الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جوزيه ساراماجو: هناك من لا يحتمل وجودي

جوزيه ساراماجو: هناك من لا يحتمل وجودي
30 يونيو 2010 21:56
في يوم من أيام عام 2007 نظر الكاتب البرتغالي الراحل جوزيه ساراماجو في صورته المنعكسة على المرآة فوجد عينيه كبيرتين بارزتين خلف نظارته الطبية وتخيل أنهما تنظران إليه بغرابة ودهشة كما لو كانتا تقولان له: “ألا تزال هنا، هل مازلت توجد في هذا المكان”. ولم تكن تلك الجملة تنتمي إلى أي فصل من فصول رواياته الأخيرة، مثل “الرجل المزدوج” الصادرة عام 2002 ولكنه ظل لفترة بعد كتابة تلك الرواية ولديه شعور بأن هناك بديلا آخر عنه، أن هناك ساراماجو آخر، كان شاهدا على معاناته من اجل الخروج من الأزمة الصحية التي ألمت به مؤخرا وهو على قيد الحياة. ذلك الآخر كان يبدو أكثر جدية من الأصل، ورد عليه بأن عينيه لم تكبرا ولم تتسعا عن ذي قبل ولكن الكتلة اللحمية المحيطة بهما هي التي اختفت أو تضاءلت، وربما لهذا السبب أيضا أن جلده حدث له ما يحدث للموميات الفرعونية، انكمش والتصق بالعظام، وهو ما جعل العينين بارزتين وكبيرتين، وانهما لا تزالان كما كانتا من قبل ولم يطرأ على حجمهما شيء، ولكن ما حولهما هو الذي تغير، كان البديل يعرفهما جيدا وكان على وشك أن يضيف: “انهما تبدوان كنجمين مضيئين في الحدقة”، لكن البديل توقف عن الكلام على الطريقة الشاعرية التي اعتاد عليها ولكنه كان اقل ثرثرة مما كان عليه ساراماجو الذي عاد إلى الكتابة كم جديد وأضاف إلى الرواية العالمية المعاصرة، ليس فقط البرتغالية منذ أن نشر عام 1995 روايته “دراسة عن العمى” فاختلفت طريقته في الحكي اختلافا جذريا عما كانت عليه قبل العام 1980 الذي كتب فيه “مرتفع عن الأرض”. فقدت عشرين كيلوجراما، لقد كنت نحيفا دائما كالجد “جيرونيمو”، ولكن عشرين كيلوجراما كثير، طولك 180 وكان وزنك 71 كيلوجراما والآن وزنك 51 فقط، هل تفكر في طعامك المكون من التفاح المشوي وفيما قالته “جوسيفا”؟. لقد كان البديل يعرف كل شيء، كان يعرف ان الجد “جيرونيمو ميرلينيو” المولود في قرية “ازينييجا” وزوج “جوزيفا جايشينيا” كان قد غادر الحياة بعد أن عانق كل شجرة مزروعة في حديقة البيت، “جيرونيمو” الذي علّم حفيده حكي الحكايات أثناء نومه في ليالي الصيف تحت شجرة التين، ليصبح بعد ذلك هذا الحفيد احد أهم من ألقى خطابا أثناء تسلم جائزة نوبل، فقد تذكره ساراماجو بقوله: “الرجل الأكثر علما فيمن عرفتهم طوال حياتي والذي لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة”، نعم، كان البديل يعرفه جيدا، ترى ماذا قال لزوجه “جوزيفا”؟ “إن العالم جميل جدا واشعر بالألم لموتي”. الإنسان والشكل من سنوات وجوزيه يشعر بتوعكات صحية، أضعفته “زغطة” مستمرة ولكن التفاح المشوي ساعده كثيرا على تخطي الضعف الجسماني فلم ينقطع عن الكتابة أبدا، ولم ينقطع عن الحركة في العالم كله مُديناً “العولمة” وواصما إياها بأنها “شمولية جديدة” أو كما ذكرها كارل ماركس في “العائلة المقدسة” الذي يقول: “إذا كان الإنسان قد شكلته الأوضاع المحيطة به لذلك يجب إعادة تشكيل الأوضاع بشكل إنساني”، يرى البعض أن هذه الأشياء خاصة بساراماجو، كان قد كتب عام 2005 “انقطاعات الحياة” ولم يكن الأمر مجرد تجريد فقد كان الموت حضوره مجسدا وواضحا، فقد كتب يقول “الكاتب خالق لشخصياته وفي الوقت نفسه يكون لعبتهم” وشخصية الموت تحولت من اللامرئي إلى المرئي، لقد جاء ليأخذه ويتذكر ساراماجو ذلك جيدا إلا أنه لم يكن متقبلا لهذا الوضع، وان كان جزءا من جسده يبدو مستسلما لذلك، قبل الأزمة التي مر بها ووصل إلى حد التوقف عن الشعور بذلك الخيط الرفيع المسمى بالحياة، كان ذلك في البداية في مصحة “لانثاروتي” إلى درجة أنهم تشككوا في مدى ملاءمة إدخاله المصحة. يقول ساراماجو: ربما لم يكونوا يرون أن ذلك المكان مناسب لشخصية مثل ساراماجو، وأنا أشكرهم على ذلك كثيرا، ولكن الموت لم يأخذني معه، لقد كنت واعيا بذلك، كنت أعرف وأشعر وأرى أنني على وشك الانتقال إلى الحياة الأخرى، وقلت بعدها “لا تحدثوني عن الموت لأنني عرفته من قبل، بأي شكل من الأشكال كنت أعرفه”. كانت هناك أجزاء أخرى من جسده لم تقبل الاستسلام، فلا القلب ولا العقل، لقد ظل القلب ينبض بكل قوة، والعقل بدأ يعمل بعد يومين من الخروج من العناية المركزة وانتبه إلى علاقات يذكرها الآن ساراماجو كما لو كانت صورة طليعية لنفسه، “في تلك اللحظة، والتي كانت من أسوأ لحظات حياتي، كنت أرى شيئا له خلفية سوداء بها أربع نقاط مضيئة تشكل مربعا غير متساوي وكنت واعيا جدا أن هذا الشكل هو أنا”. ? لدى كل منا ذاكرة جسدية، أي علاقة كانت لساراماجو مع جسده؟ ? أنا كنت أقبل شكل جسدي، فلم يكن جسدا مشابها لجسد أدونيس على الإطلاق، وعرفت مع مرور الزمن تدهورا في شكلي، فانا لم اتمتع بعضلات في جسدي على الإطلاق، هيكلي العظمي رقيق، وكنت راضيا عن ذلك، ربما مع بعض الشفقة، ربما كان هذا صحيحا وربما لا، وعلى أي حال لا زلت أقبله بعد كل هذه التغيرات، وفي تلك الحالة الأخيرة من المرض فلا يزال جسدي يتمتع بشيء من التناسق، فلا زال لدي حضور فيزيقي جيد، ففي أعماقي لا أبدو غير راض، ولكن أن انتقل من هذه الحالة إلى حالة عشقي لجسدي والاهتمام به بشكل مبالغ فيه لم أسقط في هذه الحالة أبدا، ولا حتى أستطيع أن أقول إنني كنت تحت سيطرة هذه الحالة. عينان عميقتان عينا ساراماجو عميقتان وكبيرتان رغم التغيرات التي حدثت في وجهه، عينان تضمان عينين، توقفاته إثناء الكلام لا تبدو رغبة في الراحة من عناء الكلام ولكن كانت تترك مكانها للنظرة التي تسبق الكلام، فتبدو التوقفات كما لو كانت الجذور التي تندفع نحو الأعماق في الأرض. في يوم من بدايات العام 2008 سمع ساراماجو من احد الأطباء كلمة “معجزة” ولم يكن سيئا أن تصدر هذه الكلمة عن من يمتهنون العلم لكنه لا يستسلم أبدا أمام ما لا يقبل التفسير ففسرها على أنها من الأمور اللصيقة بمهنة الطب، وبرعاية زوجته له، بيلار ديل ريو، وبوفاء قلبه، “انه قلب ممتاز”، وبغرقه في طاقة غريبة، إنها السخرية، السخرية المعبرة، التي لا