الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة واشنطن...وشروط التقارب الناجح

سياسة واشنطن...وشروط التقارب الناجح
2 يوليو 2010 21:41
في خطابه الافتتاحي بمناسبة تنصيبه قال أوباما" إن على تلك الأنظمة التي تقف في الجانب الخاطئ من التاريخ أن تعرف أن الولايات المتحدة ستمد يدها إليها إذا ما كانت هي غير راغبة في قبض يدها". وسرعان ما أتبع أوباما أقواله بالأفعال، عندما جعل التعاطي مع خصوم الولايات المتحدة على رأس قائمة أولوياته كرئيس جديد. فخلال عامه الأول في الحكم، سعى أوباما إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع إيران وكوريا الشمالية بشأن برنامجهما النووي، كما سعى إلى"إعادة ضبط" العلاقات مع روسيا من خلال العمل على التوصل لأرضية مشتركة معها حول موضوعات الحد من التسليح، والدفاع الصاروخي، وأفغانستان، كما بدأ في ذات الوقت في تخفيض مستوى العقوبات المفروضة على كوبا، ومد قرون استشعار دبلوماسية نحو نظامي "ميانمار"( بورما) وسوريا. بعد مرور أكثر من عام على اتباع هذه السياسة لم يتثن بعد الحكم بشكل قاطع على ما إذا ما كانت سياسة التعاطي مع الخصوم قد أتت أُكلها أم لا حيث لا يزال صناع السياسة وخبراؤها مختلفين حول مزايا تلك السياسة، والأخطار المترتبة عنها. بعض منتقدي أوباما رأوا أن الرئيس ليس لديه سوى القليل مما يمكن أن يظهره لإثبات أن جهوده في هذا الشأن قد نجحت، وأن أسلوب الدبلوماسية اللينة الذي يتبعه في التعامل مع تلك الأنظمة، يقلل من قدر وقيمة الولايات المتحدة، ويضعف هيبتها، ويحد من قدرتها على تحقيق ما تريد. ورأى خبراء آخرون إن أوباما، إذا ما أراد أن يتحول الأمر من مجرد التعاطي مع هذه الأنظمة، إلى تحقيق التقارب والوفاق الفعلي معها، فإنه مطالب ليس بالحصول على تنازلات من تلك الدول حول موضوعات معزولة، وإنما التأكد من استعداد هذه الدول للدخول مع الولايات المتحدة في علاقة تعاون مستمر، على أن يكون هو مستعداً في الوقت ذاته لمواجهة الأخطار الدبلوماسية التي سيواجهها حتماً جراء اتباعه لهذه السياسة. ومن المؤكد في هذا السياق أن بعض الأنظمة العنيدة التي يسعى أوباما إلى التعاطي معها سوف تمتنع عن التجاوب مع هذا التعاطي بشكل إيجابي، وهو ما يجب في نظر هؤلاء المنتقدين، أن يدفع واشنطن -بعد منح مهلة كافية لتلك الدول إلى تغيير أسلوب المقاربة من التعاطي إلى الاحتواء والعزل. ولكن مؤيدي تلك السياسة يرون أن ذلك لا ينطبق على الجميع وأن بعض الأنظمة سوف تتجاوب مع التقارب الأميركي وتمد يدها لملاقاة اليد الأميركية الممدودة. حتى الآن أظهرت روسيا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وميانمار ما يمكن وصفه - على أقل تقدير- بقدر من الاهتمام بالتقارب مع الولايات المتحدة. فروسيا على سبيل المثال، تعاونت معها في بعض الملفات، وإيران على الرغم من مناوراتها قبلت بمبدأ التفاوض معها، وتسعى كما هو ظاهر إلى تجنب المواجهة مع الغرب. ينطبق هذا أيضا على كوريا الشمالية التي بدت وكأنها تحاول تجربة خيار التعاطي مع واشنطن بشأن ملفها النووي، وأيضا على كوبا التي قررت توسيع نطاق حوارها الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، وعلى ميانمار التي رحبت بزيارة قام بها مسؤول أميركي رفيع المستوى إليها، وسمحت له بمقابلة زعيمة المعارضة هناك. على الرغم من أن هناك، في واشنطن، من ينادي بضرورة اقتران عروض التقارب بتهديدات المواجهة، فإن هذا الرأي يقابله رأي آخر يقول إن التسوية وليست المواجهة، هي العنصر الرئيس في التقارب الناجح بين الدول. من الواضح أن أوباما مقتنع تماماً بالسعي لإنهاء الخصومات طويلة الأمد مع بعض الدول، من خلال التعاطي والتقارب والتسويات، وليس من خلال التهديد باستخدام القوة والمواجهات. وهذه القناعة مدفوعة، كما يبدو، بإدراكه التام لطبيعة الحقائق على الأرض وإن تلك السياسة ضرورية للغاية في الوقت الراهن الذي تجد فيه الولايات المتحدة نفسها، وهي تعاني من التمدد الاستراتيجي الزائد ومن الانشغال بحربين في العراق وأفغانستان، ومن الضيق الاقتصادي. من المؤكد أن سياسة التعاطي التي يسعى إليها أوباما