الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تنافس الحلفاء أمام الأعداء

تنافس الحلفاء أمام الأعداء
9 ديسمبر 2009 21:52
خلال الحرب الباردة، ورغم أنّ فرنسا والولايات المتّحدة هما من نفس الحلف، إلاّ أنّ التّنافس الخفيّ بينهما كان قائما من أجل مصالح كلّ دولة، وقد سعى الصّحفي الفرنسي فنسان نوزيل إلى الكشف عن وثائق سرّيّة عن هذا التّنافس والصّراع من خلال قراءة له في تقارير ووثائق الخارجيّة الأميركيّة في كتاب صادر باللغة الفرنسية عنوانه: “أسرار دفينة: ملفّات البيت الأبيض ووكالة المخابرات الأميركيّة عن فرنسا ورؤسائها 1958 ـ 1981”، وقد اعتمد المؤلف على الوثائق والتّقارير الّتي كان يحرّرها ويعدّها سفراء أميركيّون، وجواسيس وعملاء، كما رجع في كتابه إلى مراسلات الملحقين العسكريين في سفارة الولايات المتّحدة في فرنسا، وهي وثائق ومراسلات يصبح بعد مرور عدد من السّنوات، وفق القانون الأميركي، من الممكن الاطّلاع عليها والاستفادة منها في الدّراسات والبحوث. ملفات سرية فتح المؤلّف في كتابه ملفّات بيع الأسلحة الفرنسيّة إلى ليبيا وكشف عن موقف الأميركيين من ذلك، كما نبش في ملف اهتمام الأميركيين بحرب الجزائر قبل استقلالها، وحلل سرّ اهتمام الولايات المتحدة بالسّلاح الفرنسي. وخصّص فصلا كاملا لفترة حكم الرّئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان ودوره في محاولة إقناع الأميركيين بمزيد التّدخّل في إفريقيا لمنع التّغلغل السوفييتي في القارّة السّمراء، ففي عام 1975 كان 20 ألف جنديّ كوبي سلّحهم الاتّحاد السوفييتي وتمّ إرسالهم ليكونوا سندا للرئيس أوغستينو لبسط حكم شيوعيّ في أنغولا وتقويته ليواجه المجموعات المسلّحة المعارضة له والّتي وجدت آنذاك معاضدة من دول الغابون والزّائير وإفريقيا الجنوبيّة. ويكشف الكتاب، من خلال وثائق كانت تعدّ سرّيّة، أنّ أعضاء من الكونجرس الأميركي وقتها عارضوا بشدّة تدخّلا أميركيّا في هذا الصّراع استنادا لما حصل لأميركا في حربها مع الفيتنام. وجاء في الكتاب أنّ ديستان حاول إقناع الساسة الأميركيين بالدعم العسكري بمختلف وجوهه في إفريقيا. كان ذلك في يناير 1977، وحاول الرّئيس الفرنسي دفع الأميركيين لمساعدة رؤساء البلدان الإفريقيّة المعروفين بموالاتهم للغرب، شارحا لهم أنّ الرّؤساء الأفارقة اليساريين والشيوعيين (زمن الحرب الباردة) كانوا يتمتّعون بدعم قويّ من الاتحاد السوفييتي، في حين أنّ الرّؤساء الآخرين تملّكهم الخوف من تخلّي الغرب عنهم، وكان تفكير ديستان يتّجه إلى بلدان كالزّائير، والسنغال، وفولتا العليا، والتشاد وغيرها من البلدان التي كانت مهددة بزحف شيوعي عليها. وكانت نيّة الرّئيس الفرنسي تتمثل في تقديم دعم أميركي قويّ لهذه الأنظمة لمواجهة التّغلغل السوفييتي، ولم تكن تخوفاته واهية فقد قام فعلا ثّوّار بغزو إقليم شابا (كاتنغا سابقا) في جنوب زائير في 13 مايو 1978 قادمين من أنغولا الماركسيّة عبر زامبيا. وقد سارعت فرنسا إلى تبنّي أطروحات الرّئيس الزائيري موبوتو ومفادها أن المقاتلين الكوبيين رافقوا الثّوّار في عمليّة الغزو، علما بأن أنغولا الشيوعيّة عملت فعلا على دعم مجموعات مسلّحة ثارت في إقليم كاتنغا ضدّ نظام موبوتو في الزّائير، وأمام هذا الخطر الدّاهم سارع موبوتو إلى طلب المساعدة العسكريّة من الولايات المتّحدة الأميركيّة ومن