تتوقف، سخرية أثارت بديله، ذلك الساراماجو الآخر، الذي ظل جادا في نظرته، وان كان يبدو حائرا، نعم كان حائرا وهو يراقب كل ما يحدث من حوله، فلم يرى نفسه أبدا وهو يحكي النكات بهذه الطريقة. يقول: كنت أحب أن أراك في المستشفى خلال زيارة الأطباء وان تستمتع إلى حواراتهم، وأنا الذي كان في حالة خطرة، مريضا، مريض جدا، ولكني كنت اشعر بحرية التعبير المطلقة، وبالسخرية التي كنت أتواصل بها معهم كانت مدهشة، ومثيرة لي، كنت اسمع ذلك الذي يتكلم، ذلك المريض الذي كنت أنا، كنت أفكر ككائن مزدوج: كيف كنت أتحدث مع هؤلاء على هذا النحو؟ وأنا الذي لم أكن قادرا على إقامة أي حوار طبيعي، كان هذا هو صوتي، وهم كانوا ينظرون إلي، يبتسمون وأنا كنت أواصل.. لم يكن شيئا مخططا بشكل مسبق، لم أكن أفكر، كان علي أن أبين لهؤلاء الناس إنني أتمتع بحالة جيدة، كنت امثل حالة عكس كل ما كان منتظرا من شخص في حالتي في تلك اللحظة. ? ساراماجو ذلك الرجل الصامت، الرجل الجاد، الذي يفسر أي ضوضاء على أنها شيء غير طبيعي؟ ? كان هذا عندما كنت أدخن البايب، نعم كان هذا يحدث حقيقة، لقد كنت كذلك، منذ صغري، صامت، متحفظ، موسوس، لم تكن ضحكتي سهلة، ولا حتى ابتسامتي، كانت هذه الأشياء تحتاج مني إلى جهد كبير، فالفرح والحزن كانا عندي داخليين، لا اعبر عنهما، لقد كانت كذلك منذ طفولتي المبكرة. سخرية مستجدة ? مع ذلك فان أعمالك موسومة بشكل عام بالسخرية، سخرية ذات نوع عميق؟ ? السخرية جاءتني متأخرة، ما كنت أكتبه وأنا في الثالثة والعشرين من عمري لم يكن به أي نوع من السخرية، لكن معرفتي بنفسي ومعرفتي بالآخرين كانت أساس هذه السخرية، فالسخرية إبداع يحتاج إلى عمل مضن. ? بعد نشر “مرتفع عن الأرض” قلت: “لا أكتب لأرضي قوانين قائمة، أكتب كمن يتنفس، كمن يتكلم”، ربما كانت اللغة تأتي الآن كنوع من مساعدة الجسد؟. ? لا شك في هذا، إنها كمن يتنقل بي، كما لو كنت اعتمد على اللغة، فلم أكن قادرا على الحركة من السرير، لكني كنت اشعر أنني أحلق باللغة، وعقلي كان واعيا بحالة جسدي، بالوضع السيئ الذي كنت عليه، والذي كان في الوقت نفسه قادرا على الازدواج والعمل كما لو لم يحدث شيء، كما لو كانت حرية العقل والسخرية خارج سيطرة ضغط المرض المستمر، وهذا ساعد كثيرا على إنقاذي، السخرية، إنها قدرة فائقة على التحريك الشفهي، إنها ناتجة عن عمل العقل، والمثير للدهشة من كل هذا إنني خرجت من هذا كله بروح جادة جدا، بجدية مدهشة، ليس كما لو لم يحدث شيء لأنني اعتقد أن هذه الجدية الكاملة كانت نتيجة هذا المرض، وليس لأنني انتهزت الفرصة لمراجعة كاملة لحالتي الباطنية، ولكن ربما بسبب اقتراب الموت المؤكد، لقد خرجت من هذه الأزمة بجدية لا تزال تلازمني حتى اليوم، وتقارن بمركز العاصفة حيث كل شيء هادئ ولا يحدث شيء، حيث لا يتحرك الهواء. ? من العادي أن الواحد منا في مثل هذه الأوضاع يقوم بعمل تقييم لحياته، السيئ والشرير منها، حساب ثقل الروح، تلك اللحظة التي تقال فيها الجمل الكبرى تلك، كما قال بورخيس: “لقد ارتكبت اكبر الخطايا التي يمكن