الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«يوميات إسكندرية 1882» يكشف حقائق أشهر مذبحة في تاريخ مصر

«يوميات إسكندرية 1882» يكشف حقائق أشهر مذبحة في تاريخ مصر
30 يونيو 2010 21:59
يروي هذا الكتاب الصادر عن مكتبة الإسكندرية بعنوان “يوميات إسكندرية 1882” للصحفية أمل الجيار، والذي يمثل الإصدار التاسع ضمن سلسلة إصدارات ذاكرة مصر المعاصرة، قصة أشهر الحكايات في تاريخ مصر، والتي حدثت يوم 11 يونيو 1882، ومر على وقوعها 128 عاما؛ حكاية اختلطت فيها الدموع والحزن والألم بالكفاح والخيانة.. حكاية مدينة دمرت وضربت بالمدافع واحترقت وهجرها أهلها ولكنها كافحت وناضلت حتى عادت إلى الحياة من جديد. استغرق العمل في إعداد هذا الكتاب عدة أشهر من العمل الجاد والمتواصل والبحث والغوص في ملفات ووثائق وأوراق قديمة ترجع لأكثر من 100 عام، وبالتحديد إلى عام 1882 وهو العام الذي وقعت فيه غالبية الأحداث التي يتمحور حولها هذا الكتاب بداية من مذبحة الإسكندرية في 11 يونيو 1882، والتي دارت رحاها بين السكندريين والأجانب، ثم حصار المدينة وضربها بواسطة الأسطول الإنجليزي بقيادة الأدميرال سيمور وتدمير الطوابي ودفاعات واستحكامات المدينة بعد إخلاء الأجانب منها، وما تلا ذلك من حرق ونهب الدكاكين وتدمير البيوت وحركة التخريب التي انتشرت بوسط المدينة وخاصة ميدان القناصل (المنشية) وشوارع وسط المدينة مثل شارع شريف وغيره. الحملة الفرنسية فقد استيقظ أهالي الإسكندرية في صباح أول يوليو 1798 على وصول الأسطول الفرنسي إلى شواطئها، ليزاح الستار عن الحملة الفرنسية على مصر. ولم يكن بالإسكندرية من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة. لكن لم يمنع هذا حاكم المدينة آنذاك السيد محمد كريم من الدفاع عنها بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد وقاد المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحموا أسوار المدينة. الأمر الذي كلفه حياته ففي يوم 6 سبتمبر 1798م أصدر نابليون بونابرت أمرًا بإعدام محمد كريم ظهرًا في ميدان القلعة رميًا بالرصاص، وبالفعل تم تنفيذ الحكم في ميدان الرميلة بالقلعة ويقال إنه عند وصوله إلى القاهرة أركبه الفرنسيون حمارًا يحيط به موكب من العسكر على دقات الطبول ومشوا به حتى ميدان الرميلة حيث أُعدم رميًا بالرصاص ثم قاموا بالتمثيل به عن طريق قطع رأسه وتعليقها على نبوت (عصا غليظة) ونادى مناد قائلاً: “هذا جزاء كل من يخالف الفرنسيين”. طويت بموت السيد محمد كريم صفحة من صفحات الجهاد الوطني في الإسكندرية. ولكن قبل أن نقلب هذه الصفحة لابد أن نقول إن الحملة الفرنسية انتهت نهاية غير سعيدة خاصة في ظل هزيمتهم في معركة أبي قير البحرية ـ بين الأسطولين الفرنسي والإنجليزي ـ الذي كان تحت قيادة نيلسون؛ لتقف الإسكندرية في شموخ شاهدة على نهاية الفرنسيين. لم تمض سنوات قليلة حتى أفاق أهالي الإسكندرية على هجوم جديد عندما أرسلت إنجلترا حملة بحرية بقيادة “فريزر”، استولت على المدينة دون قتال بسبب خيانة حاكمها التركي “أمين أغا” الذي سلم المدينة للإنجليز في 28 مارس 1807. وفي 19 سبتمبر 1807 تصدى أهالي رشيد بقيادة محافظها علي بك السلانكي للحملة الإنجليزية التي كان