الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصانع الجبن السويسرية متاحف للعرض والطعم يكمن في ماكيناتها الأثرية

مصانع الجبن السويسرية متاحف للعرض والطعم يكمن في ماكيناتها الأثرية
8 ديسمبر 2009 23:39
قد لا يكون متوقعا أنه بإمكان زوار الريف السويسري القيام بجولات سياحية داخل مصانع الجبن. وهي بغزارة معالمها الدسمة، تحولت بمعظمها إلى متاحف للعرض تستقبل على مدار السنة عشاق التذوق ممن يفخرون بعرض أصناف الجبن في مجالسهم. ويتبادلونها كهدايا لا يقدر قيمتها إلا من تعرف على أصلها وفصلها وسر إنتاجها. وإذا كان عالم الأجبان يعج باللذائذ والنوادر، فإن المصنع منه في أعالي الجبال السويسرية يحتل مركز الصدارة منذ ما يزيد عن قرن من الزمن. ولا يختلف اثنان على تميز هذا المنتج الأصفر الفاخر في الطعم والشكل واللون، وكذلك في الثقوب التي تخبئ وراءها حقيقة علمية يكشفها الخبراء في مجالهم. وإذا كنت من هواة تجميع الجبن والمقارنة بين صنف وآخر منه، وفقا إلى قدمه أو كيفية تصنيعه أو حتى درجة تخميره، فإن التعرف بالعين المجردة على المراحل التي تمر بها هذه القوالب العملاقة سيشكل لك متعة استثنائية. بالأسود والأبيض على أحد تلال مقاطعة “فالي دو جوا” السويسرية يقع مصنع “لي شاربونييه”، واحد من أهم متاحف الجبن الذي مازال حتى اليوم يحتفظ بآلات التصنيع التي تعود إلى ما قبل 120 عاما. وهي على اعتبارها تحفا فنية، ليست مركونة في الزوايا، بل مازالت تستعمل وبيسر في عملية الإنتاج مع مختلف المعدات القديمة. ويقول صانع الجبن جان ميشال روشا الذي توارث مهنته أبا عن جد، “إنَّه كلما كانت الآنيات والأدوات المستعملة في التحضير قديمة ومعتقة بالخمائر المتراكمة عبر السنوات، جاء الصنف بطعم خاص”. وهذا برأيه ما يميز جبن “فاشران مون دور”، الذي يتولى انتاجه في الفترة ما بين سبتمبر وأبريل من كل عام. والسبب أن الأبقار المتواجدة عند جبل “مون دور” الممتدة قممه حتى الحدود مع فرنسا، تعطي حليبها في فصلي الخريف والشتاء مرتين يوميا. بمجرد الوصول إلى المكان يشعر السائح بخصوصية الحدث المنتظر تقديمه على طبق العرض. فعبق الجبن يفوح حتى بداية الشارع، وتفوح معه رائحة التراب المبللة. ومع التقدم خطوات باتجاه المدخل الخارجي تزداد العلامات الدالة على أهمية المتحف وعراقته. تستقبلك أولا الآلات الأثرية التي تعجب من كونها مازالت صالحة حتى يومنا مع حفاظها على لونها النحاسي وشدة النظافة المحاطة بها. وإلى جانب كل منها لافتة تروي قصتها وكيفية استعمالها مع صور عتيقة بالأسود والأبيض معلقة على الجدران تروي من دون كلام تاريخ هذه الصناعة. وقد تطور علم تصنيع الأجبان بخطوات ثابتة في أوروبا مع تطور الأبحاث العلمية. وكانت البدايات الفعلية له في القرى السويسرية النائية عام 1800، حيث تنتشر المراعي والمروج الخضراء كبيئة ملائمة لتكاثر أفضل الأبقار على أجود أنواع العشب، وإنتاج فائض الحليب الذي يحتاج إلى الحفظ. متاهات وتشرح الصور الموزعة على الطوابق الثلاثة للمتحف كيف نشأت فكرة تصنيع الجبن في المنازل القديمة الكائنة وسط المزارع. وهذا التقليد مازال ساريا في المجتمعات السويسرية حتى مع تشييد المصانع الكبيرة في المدن. إذ أن مختلف الصناعات اليدوية ومن ضمنها إعداد أصناف الجبن تقوم في الغالب داخل البيوت، بالقرب من الحقول التي تنتشر من حولها الوحدات السكنية. تستكمل الرحلة