السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العناية بالمصاحف وراء الاهتمام بالتغليف والتذهيب

العناية بالمصاحف وراء الاهتمام بالتغليف والتذهيب
24 سبتمبر 2008 00:40
حظيت فنون الكتب باهتمام المسلمين كافة وازدهرت جميعها نتيجة لتشجيع الخلفاء والملوك لحركة تصنيف الكتب وترجمتها ولنمو حركة إنشاء المكتبات سواء في القصور أو الملحقة بالمنشآت الدينية والتعليمية، بالإضافة إلى عناية كل مسلم باقتناء نسخة من المصحف الشريف تحظى بعناية واجبة من الخطاطين والمجلدين والمذهبين· وفضلا عن الفن الأول للكتاب وهو الخط، فقد ازدهرت فنون أخرى ذات صلة بإخراج الكتاب في أبهى صورة وفي المقدمة منها فن التذهيب، ويعرف صاحب هذا الفن باسم ''المذهب'' وكان يستخدم في عمله مداد الذهب أو ماء الذهب وهو حسبما يذكر القلقشندي في كتابه ''صبح الأعشى في صناعة الإنشا'' محلول مكون من برادة الذهب والماء والصمغ وعصير الليمون· ويبدو أن التذهيب قد استخدم أولا في زخرفة المصاحف وسرعان ما انتقل إلى بقية المخطوطات التي أنتجها المسلمون ولاسيما تلك التي قصد منها الإهداء إلى الشخصيات العامة في المجتمع· ويذكر ابن النديم صاحب الفهرست عند كلامه عن نساخي المصاحف أن خالد بن أبي الهياج كان أول من اشتهر بكتابة القرآن الكريم بخط جميل، وهو الذي كتب بالحروف المذهبة جزءا من سورة الشمس على الجدار الجنوبي للمسجد النبوي بالمدينة المنورة· ويبدو أن المسلمين قد تحرجوا من كتابة المصحف بمداد الذهب لما في ذلك من الإسراف الذي لا يليق فاقتصروا على استخدام مداد الذهب في رسم فواصل الآيات وفواصل السور وفي رسم زخارف الهوامش الجانبية في بعض الصفحات وكذا تجميل الصفحات الأولي والصفحات الأخيرة من المصاحف· وبمضي الوقت، ضعف ذلك الحرج وأقدم بعض النساخ على استخدام هذا المداد بحرية أكبر في الكتابة وفي الزخرفة على حد سواء، وقد وصلتنا أمثلة قليلة ولكنها رائعة من مصاحف مكتوبة ومزخرفة بمداد الذهب وأهمها مصحف محفوظ بدار الكتب المصرية بالقاهرة ونسخ برسم السلطان الناصر محمد بن قلاوون· وكان لتفضيل اللونين الذهبي والأزرق في كتابة المصاحف وزخرفتها تأثير كبير على فن الكتاب عامة سواء عند المسلمين أو عند غيرهم، ومن هنا كانت الصفحات الأولى والأخيرة من المصاحف موضع الاهتمام من قبل مؤرخي الفن الاسلامي الذين أخذوا يعنون بدراسة النواحي الجمالية في المصاحف· ثم انتقل التذهيب بعد ذلك ليمارس بحرية أكبر في الكتب وخاصة النصوص الأدبية المصورة· أما استخدام الجلد في تغليف المصاحف والكتب، فقد طال به أمد التطور في العصور الاسلامية· وتقلب فن التغليف أو فن التسفير ''السفر هو الكتاب'' كما يعرف في بلاد المغرب أو فن التجليد كما نسميه الآن، في أدوار مختلفة· فقام في البداية على التقاليد الحبشية والقبطية السابقة على الاسلام، فكانت أغلفة المصاحف في أول الأمر تصنع من البرديات القديمة التي استنفدت أغراضها ثم استغنى عنها، فيلصق بعضها الى بعض بحيث تصبح سميكة وأشبه بالورق