الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كليلة ودمنة.. أقنعة الكلام

كليلة ودمنة.. أقنعة الكلام
25 أغسطس 2016 15:44
يعتبر «كليلة ودمنة» من الكتب القيّمة التي يجب الاعتناء بها، وبذل كلّ جهد لتصحيحها وبيان تاريخها، إذ لم تبق لغة في العالم، ذات آداب، إلاّ وترجمت الكتاب إليها، ويعود سبب اعتناء الأمم بهذا الكتاب إلى أنّه يحتوي حكمة وأدباً وضروباً في السياسة، وقصصاً تملأ القارئ عبرة وإعجاباً. ويتناول هذا المقال خمسة محاور هي: نشأة قصص الحيوان. وضع قصص الحيوان في الأدب العربي. وضع قصص الحيوان في الأدب الفرنسي. نموذجان للتطبيق: واحد عربي وآخر فرنسي. وأخيراً دراسة تطبيقية - وفقاً لمنهج المدرسة الفرنسية المقارنة. نشأة قصص الحيوان إنّ الحكاية على لسان الحيوان ذات طابع أخلاقي وتعليمي في قالبها الأدبي الخاص بها، وهي تنحو منحى الرّمز في معناه اللغوي العام، فالرّمز يعني في ما يعنيه أن يعرض الكاتب أو الشاعر شخصيات وحوادث، في حين يريد شخصيات وحوادث أخرى، عن طريق المقابلة و المناظرة، بحيث يتتبّع المرءُ في قراءتها صور الشخصيات الظاهرة التي تشف عن صور شخصيات أخرى تتراءى خلف هذه الشّخصيات الظاهرة، وغالباً ما تُحكى على لسان الحيوان أو النبات أو الجماد، لكنها قد تُحكى كذلك على ألسنة شخصيات إنسانية، تتخذ رموزاً لشخصيات أخرى. ولا يخفى على الباحثين في حكايات الحيوان أنّها تنشأ فطرية في أدب الشعب، قبل أن ترتقي من الحالة الشّعبية الفولكلورية إلى المكانة الأدبية الفنية، وأدنى صورها في هذه الحالة أن تفسّر ظواهر طبيعية، تفسيراً ميتافيزيقياً أسطورياً، حسب عقائد الشعب، أو تبيّن أصل ما سار بين العامة من أمثال، وحينئذ تجري هذه الخرافات والأساطير الشعبية مجرى الحقائق، ولا يكون لها معنى رمزي في صورته التي تحدثنا عنها. والسّؤال الذي يطرح نفسه هنا: أيّ الشّعوب كانت الأسبق في اختراع حكايات هذا الجنس الأدبي، بحيث انتقلت منه إلى غيره من الشّعوب الأخرى؟!. لقد اختلفت الآراء حول منشأ فن التحدث على لسان الحيوان، فمنهم من يقول إنّه كان فناً مصرياً فرعونياً، حيث وجدت بعض هذه الحكايات على أوراق البردي، أو صوِّرت على جدران المعابد والقبور، وبعضهم الآخر قال إن منشأها بلاد اليونان، فهم يرون أن مثل هذه الحكايات يونانية الأصل في صورتها الفنية، كما عُرفت في حكايات «ايسوبوس» في القرن 6 ق.م. في حين يرى آخرون أن الهند أسبق في هذه الحكايات، ففي كتاب «جاتاكا» الذي يحكي تاريخ تناسخ «بوذا» في أنواع من الموجودات، قبل وجوده الأخير مؤسساً للدّيانة البوذية، وقد وردت حكايات كثيرة عن أنواع وجود «بوذا» في صور حيوانات و طيور، وترجع بعض حكايات ذلك الكتاب إلى قرون طويلة. ولا سبيل إلى القطع أو الجزم برأي بعينه في هذه المسألة، فهذه الحكايات تنشأ أسطورية أو شعبية «فلولكلورية»، ثم تأخذ في الارتقاء إلى المكانة الأدبية، فتتبادل الصّلات مع الآداب الأخرى. فيما ترى شريحة ثالثة أنّ القول بمرجعية ذلك الفن إلى بلاد الهند أكثر قبولاً، لأن الهنود يؤمنون بفكرة تناسخ الأرواح، فلا غرابة في أن يُبعث الإنسان متقمصاً شخصية حيوان أو طائر فيتحدث بلسانه، وكثير