تنطوي على مخاطر، في الوقت الذي لا تتوافر لها ضمانات بالنجاح. وأوباما يواجه تحديين رئيسيين في هذا الصدد هما: كيفية إدارة موضوع المفاوضات التي سيتطلبها هذا التقارب . والثاني هو معالجة التداعيات التي تترتب على ما قد تتمخض عنه تلك السياسة من نتائج أو عدم نتائج، سواء في الوطن أو في الخارج. وتثبت وقائع التاريخ أن الخيار الأفضل في التعامل مع موضوع التقارب مع الخصوم كان هو أن يتم هذا التقارب بشكل متدرج، وتزايد، وحريص، على أن يكون لكل تنازل يقدمه طرف من الأطراف ما يقابله من الطرف الآخر، وأن يتم البناء على ذلك في التقدم إلى خطوات ومراحل أخرى متقدمة في المفاوضات. والمثال البارز الذي يثبت أن أوباما قد اتبع هذا الأسلوب في الواقع هو الطريقة التي اتبعها في التعامل مع روسيا حيث أتبع دعوته بـ"ضبط العلاقات" بالسعي للاتفاق على موضوع الحد من التسليح، وأخذ مخاوف روسيا بشأن الدفاع الصاروخي في أوروبا في الاعتبار، وتكوين مجموعات عمل ثنائية معها للتعامل مع طائفة من المشروعات المشتركة. هذه التنازلات من جانب واشنطن قوبلت بتنازلات مماثلة من جانب موسكو التي عملت على تهيئة الظروف التي ساعدت على إحراز تقدم في موضوع الخفض من الأسلحة، وموضوع التعامل مع الملف النووي الإيراني بشكل خاص. وإذا ما استمر هذا الزخم من التنازلات الثنائية وتزايد، فإن الوضع سوف يكون مهيئا بعد ذلك لمعالجة الموضوعات الأعقد مثل توسيع نطاق "الناتو"، واستقلال كوسوفو، والوضع في أبخازيا. التحدي الثاني، الذي يواجهه أوباما بصدد سياسته في التقارب هو التعامل مع التداعيات وردود الفعل التي تقترن دائما بهذه السياسة، والذي يعتبر عائقا من أهم العوائق التي وقفت في طريق سياسات التقارب التي اتبعتها الإدارات الأميركية السابقة. وبناء الدعم المطلوب من الكونجرس لأوباما يتطلب تفكيك ثلاثة أوهام عادة ما تشوه السجال العام حول استراتيجيات التقارب وهي: الافتراض القائل بأن واشنطن تساوم على قيمها وسلطتها من خلال السعي لتحقيق التقارب مع الأنظمة الاستبدادية. الثانية: أن السعي للتقارب مع الدول المعادية يعني تلقائيا التخلي عن الأمل في تغيير حكوماتها. الثالث، هو أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين دولتين غالبا ما يكون هو العامل الحاسم في تحقيق التقارب. بعد ذلك فإن الدرس الذي يمكن للإدارة الأميركية استمداده من الخبرات والتجارب التاريخية العديدة، هو أن تركز بصرها على الأساسيات والجوهريات فقط، وألا تسمح بتشتيت انتباهها عنها، وأن تضع في اعتبارها أن الأمر قد يستغرق سنين، بل وربما عقود، حتى يمكن تحويل الأعداء إلى أصدقاء. بيد أن المشكلة التي يواجهها أوباما هو أن هناك نقصاً في مخزون الصبر في واشنطن في الوقت الراهن، خصوصاً مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي، حيث يتوقع قبلها أن يكثف خصوم أوباما انتقاداتهم لسياسته في التقارب، واتهامه بأنه لم يحقق من وراءها شيئاً، بل أضر بمصالح الولايات المتحدة. والوسيلة المثلى بالنسبة لأوباما لمواجهة تلك الانتقادات والضغوط المتوقعة من الكونجرس، هو أن يركز مجهوده على جبهة واحدة في الوقت الواحد، محاولا تحقيق نجاح فيها لإثبات أن سياسته قد نجحت، وأن النجاح سوف يكون حليفه ـ مع الوقت ـ في الجبهات الأخرى. خلاصة القول: على الرغم من العقبات العديدة التي تواجهها إدارة أوباما في سبيل مواصلة سياساته في التقارب مع الخصوم سواء في الخارج أو الداخل، فإنها يجب أن تظل متمسكة بتلك السياسة حريصة عليها، واضعة في اعتبارها، أن التقارب لا يتم بشكل خطي مستقيم، وإنما يتم عادة بشكل متقطع كما أنه ـ في أفضل الأحوال ـ يتطلب دبلوماسية شاقة، كما يتطلب دأبا ومثابرة. ولكن الأمر المؤكد أن التقارب عندما ينجح فإنه يجعل العالم مكانا أكثر أمنا. وهذا اليقين وحده، يجب أن يكون كافياً في حد ذاته لمنح أوباما - على الأقل - الوقت الذي سيحتاج إليه كي يتمكن من النجاح في تحويل خصومه وأعدائه إلى أصدقاء. شارلز إيه. كبتشان محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة" تربيون ميديا سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©