المقوى المعروف اليوم، وكانت هذه الألواح التي توضع بين دفتيها أجزاء القرآن الكريم، كلها أو بعضها، تكسى بالكتان أو بالحرير· وحلت ألواح الخشب أحيانا محل ألواح البردي واستعملت أول الأمر خالية من كل زخرف ثم مستها يد الفن بعصاها السحرية فزينت بأشرطة رقيقة من الذهب أو الفضة ثبتت فوق لوح الخشب في أجزاء مختلفة منه ثم غطيت الألواح كلها بصفائح من هذين المعدنين ورصعت أحيانا بالأحجار الكريمة· وزينت الأغلفة الخشبية أيضا بفصوص صغيرة من العاج والأبنوس ثبتت عليها بأشكال هندسية وظهرت الشرائح الجلدية لكي تحل مكان صفائح الذهب والفضة بل ولتستعمل ايضا في كسوة الألواح المتخذة من البردي وكان ذلك البداية الحقيقية لفن التجليد· وزخرفت شرائح الجلد بالزخارف النباتية والهندسية واتبع المجلدون المسلمون في عمل هذه الزخارف طريقة الضغط على الجلد بآلة خاصة، وتعرف هذه الطريقة عند أهل الصنعة بطريقة ''الدق''· ويترتب على استعمالها أن يبقى سطح الجلد العلوي حافظا للونه الأصلي، في حين يكتسب السطح المضغوط لون غامقا من أثر الضغط عليه· وقد يستعمل الذهب في زخرفة هذه الشرائح الجلدية بأن تلصق عليها شرائح رقيقة من هذا المعدن ثم تضغط هذه الرقائق الذهبية· وتنقسم جلود المصاحف والكتب من حيث الشكل الى ثلاثة أنواع، أولها المربع أو القريب من المربع وثانيها الأفقي ويتميز بأن عرضه أكبر من طوله وثالثها العمودي وطوله أكبر من عرضه· وعرفت الأشكال الثلاثة في العصور الاسلامية الأولى ثم شاع استخدام الشكل العمودي منذ القرن الخامس الهجري ''11م''· وتميزت جلود الكتب الاسلامية بالكعوب المستوية غير البارزة وبمساواتها في الحجم لورق الكتاب، وايضا باشتمالها على امتداد في الجانب الأيسر يعرف باللسان، وذلك من أجل حماية الأطراف اليسرى لصفحات الكتب ويغلب على الظن ان هذا اللسان ابتكار اسلامي خالص· و انتشرت صناعة التجليد في مصر منذ بداية القرن الرابع الهجري ''10م'' فقد جاء في مصادر تاريخية شتى أن أناسا من الحجاز قدموا الى مصر وأقاموا في حارة الحسينية بالقاهرة حيث أنشأوا مدابغ صنعوا فيها جلودا على نمط جلد الطائف· وازدهر فن التجليد في بغداد خلال العصر العباسي وكانت مدن العراق كلها تزخر بخزانات الكتب في القرنين الرابع والخامس الهجريين ''10-11م'' ويعتقد أن كتبها فقدت خلال غزوات المغول المدمرة في القرن السابع الهجري ''13م''· و ازدهر فن التجليد في كل من مصر والشام خلال العصر المملوكي، واتخذت زخرفة الغلاف نمطا ثابتا من حيث تقسيمه الى متن وإطار وركن، واشتماله على لسان خماسي الأضلاع وبطانة مزخزفة وتميزت أغلفة المصاحف والربعات المملوكية بتحليتها بالزخارف الهندسية المتشابكة، التي تغطي جلدة الغلاف بالاضافة الى عمل نقاط ذهبية مضغوطة· وكانت خاتمة ازدهار فن التجليد في كل من ايران خلال عصر الصفويين وفي تركيا العثمانية، وتشهد بذلك المصاحف وجلود الكتب التي انتجت فيهما وتزدان بها المتاحف·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©