من أساطير «إيسوب» تتخللها أمثال شرقية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن ترجمة ابن المقفع العربية ظلت هي الأصل المعتمد لكل الترجمات الحالية، التي كتبت بجميع لغات العالم تقريباً، ومن أهمّها: الفارسية، واليونانية، والعبرية، والتركية واللاتينية، والإسبانية، والإيطالية، والسلافية، والألمانية والإنجليزية والفرنسية، والدنماركية، والهولندية، وغيرها من اللغات الحديثة. فقد كان من عادة ملوك الهند أن يكلّفوا الأدباء بوضع الكتب لهم وتقديمها بأسمائهم، حتى تكون عوناً في خلود أسمائهم، وعندما تولى الحكم «دبشليم» ملك الهند، أصدر أوامره للفيلسوف «بيدبا» لوضع كتاب يخلد اسمه، كعادة آبائه وأجداده، فما كان من «بيدبا» إلا أن وضع (كليلة ودمنة). وقد يتبادر إلى ذهن القارئ أن يسأل: ما الغرض من هذا الكتاب، وما هي الغايات التي يسعى إليها؟ وما دور مثل هذه القصص؟. وعلى النّحو الذي كانت تسير عليه كتابات ابن المقفع حول السلطات في «الأدب الكبير» أو «رسالة الصّحابة»، ولم يكن كتاب «كليلة ودمنة» الذي اختاره وترجمه وزاد فيه، إلا امتداداً لهذا الاتجاه النقدي لديه، بطريقة غير مباشرة. فالحكيم «بيدبا» الذي يغامر بروحه، ويحمل النّصح إلى الملك «دبشليم» المستبد القاسي، الذي يثور على النّصيحة أولاً، ثمّ يستجيب لها ثانياً، يمكن أن يكونا صورة قديمة لابن المقفع والمنصور ولغيرهما من الحكماء والحكام في كثير من الأزمنة والأمكنة، ويعجّ عالم الحيوان في «كليلة ودمنة» بمجالس الحكم، وأصوات النفاق، وعواقب الظلم، وتجميع قوى الضعفاء. تماماً كما هو عالم الإنسان، وما يوّجه من نقد أو تعليق لأحدهما ينسحب على الآخر. في الأدب العربي انتقل «كليلة ودمنة» من الأصل الهندي إلى البهلوية، حين أقدم ابن المقفع، بما له من علم واسع باللغتين البهلوية والعربية، وقدرته على الترجمة إلى اللغة العربية، وقد تم ذلك حوالي عام 133هـ، ولولا هذه الترجمة العربية لما بقي كتاب كليلة ودمنة، فقد ضاع الأصل السنسكريتي، ولم تبق منه إلا أبواب متفرقة في كتب الأدب الهندي القديم، كما ضاعت الترجمة البهلوية التي أشرف على إخراجها الطبيب الإيراني برزويه، فبقيت النسخة العربية أصلاً لكل ما في اللغات الأخرى. ونلاحظ في كتاب كليلة ودمنة كيف تمثلت الخصائص الفنية- الهندية، فطريقة التقديم للحكايات تبدأ بالتساؤل، والاستفهام عن أصل المثل الذي وردت فيه الحكاية، بعبارة (وكيف كان ذلك؟)، وتتصدر الإجابة عن الاستفهام عبارة:( زعموا أنه كان...)، ومنها كذلك تداخل الحكايات، فكل حكاية رئيسة تحوي حكايات فرعية، وكل واحدة من الحكايات الفرعية قد تحتوي حكاية أو أكثر، متداخلة فيها كذلك، ويتبع ذلك دخول شخصيات جديدة أو حيوانات جديدة في الحكاية دون انقطاع، ومن الخصائص أيضاً أنّ الكاتب فيها يتناسى الرّموز، أيّ الحيوانات التي جعلها القاص رموزاً للناس في سلوكهم، فيسهب في الحديث عن المرموز إليهم من الناس، غافلاً عن شخصياته الرمزية. في الأدب الفرنسي قبل أن نتحدث عن التأثير العربي في حكايات «لافونتين»، نجمل القول في نشأة هذا الجنس الأدبي وتطوره في الآداب الغربية. فقد نشأ جنس الحكاية على لسان الحيوان