بين متاهات الجبن، وهنا لا بد أن تتذوق من العينات الجديدة والقديمة والمتوسطة القدم لتتعرف على الاختلاف في تحضير كل منها. وهناك لا تنسى أن تتذوق الصنف المائع، والذي يتم تسخينه كمظهر احتفالي في المناسبات المميزة. وأفضل طريقة للإحساس بطعمه اللزج الدسم، هي سكبه ساخنا فوق البطاطا المشوية أو “الجاكيت بوتايتو” المعروفة هناك باسم pommes de terre en robe des champs. أما التقليد الأكثر انتشارا في سويسرا، فهو التعامل مع قالب الجبن على أنه قالب حلوى، وتقطيعه بشكل مثلثات أنيقة. وسواء اخترت أن تأكل قطع الجبن بالشوكة وتتمعن بمذاقها الأصلي، أو أن تتناولها مع الخبز السويسري المقرمش الشهي، فاعلم أنك لن تتوقف عن طلب المزيد منها. طقوس وسيادة بعدها يأخذك الدليل السياحي في جولة من الألف إلى الياء على مختلف المراحل التي يمر بها القالب، بدءا من غسل الحليب جيدا في ماكينات حديثة إلى طريقة سكبه وغليانه حتى 62 درجة مئوية وتخثره وتصفيته، ومن ثم لفه وتغليفه وتخميره. وأثناء عملية الطهي، فإن الطبقة الدسمة التي تطفو على السطح، تشكل اللبنة الأساسية لصناعة الجبن. مع الانتباه إلى اعتماد تقنية خاصة في عملية الحرك المسؤولة عن جودة التنشيف تمهيدا للفها بالرقائق الخشبية الخاصة. وعند النظر إلى دقة التعامل مع هذا المنتج الأصفر كمصدر غذائي يستحق الدلال والانتباه، يصبح من المعلوم حقا سبب تصدر الجبن السويسري سيادة هذه الصناعة لما لها من طقوس خاصة. ومن المعلومات الشيقة هنا كيفية تعقيم الطبقة العليا من الجبن المطهو بدهنها يوميا بمسحوق يتضمن مزيجا من الماء والملح ومادة شمعية، وذلك بواسطة فرشاة خاصة. ومع وجود مئات الأصناف من الجبن، تجدر الإشارة إلى أن الاختلاف بينها لا يكمن فقط في اللون وطريقة التصنيع والطعم، وإنما كذلك في درجة التعتيق. وهذا ما يميز الجبن الأصفر الأكثر رقيا عن الجبن الأبيض، بسبب حجم العناية التي يحتاجها والفترة الزمنية الطويلة لإعداده. جودة مدمغة ويحدد صانع الجبن المدة الزمنية التي يحتاجها كل قالب يعده ليصبح صالحا للبيع. وقد يمتد ذلك إلى عدة أسابيع، وحتى إلى أشهر طويلة بالنسبة للأصناف التي يتم تعتيقها. وتوضع القوالب على لوائح خشبية خاصة، داخل غرف مبردة يمنع دخولها أمام العامة، تفاديا لنقل الجراثيم. وهذه اللوائح يتم تعقيمها في الهواء الطلق للتأكد من نظافتها. ومن أسرار الجودة المدمغة على قوالب الجبن، العدل في مدى دسامتها وتقنية الحفاظ على نسبة الرطوبة فيها بما لا يتعدى 41 درجة مئوية. فنشافها الزائد يعرضها من جهة إلى اليباس وفقدان الطعم الجيد، وعدم تبخر الماء الفائض منها يؤدي إلى إصابتها بالعفن وتاليا بالتلف. هذه المعلومات وسواها يتم شرحها بين حجرات المصنع بشكل موجز، وعلى المهتم بإيضاحات أكثر دقة، أن يزيد من جرعة الأسئلة كما فعلنا. وبالنسبة للجبن السويسري عموما، يشترط أن يتم تصنيعه من حليب الأبقار المبستر كامل الدسم، ويراعى في عملية غليانه القضاء على البكتيريا الموجودة فيه. ومن ثم تحويل سكر “اللاكتوز” فيه إلى حامض اللبن أثناء مرحلة التعتيق. وهو يصنف من ضمن الأجبان الفاخرة، وتكمن خصوصيته في مذاق حامض «البروبيونيك» فيه. وبحسب خبراء الجبن فإن سر الفتحات في جبن «أمتال» يعود إلى هذا النوع من الحامض الذي يتكون أثناء مرحلة التعتيق.
المصدر: فالي دو جوا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©