فرنسا وبلجيكيا، وقد رفضت أميركا مدّه بالدبابات الّتي وعدوه بها من قبل، واكتفت بإرسال قطع غيار لطائرات عسكريّة وتقديم بعض المساعدات الغذائيّة، وكان وزير الخارجيّة الأميركية آنذاك سايروس فانس في لقاء له مع جيسكار ديستان ذكر أنّه لابدّ من التّحرّك بحذر، دون أن يخفي سخريته من الجيش الزّائيري المطلوب دعمه واصفا إيّاه بـ”المهزلة”. والحقيقة أنّ الولايات المتحدة لم تكن مرتاحة لنظام موبوتو في الوقت الّذي كان فيه جيسكار ديستان يلحّ عليهم بمزيد الدّعم له لمواجهة معارضيه والثّائرين ضدّ نظامه مؤكّدا لهم بأنّه إذا سقط نظام موبوتو في الفوضى فإن بلدانا افريقية أخرى مثل أنغولا ستسقط في شباك الشيوعيين، وكان جيسكار يدافع بحماس لإنقاذ موبوتو، وقال لسايروس فانس إنّ ثوار اقليم “كاتانغا” هم في الغابات وأنّهم إذا بادروا بمحاولة الزّحف على أيّة مدينة، فإنّ دوي السلاح قد يثنيهم عن عزمهم، وإن تمّ تسليح موبوتو وتمكينه من بعض الأسلحة الثّقيلة فإن الثوار سينتبهون بأن موازين القوى ليست لصالحهم. ويرى جيسكار ديستان أنّ الأفارقة ـ مثل ما هو الأمر في الصّيد ـ فإنّ المتقدّم هو الّذي يخيف الطّرف المقابل له. ولكن الخارجيّة الأميركيّة كانت أكثر تحفّظا وقررت واشنطن في ذلك الوقت التّعامل مع أنغولا بالطّرق الدبلوماسيّة، وقال فانس أنّ أميركا لا تشعر بمنافسة كوبا والاتحاد السوفييتي في إفريقيا. كواليس المفاوضات كشف الكتاب أنّ جيسكار ديستان سعى لإقناع السلطات المغربية لإرسال جنود لمساندة موبوتو، واكتفى سايروس فانس بالوعد بأن تسعى بلاده لفعل شيء ما لمنع سقوط موبوتو، ولكنّه كان شديد الحذر والاحتراز من خطّة جيسكار لمساندة صديقه موبوتو. وعند عودة سايروس فانس إلى واشنطن لم يحرّك ساكنا في الوقت الّذي كان فيه الرؤساء الأفارقة الفرانكوفونيون الموالون للغرب يضغطون على الرّئيس الفرنسي للإسراع بالتّحرّك لإنقاذ موبوتو، وكان ذلك بمناسبة انعقاد القمّة الفرانكوفونية بداكار. كان لدى الفرنسيين اقتناع بأنّ التّواجد السوفييتي/ الكوبي في إفريقيا والتّغلغل الشيوعي بالقارّة السّمراء يمثّل خطرا وتهديدا حقيقيّا، وهذا هو الطّرح الّذي سعى ديستان إلى إقناع فانس به ورجاه أن ينقله إلى الرّئيس الأميركي جيمي كارتر، وهو نفس الطّرح الّذي كرّره أمامه في اللّقاء الّذي جمعهما في لندن يوم 9 مايو 1977، وقد قال جيسكار لكارتر: “إنّ الوضع في إفريقيا هو أسوأ ممّا تعتقده”، مفسّرا له أنّ الأنظمة المعتدلة يمكن أن تسقط بسرعة أمام ضغط المعارضين وإغراء السوفييت. ودافع مرّة أخرى عن ضرورة تقديم مساعدة عسكريّة قويّة لهذه الأنظمة. استمع إليه كارتر واقتنع بوجهة نظره، ولكنّه لم يكن متحمّسا، فهو يرى أنّه من الممكن مساعدة موبوتو لكن في حدود، ووعد بتقديم مساعدة اقتصاديّة فقط. ويوم 19 مايو 1978 فإنّ 500 من المظلّيين الفرنسيين بمساعدة جنود بلجيكيين أغاروا على كالوازي واستعادوا المدينة من الثّوار بعد أن قتلوا 200 من الكاتنغيين المطالبين باستقلال إقليمهم عن الزّائير، ولقد شعر جيسكار بنجاح مخطّطه، وبعد أسبوع تناول طعام العشاء مع جيمي كارتر في البيت الأبيض الذي وصف فيه الرّئيس الأميركي موبوتو بأنه رجل عاجز، وقد احتج جيسكار عن هذا الرأي واصفا صديقه الرئيس موبوتو بأنّه رجل شجاع رغم عيوبه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©