في الآداب الغربية نثراً، ثم سرعان ما صار شعراً، أو غلب عليه طابع الشعر، فقد كان معروفاً عند اليونان قبل «ايسوبس»، ولكنه هو الذي اشتهر به في الأدب اليوناني، وقد ألف حكاياته نثراً، وكان هذا الجنس ذا قيمة كبيرة لدى اليونان في زمن «أرسطو»، وبعد «ايسوبس» أتى «بابريوس» في القرن الأول الميلادي، فنظم 123 حكاية شعرية من حكايات «ايسوبس». وأثر الأدب اليوناني في الأدب اللاتيني، فيما يخصّ هذا الجنس الأدبي، فعلى الرغم من أصالة الشاعر اللاتيني «هوراس»، إلا إننا نجده وهو يسير فيها على منهج اليونان، لكن أصالته تظهر في إضفاء طابع السخرية اللاذعة في حكاياته على لسان الحيوانات التي يتخذها رمزاً للناس، وحكايته هذه شعر، لا نثر، وبعده أتى الشاعر اللاتيني الآخر «فيدروس» فنظم 121 حكاية يقلد فيها «ايسوبس» ويعبّر فيها عن مظالم الحياة السياسية والاجتماعية في عصر الإمبراطور«تبيريوس». انتهى ذلك الميراث في هذا الجنس الأدبي إلى «لافونتين» الفرنسي، الذي لم يخف حقيقة تأثره بالأقدمين، فهو يطلق على الجزء الأول من حكاياته عنوان «حكايات اختارها و صاغها شعراً» لافونتين، والمجهود الذي ينسبه إلى نفسه هو الاختيار والصياغة الشعرية، وليس الابتكار والتأليف، كونه أخذ معظم مواد الخام من القدماء. ولا يجب أن نخفي حقيقة أنّ حكايات «لافونتين» أثرت في الأدبين العربي والفارسي، فنتيجة لاهتمام الأدباء العرب في بداية العصر الحديث بالآداب الأوروبية، استرعت حكايات «لافونتين» انتباه عدد كبير منهم، فأقدم البعض على ترجمتها إلى اللغة العربية، ومن هؤلاء على سبيل المثال: محمد عثمان جلال، الذي ترجم الكثير من هذه الحكايات، ونشرها في كتاب «العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ»، ومن الشعراء العرب الذين تأثروا بأمثال «لافونتين» نجد أمير الشعراء أحمد شوقي، وقد تضمن الجزء الرابع من الشوقيات أكثر من خمسين قطعة حكيت على لسان الحيوان، ومّما لا شك فيه أن شوقي كان رائداً ومجدّداً في هذا المجال، حيث استخدم هذا الجنس الأدبي في أغراض شتى بعضها تعليمي والآخر سياسي. مقارنة النّص العربي.. اللبؤة والشعهر زعموا أن لبؤة كانت في غيضة ولها شبلان، وأنها خرجت تطلب الصيد وخلفتها، فمر بهما أسوار، فحمل عليها فقتلهما وسلخ جلدهما، فاحتقبهما وانصرف بهما إلى منزله، فلما رجعت اللبؤة، ورأت ما حلّ بهما من الأمر الفظيع الهائل الموجع للقلوب، سخنت عينها، واشتد غيظها، وطال همها، واضطربت ظهراً لبطن وصاحت، وكان إلى جانبها شعهر جار لها، فلما سمع صيحتها وجزعها قال: ما الذي نزل بك وحل بعقوتك، هلمي وأخبريني لأشركك فيه أو أسليه عنك. فقالت اللبؤة: شبلاي، مر عليها أسوار فقتلهما، أخذ جلدهما فاحتقبهما، وألقاهما بالعراء، قال الشعهر: لا تجزعي ولا تصرخي، وأنصفي من نفسك، واعلمي أن هذا الأسوار لم يأت إليك شيئاً إلا وقد فعلت بغيرك مثله، ولم تجدي من الغيظ والحزن على شبليك شيئاً، إلا وقد وجد غيرك بأحبابه لما تفعلين، فوجدت اليوم مثله وأفضل منه، فاصبري من غيرك، على ما صبر منك عليه غيرك، فإنه قد قيل كما تدين تُدان، وأن ثمرة العقل العقاب والثواب، وهما على قدره في الكثرة والقلة، كالزارع الذي إذا حضر الحصاد، أعطى كلا على حساب بذره، قالت اللبؤة: صف لي ما تقول واشرح لي. قال الشعهر: كم أتى لك من العمر؟ قالت اللبؤة: مائة سنة. قال الشعهر: ما الذي كان يعيشك ويقويك؟ قالت اللبؤة: لحوم الوحش. قال الشعهر: أَمَا كان لتلك الوحش آباء وأمهات. قالت اللبؤة: بلى. فقال الشعهر: ما لنا لا نسمع لأولئك الآباء والأمهات من الضجة والوجع والصراخ ما نرى منك. أما أنه لم يصبك ذلك إلا لسوء نظرك في العواقب وقلة تفكرك فيها وجهالتك بما يرجع عليك من ضرها. فلما سمعت اللبؤة عرفت أنها هي التي جنت ذلك على نفسها وجرّته إليها، وأنها هي الضالة الجائرة، وأنه من عمل بغير العدل والحق انتقم منه وأديل عليه. فتركت الصيد وانصرفت عن أكل اللحم إلى الثمار وأخذت في النسك والعبادة. ثم إن الشعهر وكان عيشته من الثمار رأى كثر أكلها منها فقال لها: لقد ظننت إن رأيت قلة الثمار أن الشجر لم يحل هذا العالم لقلة الماء، فلما رأيت أكلك إيها وأنت صاحبة لحم ورفضك رزقك وما قسم الله لك وتحولك إلى رزق غيرك فانتقصته ودخلت عليه فيه فعلمت أن الشجرة قد أثمر كما كان يثمر فيما خلا، وإنما أنت قلة الثمر في ذلك من قبلك. فويل للشجر والثمار ولمن كان عيشه منها ما أسرع هلاكهم ودمارهم إذ قد نازعهم في ذلك من لا حق له فيها ولا نصيب، وغلبهم عليها من كان معتاداً لأكل اللحوم. فانصرفت اللبؤة عن أكل الثمار وأقبلت على أكل الحشيش والعبادة. النص الفرنسي.. اللبؤة والدُّبة كانت اللبؤة الأم قد فقدت شبلها، وكان الصياد قد أخذه، وأطلقت البائسة المنكوبة زئيراً قويّاً، هزّ كل جوانب الغابة. لا دجنة الليل، ولا سكونه، ولا كل جوانب رَهْبته أوقفت نحيب ملكة الغابة، ولم يزر النعاس أيّاً من الحيوانات، وأخيراً قالت الدبة: يا معمدتي: كلمة واحدة لا أكثر، ألم يكن لكل الأطفال الذين مروا بين أسنانك أب ولا أم؟ لقد كان لهم، ومع ذلك فإن أياً من موتاهم لم يحطم رؤوسنا، وإذا كان كثير من الأمهات قد صمتن، فلم إذا لا تصمتين أنت أيضاً؟ ـ أنا أصمت! أنا التعسة؟.. أوه لقد فُقد شبلي، وكنت محتاجة إليه ليصطحبني في شيخوختي المؤلمة. ـ قولي لي: ما الذي أرغمك على أن تكوني في هذا الموقف؟ ـ واحسرتاه! إنه القدر الذي يمقتني. هذه الكلمات كانت في كل زمن على ألسنة الجميع، أيها الناس التعساء، إن هذا موجّه إليكم، إنه لا يرن في أذني إلا نواحات عابثة، وفي كل حالة مماثلة يرد الاعتقاد بكره السموات، من يتدبر أمر «هيكوب» سوف يحمد الآلهة. وقبل أن أبدأ بالدراسة التطبيقية يجب الإشارة إلى شروط المدرسة الفرنسية المقارنة وهي أربعة: (وجود شبه بين نصين، اختلاف اللغة، الصلة التاريخية بين الشعبين اللذين ظهر في أدبهما النص، الأدبان لقوميتين مختلفتين). الصلات التاريخية ذكرنا فما سبق أن قصص الحيوان نشأت في الهند (السنسكريتية) ثم ترجم إلى الفارسية ( البهلوية ) وبعدها إلى اللغة العربية التي اعتبرت الأصل فيما بعد، بسبب اضطراب الأصل الهندي وفقدان بعضه، وكذلك فقدان الترجمة الفهلوية الفارسية المأخوذة من الهندية القديمة، ليبقى الأصل، وهو الترجمة العربية لعبد الله بن المقفع، حيث ترجمت إلى الفارسية، وبعدها تأثر لافونتين الفرنسي بالأدب