السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رودي بارت: ابن القساوسة مترجماً للقرآن

رودي بارت: ابن القساوسة مترجماً للقرآن
27 سبتمبر 2008 00:18
أثر الولع المبكر من جانب المستشرق الألماني رودي بارت بالشرق والعلوم الشرقية ، الى جانب تجربته العسكرية وقضائه لسنين الأسر في بلاد الشرق، على توجه بارت في إنتاجه العلمي، مما جعل المتخصصين في دراسات الاستشراق يصنفونه في زاوية المتعاطفين مع الإسلام· ويقول الفيلسوف عبدالرحمن بدوي في ''موسوعة الاستشراق'' إن العمل الأساسي الذي ارتبط به اسم رودي بارت كمستشرق هو ترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الألمانية في مجلد والتعليق على هذه الترجمة في مجلد ثان· ولد المستشرق الألماني رودي بارت في ويتندورف جنوب ألمانيا في أبريل 1901 من أسرة يكثر فيها القساوسة · ولم يلبث بارت أن أظهر ميولا ناحية المشرق العربي فدخل جامعة توبنجن وتتلمذ في الدراسات العربية بها على يد أستاذه ''إنو ليتمان'' ليحصل منها على الدكتوراه الأولى في سنة 1924 ثم على دكتوراه التأهيل للتدريس في الجامعة في سنة 1926 وعُين إثر ذلك مدرساً مساعداً في قسم الدراسات الشرقية بنفس الجامعة· وازداد ارتباط بارت بالشرق في سنة 1941 فلم تمض على شغله كرسي علوم الإسلام والساميات في جامعة بون شهور قليلة، حتى انخرط في خدمة الجيش الألماني في نفس العام واتجه إلى ليبيا مع جيش رومل حيث أسر في سنة 1942 وظل في الأسر إلى ما بعد انتهاء الحرب وتحديدا حتى عام ·1946 وبعد عودته إلى وطنه ألمانيا تم تعيينه أستاذا للساميات والإسلاميات في جامعة توبنجن عام 1951م وظل في منصبه هذا حتى أحيل للتقاعد عام 1968 إلى أن توفي بعد ذلك في يناير 1983م· ولم يشأ بارت في ترجمته أن ينساق إلى مغامرات كتلك التي قام بها المستشرق ريتشارد بيل الذي قطع سور القرآن الكريم تقطيعات اعتباطية لم يبين دواعيها وأسبابها حتى فرق القرآن إربا إربا، ولا في محاولات المستشرق رجي بلاشير الذي وضع ترتيبا تاريخيا للسور حسب نزولها وفق ما تخيل، بل ترجم بارت القرآن بحسب الترتيب العثماني المتعارف عليه بين المسلمين منذ سنة 30هـ تقريبا وحتى اليوم· والتزم بارت في ترجمته الدقة حتى وإن جاءت أحياناً على حساب الأناقة في العبارة التي تشتهر بها اللغة الألمانية، وابتعد بارت في فهمه للنص عن شطحات المفسرين ذوي النزعات الخاصة وتعلق بالنص كما هو في أبسط فهم له، وحين كانت الترجمة الحرفية تبدو غير واضحة كان يضع بين قوسين كلمات شارحة من عنده بهدف الإيضاح· وفي مجلده الثاني وضع بارت تعليقات على المواضع التي تمثل إشكالية في فهم بعض الآيات في كل صورة من الصور، وأشار إلى خلاصة الأبحاث التي جرت حول الإشكالية خصوصا أبحاث المستشرقين وبذلك وفرت ترجمة بارت للباحثين إشارات لدراسات عديدة تناولت هذه المشكلة أو تلك مما يثيره النص القرآني فكشف بذلك عن اطلاع شامل استقصى ما كتب في هذا الباب وصار بذلك أداة ثمينة لإرشاد من ينشدون المزيد من البحث في هذه النقاط المشكلة· وأصبح المجلد الثاني من ترجمة بارت بمثابة أداة بيبلوجرافية للباحثين في هذا المجال· ولم تقتصر اهتمامات بارت بالعلوم الإسلامية على ترجمة القرآن الكريم فإلى جانب هذا العمل الأساسي قدم بارت رسائل صغيرة عن القرآن منها رسالة بعنوان ''محمد والقرآن'' عرض من خلالها شرحاً مبسطاً وواضحاً للجمهور من غير المسلمين لتعريفهم وإفهامهم حقيقة رسالة الإسلام وحقيقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم· وقد بذل بارت مجهوداً كبيراً في تعريف الأوروبيين بحقيقة الإسلام والرسالة المحمدية وذلك من خلال إلقاء عدد من المحاضرات العامة والأحاديث الإذاعية في هذا الموضوع، ومن هنا نشأت علاقات المودة بين بارت وبين المسلمين داخل ألمانيا وخارجها وخصوصا في إيران لدرجة أن الحوزة العلمية هناك طبعت ترجمة بارت للقرآن في طبعة جديدة بالأوفست وقامت السفارات الإيرانية في أوروبا بإهداء نسخ من هذه الترجمة إلى كبار الزائرين الأوروبيين· ولم يكتف بارت بتناول ما يخص القرآن فقط في دراساته وكتبه فله إلى جانب ذلك أصدر دراسة بعنوان ''الإسلام والتراث الثقافي اليوناني'' سنة 1950م وفيها فحص أحوال البحث في التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية سواء في ألمانيا وخارجها حتى سنة ·1950 ويرى بارت فضل الرسول صلى الله عليه وسلم عظيماً في توحيد العرب وتقدمهم، ويتضح ذلك من قوله في مؤلفه ''محمد والقرآن'': (كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فساداً، حتى أتى محمد ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس)· ويؤكد بارت على قناعته هذه بالقول في مؤلفه ''تاريخ الحضارات العام'' (جاء محمد بن عبد الله النبي العربي يبشر العرب والناس أجمعين بدين جديد، ويدعو إلى القول بالله الواحد الأحد،) كما تحدث عن الشريعة الإسلامية وأثرها على حياة المسلمين ، فقال:'' كانت الشريعة في دعوته لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، لا تضبط الأمور الدينية فحسب، بل أيضا الأمور الدنيوية؛ فتفرض على المسلم الزكاة، ونشر الدين، وعندما توفي النبي العربي عام 632م كان قد انتهى من دعوته، وانتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام وصهرهم في وحدة قوية ''· ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©