قوامها ألف جندي مسلحين بأحدث الأسلحة بينما عدد قوات إقليم رشيد لم يتجاوز الـ ‏700‏ جندي بقيادة علي بك السلانكي الذي عزم على مقاومة عساكر الإنجليز رغم ضعف أسلحته واستطاع بالحيلة والدهاء ومعاونة الأهالي أن يهزم هذه الحملة الغادرة. الواقع والتاريخ يحكيان أن هذه الحادثة المشؤومة لم تكن وليدة اللحظة التي حدثت فيها بل كانت نتيجة لحالة من الغليان عاشتها المدينة الناعمة باعتبارها جزءًا من مصر.. فمصر المحروسة كانت تشهد في ذلك الوقت حالة من السخط العام تحولت بمرور الوقت إلى ثورة كامنة داخل قلوب وعقول الكثيرين من رجال الجيش الذين عُرفوا فيما بعد برجال عرابي أو رؤساء الثورة العرابية بالإضافة إلى نواب الأمة الذين سخطوا على أحوال البلاد في ظل حكم الخديوي توفيق والمراقبة الثنائية الإنجليزية والفرنسية على مالية البلاد، وهو الإجراء الذي فرضته الدول الأوروبية على مصر لضمان سداد الديون وحماية الدائنين ومن ثمّ اتخذوها ذريعة للتدخل في أحوال البلاد والرعية. مما آثار سخط العلماء والأعيان ورجال الجيش بالإضافة إلى وجود خطباء وزعماء روحيين أمثال الشيخ محمد عبده وعبد الله النديم الذين ملأوا فضاء البلاد بالخطب الرنانة عن تردي أحوال البلاد والعباد ووجوب القيام من العثرة مما زاد الطين بلة. وهذه التعبئة المسبقة لكل من المصريين والأجانب هي تعبئة استمرت لفترة طويلة وبدأت بوقوع مصر تحت طائلة الديون التي تراكمت إبان عهد الخديو إسماعيل والتي قاربت الـ 100 مليون وبسببها خلعت السلطنة العثمانية الخديوي إسماعيل عن عرش مصر بإيعاز من الحكومتين الإنجليزية والفرنسية وولت ابنه الخديو توفيق لتتمكنا من التدخل في شؤون مصر المالية بواسطة المراقبين الثنائيين الإنجليزي والفرنسي بحجة رد الأموال للدائنين والبنوك الأجنبية وهو ما تم لهما بالفعل.. وبدأ التدخل بشكل بسيط حتى تحول إلى تسلط كامل على شخصية الخديوي توفيق الذي كان يبلغ من العمر 26 سنة عند جلوسه على الأريكة الخديوية وكان يقال عنه إنه كان ضعيف الشخصية منقادا للأقوى وهم في هذه الحالة ومن المراقبين والقناصل الأجانب وخاصة الإنجليز. شهدت المدينة أحداث المذبحة تبعتها أحداث الثورة العرابية وضرب المدينة من قبل الأسطول الإنجليزي لتشهد البلاد بداية لمرحلة خطيرة في تاريخ مصر ـ الاحتلال البريطاني ـ والذي استمر لسنوات وسنوات لتكون المدينة كعادتها مسرحًا لأحداث فاصلة في تاريخ مصر الحديث. كان عام 1882 مليئاًبالحكايات الحزينة التي عاش أبطالها في قمع وحصار وتخريب من قبل المحتل، وهو العام نفسه الذي أصبحت الإسكندرية محور حديث الصحف والمجلات الأوروبية لتحتل صدارة أعدادها بأخبارها وحكاياتها، فتطالعنا جريدة The Ill stratedLondon News بأحداث المذبحة، وتطالعنا الجريدة الإنجليزية The Graphic بأخبار العرابيين ودورهم في احتلال البلاد من وجهة نظرهم، بينما يتصدر الخديوي توفيق صفحات جريدة Le petit jo rnal الفرنسية.. صفحات كثيرة وآراء أكثر ووجهات نظر عديدة تبنتها الصحف الأوروبية لتحكي لنا عن مدينة عاث فيها المحتل دمارًا وخرابًا ليصبح عام 1882 عاما مليئا بالذكريات المريرة. بداية النهاية عاشت المدينة سنوات يسود الهدوء جنبات شوارعها وأحيائها، لا يكدر صفو الحياة