للإنسان أن يرتكبها... لم أكن سعيدا”. ? إن هذه عملية ذهنية، تقوم بصناعتها فيما بعد، معي لم يحدث على هذا النحو، أنا عدت إلى الحياة، عدت إلى الحياة بشكل طبيعي وبنفس الجدية التي حدثتك عنها، لم أكن قادرا على الحركة ولم أتحرك، ربما يأتي اليوم، وجاء، لقد قالها لي احد الأطباء: حضرتك تحتاج إلى سنة على الأقل لاستعادة شيء يبدو طبيعيا، حسن، لقد حدث كل شيء بسرعة اكبر مما توقعوا، سريه بشكل مدهش، لكن في الوقت نفسه، كان صعبا. ونتحدث الآن عن السخرية، ربما كانت الجملة الأكثر مناسبة لتلك اللحظة هي التعبير الفرنسي: “انتظار اللحظة المناسبة”. رحلة الفيل ? في “رحلة الفيل” كانت السخرية لذيذة، من أعماق ثرفانتيس وفيللليني، والآن بعد المرض هل يمكننا أن نتحدث عن ساراماجو ثالث، من ذلك النوع المتدين؟ ? ربما يمكن قول هذا، خرجت من المصحة وجلست استعدادا للعمل، لكني لم أتمكن من السيطرة على روحي، فقضيت اليومين الأولين بعد خروجي من المصحة في تصحيح ما كتبته من قبل، حوالي أربعين صفحة، وفي اليوم الثالث بدأت في مواصلة “رحلة الفيل” لقد كانت تلك من اللحظات التي يمكن للمرء أن يتساءل فيها: من الذي يساعدني على فعل هذا؟ لأنني لم أكن قادرا في البداية على الاستمرار، ولكن اعتقد انه من المدهش إننا استطعنا ذلك، لقد كانت علاقتي بهذا الكتاب على هذا النحو: كيف أمكنني أن اكتبه؟ ? كان صامويل بيكيت يتحدث عن “الواجب” فيما يتعلق بالاستمرار؟ ? كنت قد كتبت أربعين صفحة من “رحلة الفيل” في عام 2007، أي كان التوجه محددا، كانت لدي نقطة انطلاق، ومجموعة من الملاحظات التاريخية، وهي محاولات ملك البرتغال “جواو الثالث” إهداء ابن عمه ارشيدوق النمسا فيلا هنديا موجود في لشبونة منذ عامين، ومغامرة نقل قافلة الفيل حتى فيينا، وهناك جملة في الرواية مأخوذة من كتاب “كتاب الطرق” تقول: “دائما ما نصل إلى حيث ينتظروننا”، وربما كانت هي السر، وأيضا تعتبر الكتابة بالنسبة لي شيئا حيويا، وهي تعتبر بالنسبة لي أيضا رحلة، حسن، ما حدث انه خرج شيء كان يمكنه ألا يخرج، إن تركيبة هذا الكتاب غريبة، في أعماقي أنا لا اعرف شيئا عن هذا الكتاب. ? لو كان قد قال لي خذه الجملة كاتب آخر لاعتبرته يسخر، إلا إنني أصدقك؟ ? في الحقيقة من الذي يحكي؟ ليست لدي أية إجابة، لقاء الأفكار في عملي له أهمية لم استطع تحديدها، أنا أثق كثيرا في تلاقي الأفكار، أنا رفضت دائما وجود الراوي، والدارسون يقولون لي: “حضرتك مخطئ” وأنا كنت أضع أمامهم مثالا: “أين الراوي في أي عمل مسرحي؟، عندما بدأت في كتابة هذه الحكاية، قلت لنفسي: “هل تريدون راويا”؟، إذن أنا هنا، واحكي الحكاية كمن يجلس في مطبخ قريتي ويحكي حكاية، وهنا يمكننا أن نذكر المثل الشعبي: “من يحكي حكاية دائما ما تطول منه الحكاية”. أما الجوانب الأخرى فان الكتاب تحية للغة البرتغالية. ? قال جابرييل جارثيا ماركيز مؤخرا انه كان “يعاني ككلب” عندما يقرأ الصحافة، هل حضرت غاضب أيضا من صحافة اليوم؟ ? اعتقد أن “جابو” يبالغ وأنا لم اعد أبالغ في أي شيء، ربما كان حقيقة إن هناك تدني في مستوى الكتابة الصحافية اليوم، ولكن هذا يتعلق بكيفية أن نقول أن صحافة اليوم أسوأ من صحافة الأمس؟ أفكر في البرتغال واسبانيا، تحت سيطرة الدكتاتورية عندما كانت المعلومات ملغومة، حينها، أما الآن فانا لا أعاني لا مثل كلب ولا مثل لي شيء، لقد اعتدت على ذلك. ? لم تعد تمارس الصحافة الخبرية ولكنك عدت إلى الخطوة الأولى، حاصل على جائزة نوبل، ومؤلف شهير، ومع ذلك تقرر أن تكون لك “مدونة” على شبكة النت “كراسة ساراماجو” باللغتين البرتغالية والاسبانية، كما لو كنت مبتدئا، وكتبك تحصل على أفضل الرؤى النقدية في وسائل الإعلام الرئيسية بالولايات المتحدة، مثل “الواشنطون بوست” او “نيو يوركر” دون أن تربط ذلك برؤيتك السياسية المتعارضة مع رؤيتها، وكتبك في أفضل المكتبات في جميع قارات العالم، ويمكنك أن تنشر في اكبر وسائل الإعلام وتعبر عن رأيك، لماذا هذه المدونة؟ هل للإعلان عن رفضك؟ ? ربما كان ذلك الشعور بالإحساس بالبدء من جديد، والكتابة دون رؤية مسبقة، وسائل الإعلام بالطبع تدفع مقابل الكتابة، ولكن انظر كيف فاز “اوباما” وأنا أهنئ نفسي بهذا الفوز، واكتب على الفور مقالا وأطالب دون أدنى حرج بالإغلاق الفوري لسجن جوانتامو، وإنهاء الحصار عن كوبا، وهكذا اكتب عما يعن لي، في الحقيقة فان النظام سرعان ما يدمجك فيه فأنت في النهاية لست أكثر من كونك جزءا من التورتة، يتغاضون عن أرائك أو يسخرون منك، أنها أشياء خاصة بساراماجو. ? من تسميهم حضرتك قمة التورتة هل يمكنهم أن يمثلوا مركز المقاومة، ويبدو أن المسؤول عن الحالة المترهلة هو النظام نفسه، وفي نص عن “ماركوس أنا” الذي سجن في أيام فرانكو في الفترة من 1939 إلى 1961 تحدثت أنت عن ضرورة هزيمة الغباء واللامبالاة والجبن؟ ? أنا لست غبيا وما أقوله إنني بالضرورة متردد، وهذا ليس شيئا طيبا، وأنا اعرف هذا، أحب أن أتحمس لشيء لكني لا أتمكن من ذلك، هناك أزمة خطيرة ولكن نحن المواطنين لا نملك الأدوات للتأثير في حلها، لكن، على الأقل، عليهم أن يقولوا لنا الحقيقة، انظر، رئيس وزراء البرتغال انطونيو جوتيريس عندما كان رئيسا للوزراء صرح في مقابلة صحافية: “السياسة هي فن عدم قول الحقيقة”، ولم يقف احد ليحتج، فالمواطنون يدفعون التيار أمامه ولكن يجب علي أنا أن أقول: لا اقبل هذا، والتردد لا يعني القبول بالأمر الواقع، فانا لن اقبل بالأمر الواقع أبدا، ومع مرور الوقت اشعر انني متحرر، وهناك ثلاثة أسئلة لا يجب ان نتركها تمر بسلام طوال حياتنا: لماذا؟ ولأي شيء؟ ولمن؟ ? حضرتك لم تبع نفسك أبدا؟ أي انك لا تشعر بأنك تنازلت في يوم من الأيام؟ على سبيل المثال من اجل الحصول على جائزة؟ ? لا، أبدا لم أتنازل مطلقا، لم أتنازل مطلقا، لا ماديا ولا رمزيا، وجائزة نوبل كرست لشيء كان موجودا هناك، رغم انه في الأوساط الأدبية هناك مجموعة من الناس لا يحتملون وجودي. الكراهية بين الكتّاب ? لماذا توجد الكراهية بين الكتاب، وتكون أحيانا أكثر عمقا بين الأقربين من بعضهم؟ هل لأنه كما قال جان شابلن إن “الكُتاب لا يقرأون بعضهم ويكتفون بمراقبتهم”؟ ? بالنسبة لي فان هذا الأمر لا تفسير له عندي، لا اعرف، لا اعتقد أن الأمر متعلق بالأشخاص، فانا لا اعتقد انني كنت سببا في شيء كهذا، ربما لا يقبلون ذلك الذي يسمونه “النجاح” أو الشهرة، وجائزة نوبل... عندما ظهرت في الحياة الأدبية خلال الثمانينات كان العالم الأدبي منظما وكاملا كل واحد في مكانه، ونعم كان هناك نوع من الحسد، وأيضا كان هؤلاء في أماكنهم، وأنا لم يكن متوقعا ظهوري. ? يقول مانويل فيثنت انه في عالم الأدب يوجد أفضل وأسوأ ما في البشرية؟ ? في حالتي، اعتقد انه ببساطة شعر البعض انه مهدد في مكانه، ولكن ما لا يستطيع أن يقوله احد أنني كتبت كتابا شيئا. ? بكراهية أو بلا كراهية، لا اعتقد انك يمكن أن تنزع من المبارزات التي تحدث في الصالونات الأدبية؟ ? عندما أبلغوني بخبر الحصول على جائزة نوبل كنت في معرض فرانكفورت، وأقمت مؤتمرا صحافيا قلت فيه: “أنا لم أولد من اجل هذا، ولكن هذا جاءني إلى عندي” حقيقة، أنا لم أولد من اجل هذا، أنا لم أولد من اجل هذا ولا ذاك، ولا احد يستطيع أن يقول انه ولد من اجل هذا، ولا حتى اوباما ولد ليكون رئيسا. ? في أعمالك هناك شخصيات لا تنسى، مثيرة وتنتمي إلى الواقع الذكي، لا تقل لي انك لم تقع في حب “بليموندا” في “ذكرى الدير”؟ ? بليموندا... لا أستطيع أن أتعامل معها كامرأة رغم انها بسيطة، وربما كانت زوجة الطبيب في “دراسة عن العمى” نعم ربما وقعت في حب تلك المرأة.. ? هناك انطباع بأنك صديق للنساء أكثر من الرجال؟ ? هذه حقيقة لا انكرها. ? هناك زمن انتشرت فيه شائعة انك فضلت المنفى، المنفى الاسباني، وحقيقي أن لكل بيت في جزيرة لانثاروتي، ولكن لا يبدو انك قد نفيت نفسك بنفسك؟ ? عندما أكون هناك أكون هنا أيضا، أنا لم اذهب مطلقا، لقد عبرت عن احتجاجي ضد حكومة رجعية بسبب موقفها الرقابي ضد روايتي “الإنجيل طبقا لرؤية المسيح”، وانتقدت أشياء أخرى في البرتغال، وفي اسبانيا أيضا، وفي كل هذا العالم، والتي حولت الحياة إلى جحيم، لكن، ما هو مصير كاتب لا يتمتع بحرية الكلمة؟ ? قريبا سيجري افتتاح “مؤسسة ساراماجو” وفي مكان خاص جدا من العاصمة لشبونة، البيت ذو القمتين، في اشهر مكان، هل هذا عودة إلى اللقاء مع البرتغال من جديد؟ ? نعم، انه مبنى تبرعت به الغرفة البلدية لعشر سنوات، ويعتبر تحديا كبيرا، ولا بد أن تكون تلك المؤسسة مصتعا إبداعيا، جرى بناء هذا المبنى في القرن السادس عشر، ومستوحى من قصر الماس الإيطالي، وتحول في القرن العشرين إلى مخزن للسمك المملح، انه مكان شعبي ورائع وسأقول لك شيئا مهما بالنسبة لي. ربما من المهم ان تعرف انه سيمنحوك جائزة نوبل ويبدأ اسمك في الدخول في قائمتها، وتمضي السنوات، ويتكرر اسمك، ولكن تفكر وتقول لنفسك: انه غير معقول؟ ربما يمنحوني جائزة نوبل، لكني لم احلم أبدا أن يكون اسمي على المبنى ذي القمتين ويمكنه أن يحمل اسم جوزيه ساراماجو، وحتى في المرات القليلة التي مررت فيها أمام هذا المبنى كانت قدماي ترتعشان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©