العربي في كليلة ودمنة، على حساب ترجمتها الفارسية. الوسيط يعتبر الوسيط هو كتاب كليلة ودمنة، وما تضمنه من نوع أدبي فريد، وهو الحكاية على ألسن الحيوان، وكيف انتقل من أدب لآخر عن طريق الترجمة، باعتبارها عنصراً مهماً من عناصر التأثر والتأثير (فكتاب كليلة ودمنة نقل من الأصل العربي إلى اللغة الفارسية، وبهذه الترجمة تأثرت فرنسا ـ أي أن التأثير كان بطريقة غير مباشرة). أوجه الاتفاق بين النصين - في الحكايتين؛ العربية والفرنسية فإن اللبؤة الأم فقدت أشبالها. كما أن ظاهرة الحزن والأسى بارزة على اللبؤة، انطلاقاً من عاطفة الأمومة التي لا تعرف حاجزاً ولا مذهباً. - الحيوان الذي يوجه اللبؤة ويصبّرها وينصحها موجود في الحكايتين، على الرغم من اختلاف جنسه حسب البيئة. - نجد في الحكايتين حياة الغاب والصراع من أجل العيش، وكيف يأكل القوي الضعيف من أجل أن يستمر في البقاء، وكيف يساق الحيوان، إن كان من آكلي الأعشاب، إلى الموت من قِبل حيوانات آكلة للحوم. أوجه الاختلاف - الحيوانات في الحكايتين العربية والفرنسية تختلف من حيث العدد، ففي العربية نجدهم ثلاثة (لبؤة وشبلان)، وفي الحكاية الفرنسية نجد (لبؤة وشبل). - في الحكاية العربية نجد القاتل أسوار (وهو حيوان من نفس الفصيلة)، بينما في الحكاية الفرنسية نجد القاتل هو الصياد (إنسان). - ردّة فعل اللبؤة بعد أن قُدّمت إليها النصيحة تختلف في الحكاية العربية عنها في الفرنسية، ففي الحكاية العربية نجدها تحسن التفكير في الأمور وعواقبها، وترجع كل شيء إلى العقل والمنطق، وتترفع عن الصراخ، انطلاقاً من مبادئ الدين الإسلامي، وفي الحكاية الفرنسية نجد اللبؤة تصرخ وتتذمر وتحّكم عواطفها، وترى ابنها من ناحية نفعية ( يصطحبها في شيخوختها المؤلمة). - اللبؤة في القصة العربية اعترفت أنها هي التي جنت على نفسها (كما تُدين تُدان)، بينما في القصة الفرنسية ترى اللبؤة أن القدر يُمقتها وتتناسى أن الجزاء من جنس العمل. - في النص الفرنسي يظهر التأثر بالمعتقدات، وذلك من خلال الاعتقاد بِكُره الآلهة وغضب السماء، كما تظهر في بعض الأساطير اليونانية، خاصة عندما قالت اللبؤة: من يتدبّر أمر هيكوب؟ ( وهيكوب نموذج في الأساطير اليونانية لتزاحم المصائب على بعض البشر...) فقد تجمعت عليها النّكبات، حيث فقدت ابنها وزوجها، ورأت حياتها تهدم. - بينما في النص العربي تظهر النزعة الهندية في تحريم أكل اللحوم، والاقتيات بالفاكهة، ثم نلاحظ التحرج من أكل الفاكهة، والاكتفاء بأكل العشب، حينما شكت الوحوش قلّة الفاكهة. - ظهور الحِكَم والتعليقات الحكميّة في الحكاية العربية، وغيابها في الحكاية الفرنسية، وذلك بسبب اتّباع الأدب الفرنسي الإطار المسرحي في الحكايات، خاصة عند «لافونتين». - نجد أن الحيوانات المذكورة في الحكاية العربية تنتمي إلى البيئة الصّحراوية (لبؤة، شبلان، شعهر، أسوار)، بينما نجد الحيوانات في الحكاية الفرنسية بعضها أخذ من البيئة الصحراوية (لبؤة، شبل)، والبعض الآخر يعكس البيئة الفرنسية (الدُّبة)، إضافة إلى وجود الصياد، كدليل على أنه يبحث عن قوت يومه، فهو في مكان بارد، الحياة فيه شبه منعدمة، ويعود السبب إلى أن الموضوع، أو أي