فيها إلا بعض المنغصات والمناوشات الطبيعية بين الأهالي معًا أو بين الأهالي والأوروبيين إلى أن جاء يوم 11 يونية 1882 يوم مذبحة الإسكندرية. وهو يوم عصيب في تاريخ المدينة الجميلة، يوم من الصعب نسيانه أو محوه من تاريخها فهو اليوم الذي اندلعت فيه شرارة العداء بين المصريين والأجانب المقيمين في مصر وكان هذا اليوم هو بداية النهاية للمسرحية التي أعدت فصولها ببراعة إنجلترا لاحتلال مصر. فالمدينة الساحلية الجميلة التي تحولت في لحظات إلى مسرح لمجزرة كبيرة وخراب لا يتصوره عقل قد عاشت معاناة كبيرة لفترة امتدت لأكثر من 35 يومًا بداية من 11 يونية 1882 مرورًا بيوم 11 يوليو وهو تاريخ ضرب المدينة بالمدافع بواسطة الأسطول الإنجليزي وما تلا ذلك من أيام بما فيها من أحداث تهجير المواطنين وحرق المدينة ثم احتلالها بواسطة القوات الإنجليزية. والحادثة ملخصها أن مشاجرة نشبت بين مالطي ومصري على أجرة ركوب حمار فما كان من المالطي الذي كان من رعايا الحكومة الإنجليزية إلا أن طعن المصري وفر هاربًا داخل أحد البيوت التي يسكنها المالطيون واليونانيون وبدأ بعدها الضرب وتبادل النيران حتى سقط في هذه الحادثة عشرات الضحايا من الجانبين. ويستعرض الكتاب الذي خرج الكتاب في 291 صفحة المذبحة بعيون تاريخية من خلال آراء المؤرخين ومنهم: عبد الرحمن الرافعي، مع عرض لصور للمذبحة من صحف إنجليزية وفرنسية، وكما يقول الرافعي إن عدد القتلى في تلك الحادثة 49 شخصاً، منهم 38 من الأجانب والباقون من الأهليين. ويسرد الدكتور لويس عوض قصة الحادثة مضيفاً حقيقة هامة ألا وهي أن المالطي قاتل الحمار المصري كان شقيق خادم السير تشارلز كوكسون قنصل انجلترا في الإسكندرية ونائب قنصلها العام في مصر. وعرضت المؤلفة في يوميات إسكندرية 1882 المذبحة بعيون أميركية، في إشارة لما كتبه ألبرت فارمان الذي كان يحب المصريين وكتب أن سبب المذبحة “هياج مؤسف خطير بدأه أحد الأجانب”. ثم تناول الكتاب المذبحة بعيون صحفية مصرية، ثم المذبحة بعيون سويسرية، حيث تناولت المؤلفة ما كتبه جون نينيه، عميد الجالية السويسرية الذي شهد الحادث وكتب كتاباً عن عرابي باشا فقد كانت آراؤه ورؤيته للمذبحة وللأشخاص المتسببين فيها مختلفة عن الآخرين. ووفقاً لتحليل نينه فقد كان هناك اتفاق مسبق لهذه المقتلة تم بين الخديو ودرويش باشا وعمر باشا لطفي، ومن الممكن أن يكون المالطي أخو الخادم مجرد أداة لإشعال الأزمة استناداً إلى برقية أرسلها إدوارد ماليت من مصر إلى وزير خارجيته “أيرل جرانفيل” يوم 7 مايو أي قبل الحادثة بـ 34 يوماً يقول فيها إنه لابد من حدوث تعقيدات قبل الوصول إلى حلول مرضية للمسألة المصرية. ثم ينتقل بنا الكتاب لنتعرف على المذبحة من وجهة نظر خديوية، والتي قصدت المؤلفة بها وجهة نظر أحد حاشية الخديو توفيق ـ الذي حكم مصر في الفترة من 1879 إلى 1892 ـ والذي رأى الحادثة من زاوية رسمية، وهو أحمد شفيق باشا والذي قد بدأها بوصف الموقف والحالة المصرية بعنوان انفجار الثورة الفكرية واصفاً امتداد الثورة العرابية وانضمام الكتاب والخطباء إليها والذين كانوا يلقون الخطب الحماسية ويبثون روح الوطنية في الأهالي ويستفزون الناس لمقاومة الأجانب تخلصاً من الديون التي تثقل كاهل