكن مشاعر الحب والمودة والخير لم تعد موجودة بين الناس''· ويقول، وهو يبتسم ''أتمنى لو أن الحب والخير يشتريان، لكنت اشتريت الكثير منهما ووزعتها على الناس ·· لو عاد الحب سيعود الخير ليعم كل العالم وليس في غزة فقط''·
المصدر: غزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©