نوع من الأنواع الأدبية، عندما ينتقل لا ينتقل كما هو، بل يخضع لتأثيرات ثقافية تنعكس على النص بطريقة لا شعورية. - نجد في الحكاية العربية (الشعهر) الذي يقوم بإغاثة اللبؤة، بينما نجد (الدّبة) هي التي تقوم بإغاثة اللبؤة في الحكاية الفرنسية. - تأثر حوار الحكاية العربية بالحوار في الحكايات الهندية، حيث استخدم في الحكاية العربية ( زعموا أن....) كما جاء في الحوار الذي دار بين الملك الهندي »دبشليم» والفيلسوف «بيديا»، وفي الحكاية الفرنسية جاءت الرّواية بـ(كانت اللبؤة الأم... وكان الصياد..)، وتحمل (كان) في دلالتها نسبة الحدث إلى الزمن الماضي واتصاله بالتراث القديم. - نستشف من الحكاية العربية الإطار الذهني الفلسفي، وكيف تأخذ الحكاية شكل الإطار القصصي، مع تداخل الأحداث بعضها ببعض، في تناغم وانسجام، بينما لم نجد ذلك في الحكاية الفرنسية. بالطبع تتضح معالم بيئة النص في كل منهما؛ أما معالم البيئة العربية فيمكن حصرها في التالي: اللّبؤة والشّبل والأسوار والشعهر، إغاثة الملهوف وهو الجار، النّصيحة والابتعاد عن التّحريض، والطّابع العقلي الفلسفي وإخضاع الأمور للمنطق. فيما ظهرت معالم البيئة الفرنسية في النَّص من خلال: الدُّبة. وجود الصيّاد، والأساطير والمعتقدات اليونانية. الخلاصة 1ـ بناءً على المعطيات السابقة توصلت إلى أن قصص الحيوان لها آثار وبقايا في التراث، فهي لم تنقطع عن أصولها القديمة. 2 ـ إن الحكاية على ألسن الحيوان انتقلت من الأدب العربي- باعتباره المرسل- إلى الأدب الفرنسي- باعتباره المستقبل- بطريقة غير مباشرة. 3 ـ قصص الحيوان أخذت مساراً بين الشعوب والآداب المختلفة، فالصّراع الحاصل في قصص الحيوان كان على مستوى الحيوان- أي بلسان الحيوانات- وأسقط على الإنسان، وذلك بسبب انعدام حرّية التّعبير ووجود السلطة المطلقة، والتّجبر على الناس... فيلجأ الأدباء إلى إسقاط الواقع على كائنات أخرى، باعتبارها تنفيساً وتطهيراً لما في دواخلهم، وهي تنتقل بين الشعوب بسرعة، لأن فيها أهدافاً ومعان إنسانية نبيلة، فالآداب ذات الهدف العنصري أو القومي أو العِرقي، قلّما يُكتب لها الانتقال من أدب لآخر، أمّا الآداب ذات الطابع الإنساني فتهاجر بين الشعوب، وتنتقل استجابة لنداء الفطرة البشرية. قصص «لافونتين» تنجح قصص الحيوان عند «لافونتين» من خلال الاستخدام الشعري، وإضفاء الطابع الشخصي الذي يعرف طريقه إلى الخلود العام، بقدر ما يتعمق في المذاق الخاص، فهو نجح في أن يكون النموذج الوحيد في الأدب الفرنسي الذي يجمع بين كونه شاعراً كبيراً، وشاعراً شعبياً، في وقت واحد- كما يقول «تين». كتاب «ينج تنترا» تردد كتاب كليلة ودمنة بين الهندية والفارسية، ثم العربية والفارسية... فنتيجة للجوار بين الأدبين الهندي القديم (السنسكريتي) والفارسي القديم (البهلوي)، انتقل هذا الفن من الهند إلى إيران، ومنها إلى الوطن العربي، وذلك بفضل ترجمة كتاب «ينج تنترا» من الهندية إلى الفارسية، حيث أطلق علية اسم «كليلة ودمنة»، ثم انتقل هذا الجنس إلى الأدب العربي، عندما ترجم ابن المقفع هذا الكتاب من البهلوية إلى اللغة العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©