الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فارجاس يوسا».. المثقف والسياسة في أميركا اللاتينية

4 مايو 2014 22:16
أندريس أوبنهايمر كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية عندما شاهدت «ماريو فارجاس يوسا» الروائي البيروفي الحائز جائزة نوبل في الآداب عند وصوله إلى فنزويلا الأسبوع الماضي ليمنح دعمه لاحتجاجات الطلاب ضد الحكومة السلطوية التي انتخبت بشكل مريب لم يكن بوسعي إلا التفكير في أن الكاتب البالغ من العمر 78 عاما واحد من أكثر المثقفين شجاعة من بين الذين قابلتهم في حياتي. ويستطيع «فارجاس يوسا» أن يتمتع بسني خريف عمره في تلقي الدرجات العلمية الفخرية من الجامعات حول العالم أو استقبال المشاهير من حول العالم في أي من منازله في نيويورك أو مدريد أو ليما. بل والأكثر من هذا، يستطيع «فارجاس يوسا» أن يجمع المزيد من الأصدقاء الآخرين، وربما يبيع المزيد من الكتب من خلال السير في ركاب التفكير السياسي السائد في أميركا اللاتينية الذي يدعي التقدمية ظلماً. ويستطيع أن يمتع مستمعيه بإخبارهم بالكثير مما يريدون سماعه مثل أن كل مشكلات أميركا اللاتينية سببها «إمبراطورية الشر» الأميركية، وأن يلتزم الصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان والكوارث الاقتصادية في بلاد مثل كوبا وفنزويلا. لكن «فارجاس يوسا» لم يقل ما يكنه صدره فحسب، بل عمل بحسب هذا المكنون. فقد زار فنزويلا الأسبوع الماضي ليشارك في مؤتمر بشأن الحرية في أميركا اللاتينية نظمته الجماعة المستقلة «سي. إ. دي. سي. إ»، (مركز نشر المعرفة الاقتصادية من أجل الحرية)، وهو يعلم أنه قد يتعرض على الأرجح لمضايقات أو للإهانة من النظام الفنزويلي الحاكم أثناء إقامته هناك. وفي مؤتمر صحفي وفي عدد من المقابلات هناك، ألقى «فارجاس يوسا» باللائمة على الرئيس «نيكولاس مادورو» في الكارثة الاقتصادية التي تعيشها فنزويلا، وأشار إلى معدل التضخم الذي بلغ 57 في المئة العام الماضي الذي ربما يكون الأعلى في العالم وإلى اتساع هوة العجز في المواد الغذائية والبضائع الأساسية رغم أن فنزويلا واحدة من أكبر دول العالم إنتاجاً للنفط. وخصص معظم جهده أثناء تواجده في هذا البلد الأميركي اللاتيني للتواصل مع الفنزويليين في بلد يشدد بشكل مستمر رقابته على وسائل الإعلام. وقال «فارجاس يوسا» إن «مادورو» يُصر على استخدام السياسات الشعبوية والاشتراكية التي عفا عليها الزمن، والتي فشلت في كل مكان. وعندما سئل عن احتجاجات الطلاب المناهضة للحكومة التي هزت البلاد منذ فبراير الماضي، والتي قتل فيها 41 شخصاً، وأصيب فيها مئات بجروح، دعا «فارجاس يوسا» إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين في مسعى يعتقد أنه يساعد الحكومة في خلق مناخ لحوار فعال بين الحكومة والمعارضة. وأشار إلى تقاعس أميركا اللاتينية عن إدانة قمع «مادورو» الدموي لاحتجاجات الطلاب ورقابة الحكومة الفنزويلية على الصحافة واعتقال زعماء المعارضة مثل «ليوبولدو لوبيز». وقال إن بلدان المنطقة أظهرت «اتجاهاً جباناً» لعدم إدانتها انتهاكات نظام فنزويلا الحاكم. وفي واحدة من أحدث مقابلاتي مع «فارجاس يوسا» سألته عما يدفعه لينشط إلى هذه الدرجة سياسياً، غالباً في ظل مخاطر كبيرة، بينما يمكنه أن يتجنب أعباء زيارة الأماكن المعادية. وقبل قليل من إجراء هذه المقابلة كان «فارجاس يوسا» قد تعرض لإهانات من المحتجين المؤيدين للحكومة أثناء زيارة للأرجنتين. وقال لي «فارجاس يوسا» في المقابلة التي أجريتها معه عام 2012 :«لا أعتقد أنه يجب أن يكون للمثقفين مكانة امتيازية أو استعلائية في الجدل العام، بل اعتقد بالفعل أنه يجب على المثقفين أن يشاركوا في الجدل العام، وهو شيء يتناقص حدوثه دوما.. لسوء الطالع في المجتمعات المفتوحة والحرة، يدير المثقفون ظهورهم للسياسة باعتبارها نشاطاً جديراً بالازدراء ويعتقدون أنه يجب ألا يلوث الأنشطة الإبداعية.. اعتقد أن هذا التوجه خاطئ للغاية، لأن المثقف إذا احتقر السياسة فإننا سنكون مشاركين في حياة سياسة تتزايد جدارة بالازدراء». وأضاف «صحيح أن كثيرين من المثقفين كانوا مخطئين في الغالب وأيدوا القضايا الأسوأ. لقد رأينا مثقفين كانوا نازيين ومثقفين كانوا شيوعيين وآخرين أيدوا الهولوكوست وعمليات القتل الواسعة لليهود. لكن هناك الكثير من المثقفين الذين احتفظوا على العكس بوضوح رؤيتهم ودافعوا عن الحرية في ظل نوع من العمى الجمعي المتمثل في التعصب السياسي». أما أنا فأشعر بالحاجة للتصفيق لـ«فارجاس يوسا» لدفاعه عن الحريات الأساسية على حساب مخاطر شخصية كبيرة، وأريد أن أفعل هذا، وذلك على الرغم من أن معظم محترفي مهنة الكتابة لا يجنحون إلى تكريم أكثر الزملاء نجاحاً إلا بعد الموت كما رأينا في الآونة الأخيرة ما حدث مع زميله اللاتيني الراحل الفائزة بجائزة نوبل للآداب أيضاً «جابرييل جارسيا ماركيز». وبصرف النظر عما إذا كنا نتفق مع موقفه في كل القضايا التي تحدث عنها وهي طائفة واسعة مما يشغل بال كثير من الناس فإنه رجل صاحب شجاعة هائلة في عالم يدير فيه معظم المثقفين ظهورهم للسياسة خاصة عندما يتعلق الأمر بالإفصاح عن الحقائق غير المريحة، فكما قال هو نفسه، فإذا احتقر المثقفون السياسة، فإن السياسة ستصبح أكثر جدارة بالاحتقار مما عليه الآن. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©