البلاد وعلى رأس هؤلاء الخطباء عبد الله النديم. تفاصيل المذبحة ويكشف الكتاب عن حكايات حول المذبحة بلسان أبطالها، والتي تكشف عن مفاجأة عن لسان أحد أطراف الحادثة وهو السيد العجان وهو المكاري، فهو لم يمت إثر الطعنة التي طعنها له المالطي بل أصيب فقط. وتستعرض الكاتبة نص المحضر والتحقيق مع المصري، وتطوف بنا فيما نشرته جريدة الأهرام عن مجزرة الإسكندرية، بعد حوالي 56 يوماً من حدوث المذبحة. ويعرض الكتاب لتقرير عمر باشا لطفي محافظ المدينة في ذلك الوقت عن الحادثة، ويروي يوميات المدينة الحزينة يوماً بيوم، كما تطرقت الكاتبة لحكايات إنسانية من ملفات إنجليزية، ومنها حكاية السيدة هربرت بي ريبتون، التي قتل زوجها وحوالي 300 أوروبي، والتي قام أحد الجنود المصريين بتهريبها هي وابنتها إلى الحي العربي، وهناك قام شيخ طيب بإخفائها حتى المساء ثم ساعدها في التنكر في زي فتاة عربية وأعادها إلى منزلها وهي في حالة رعب وانهيار. وبعد أربعة أيام تمكنت من الهرب والصعود على سطح إحدى السفن التي استأجرتها الحكومة الإنجليزية لنقل المهاجرين الأجانب للفرار من الهلع الذي اجتاح المدينة. يحفل الكتاب بكم هائل من الصور والخطابات والوثائق النادرة التي تحكي هذه المأساة، بل ضم الكتاب بين طياته شهادات أجنبية على بسالة الجنود المصريين في الدفاع عن مدينتهم، ومنها ما قاله القومندان “جودريتش” من رجال البحرية الأميركية، وكان على متن السفينة الحربية الأميركية “لانكاستر” في تقريره الذي رفعه إلى حكومته وقال فيه “إن جنود المدفعية المصرية جاوبوا نيران الأسطول الإنجليزي الجهنمية مجاوبة مدهشة لم تكن منتظرة بتاتاً وأظهروا بسالة عجيبة رغم التفاوت الجسيم بينهم وبين الإنجليز من حيث عدد المدافع وعيارها”. وتكشف المؤلفة في نهاية الكتاب أن أخطر ما عثرت عليه في الأرشيف الوطني البريطاني، وهو طلب موجه لوزارة الخارجية الإنجليزية بالإسكندرية على تعويض لما أصابها من أضرار جراء أعمال النهب والحريق التي جرت بالمدينة وبالتحديد يوم 14 يوليو وبيان بالأشياء التي نهبت وحرقت وقيمتها حوالي 31 جنيهاً إسترلينياً. هذا فضلاً عن خطاب لمتضرر آخر بشأن الحصول على تعويض بسبب الخسائر التي لحقت بممتلكات أحد المواطنين الإنجليز الذين كانوا يعيشون في الثغر وتعرضت للنهب بسبب الأحداث الأخيرة، وفيها يطلب من وزارة الخارجية الإنجليزية توجيهه للمكان المناسب لطلب التعويضات وملحق معه بيان بالخسائر التي تبلغ 118 جنيهاً إسترلينياً. ويختتم الكتاب بمحاضر التحقيقات مع بعض المتهمين بالسرقة وبلاغات عن ضياع أمتعة واستدعاء لبعض المتهمين والبدو وغير ذلك من الوثائق الهامة التي تكشف خبايا مذبحة الإسكندرية وما تبعها من أحداث والتي انتهت بإعدام القائمقام سليمان سامي داوود أو عرابي الإسكندرية أو شرير الثورة العرابية كما أطلق عليه، فقد حكم عليه بالإعدام في 7 يونيو 1883 ونفذ فيه الحكم علناً في ميدان القناصل أو المنشية بين الخرائب وأنقاض المباني، وشهد تنفيذ الحكم عدد كبير من سكان المدينة والصحفيين. الكتاب: يوميات إسكندرية 1882 المؤلف: أمل الجيار الناشر: مكتبة الإسكندرية ـ سلسلة إصدارات ذاكرة مصر المعاصرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©