السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قضية النقاب في تونس

22 ابريل 2012
أقبلت إحدى الطالبات مؤخراً بعد انتهاء المحاضرة إلى أستاذها مُخبرة إياه بأنها اتخذت قراراً بارتداء النقاب. تفاجأ الأستاذ وحاول إخفاء ذلك بابتسامة معبّراً عن عمق تفهمه لاختيار الطالبة، مؤكداً لها ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات المتعلّقة بذلك القرار، الذي يفترض تغييرات على مستوى القانون الداخلي للجامعة مما قد يسبب بعض الإشكالات، حيث إن جميع المؤسسات العامة في تونس تمنع لبس النقاب. ويخوض التونسيون نقاشاً واسعاً الآن حول ما إذا كان يتوجّب إلغاء منع النقاب، وما سيكون أثر ذلك على الجامعات، وهو نقاش عملت وسائل الإعلام على تغطيته بشكل واسع. وقد أمعنت الطالبة التفكير في رأي الأستاذ وتراجعت عن لبس النقاب في حرم الجامعة. هذه قصة عاشها أحد الأساتذة في إحدى الجامعات التونسية. وهي وإن تعددت أبعادها، فإنها دون شك، تعكس البعد الأهم وهو نجاعة التواصل عن طريق الحوار في ظل ما عرف بـِ"قضية النقاب"، التي لم تكن لتصبح قضية رأي عام لو بقي ارتداء النقاب خارج أسوار الجامعة التونسية. أما الآن، فسيتعين على الأطراف أن تجد طريقة لحل هذه القضية. لقد تغيرت المواقف ووجهات النظر في أعقاب الثورة التونسية حول اللباس الديني، وانتشر النقاب بين العديد من الفتيات والنساء. وكان ارتداء النقاب وحتى الحجاب قبل الثورة ممنوعاً عند استخراج بطاقة هوية وطنية أو جواز سفر، أو العمل في الوظيفة العمومية. كما لم تكن تتجرّأ أية فتاة على ارتدائهما في الشارع التونسي خوفاً من الملاحقات البوليسية التي تنتهي عادة بالسجن. إلا أن منع "اللباس الديني" في المؤسسات العامة، الذي كان مفروضاً قبل الثورة استمر بعدها، وأدى ذلك بالتالي إلى ردود أفعال وصلت حد الصّدامات بمجرد منع كل منقبة من الدخول إلى حرم الجامعة، وهو القرار الذي طُبِّق في جامعة "منوبة" بالذات. وهذه هي النقطة التي بقيت بعد الثورة محلّ تحفظ من طرف الجامعات التي ترددت بين مواصلة تفعيلها وبين تجريدها من صبغتها الإلزامية، فاختارت الجامعات التروّي وفي الوقت نفسه انتظار قرار حاسم في الموضوع من طرف وزارة التعليم العالي. يقول معارضو النقاب إن الأستاذ لا يمكنه مخاطبة طالبة لا يرى وجهها، وإن منع النقاب جاء لأسباب أمنية. ودافعت المنقبات عن مواقفهن معتبرات أن لباسهن شأن خاص يتعلق بالحرية الفردية والدينية، وإن اندماجهن في الجامعة لا يعرقل سير الدروس أو الامتحانات، إذ يكفي إثبات هويتهن عن طريق كشف وجوههن لامرأة مثلهن لتحقيق المتطلبات الأمنية. وقد احتدّ التوتر أمام اختلاف المواقف حتى وصل إلى الوضع الراهن، حيث يعتبر الطرف الجامعي أن أشخاصاً ينتمون إلى تيار ديني متشدّد وقفوا وراء القضية، فيما ترى المنقبات ومساندوهن من طلبة وأطراف من خارج الجامعة أن عمداء الجامعة تعمّدوا تصعيد الخلاف وإثارة الاستفزازات المستمرة نظراً لتوجّهاتهم الشخصية. ومهما يكن من أمر، فإن الوضع لا يحتمل تصعيداً من أي جانب كان بقدر ما يفترض، ولو كان الأمر متأخراً قليلاً، الجلوس إلى طاولة الحوار بين الطالبات المنقبات والمجلس العلمي للجامعة لإيجاد أرضية تفاهم مشتركة، بعيداً عن كل الخلفيات الإيديولوجية أو السياسية. كما يمكن إشراك أطراف أخرى من خارج الجامعة لإضفاء المزيد من الحياد على القضية المطروحة، نظراً لحساسية الموضوع واعتباراته الدينية، على رغم أن النقاب محل اجتهاد بين الفقهاء أنفسهم. وهذه نقطة محورية يمكن توظيفها كحجة إقناع إلى جانب حجج أخرى تتعلق بالإجراءات القانونية والتنظيمية داخل الجامعة، في إطار حوار بناء. ويتحتم أكثر من أي وقت مضى توفير الحد الأدنى من المصداقية من خلال إشراك أطراف أخرى سواء من داخل المجلس التأسيسي، باعتبار تمثيله للسلطة الشعبية، أو شخصيات دينية وفكرية مشهود لها بالنزاهة، إضافة إلى إشراك ممثلين عن المجتمع المدني حتى يتسنى الوصول إلى الإجماع. ومثلما أثمر الحوار بين الأستاذ وطالبته في الوصول إلى اتفاق مشترك، فإن نفس طاولة الحوار تتسع لبقية الأطراف لحل هذا الخلاف. لطفي رضوان شبيل صحفي في صحيفة «الشروق» التونسية ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©