الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من يراقب مراقبي «الجامعة»؟

12 يناير 2012
عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا يصعب عليَّ القول إن جامعة الدول العربية مؤسسة سياسية عاجزة، وإن جهازها التنفيذي لا يملك شيئاً في تحقيق "الأهداف الكبيرة"، التي سطرها الآباء المؤسسون للجامعة يوم تأسيسها. يصعب عليَّ قول ذلك، لأنني أعرف أن الجهاز التنفيذي (الأمانة العامة) ضمت ولا تزال، مواطنين عرباً -في مختلف عهودها- ممتازين، ويبذلون جهداً كبيراً في إعداد الدراسات والمشروعات والمقترحات، ليضعوها أمام مجلس الجامعة أو القمة العربية، ولكن مصير ذلك الجهد يصبح بعد انفضاض دورة المجلس أو القمة، ملفات مهملة في مكاتب وزارات الخارجية العربية إن لم يكن سلال المهملات. وعندما يراجع المرء تاريخ أعمال جامعة الدول العربية واجتماعات وزرائها ورؤساء دولها، ويبحث عن الإنجازات الكبيرة التي أنجزتها الجامعة، سيعجز عن وجود أي إنجازات كبيرة لمصلحة الجامعة إلا من إنجازات يمكن أن تعد على أصابع اليد، وهي إنجازات أملتها أو فرضتها ظروف وضغوط تاريخية لم يكن هناك مفراً من اتخاذها، ولعل أول ما يرد في الذهن قرارهم بإيقاف النفط العربي عن الولايات المتحدة وأوروبا، بعد هزيمة يونيو المؤلمة، وهو موقف لا أظن أنه سيتكرر مرة ثانية لأن الزمان ليس الزمان. أقول ذلك بمناسبة الأزمة السورية (والأصح الحرب الأهلية)، التي يكتوي بنارها اليوم الشعب السوري، والتي تصدت الجامعة لحلها وقدمت مبادرات وعقدت اتفاقات مع نظام الأسد وانتهت بقرار "إرسال مراقبين محايدين" للتأكد من أن حكومة الأسد قد التزمت باتفاقها مع الجامعة وتوقفت عن قتل مواطنيها، وسحبت دباباتها ومدرعاتها من شوارع وحارات معظم المدن السورية. وذهبت طلائع المراقبين العرب إلى دمشق وعلى رأسهم الفريق مصطفى الدابي المسؤول الكبير في جهاز المخابرات السودانية وسفير البشير ومبعوثه الخاص إلى دولة قطر. عندما أعلن عن أن "الدابي" سيرأس فريق المراقبين العرب، أندهشت مثل كثيرين، وتساءلت: ترى من أشار على الأمين العام بتعيين الجنرال السوداني وكلفه بهذه المهمة التي عرفت أنها محايدة؟ والأمين العام والذين اقترحوا أو فرضوا عليه الجنرال السوداني، يعرف ويعرفون موقف حكومة السودان داخل اجتماعات المجلس، وكيف أنها حاولت ومن دون خجل أو حياء، عرقلة إجماع المجلس على فرض العقوبات على الحكومة السورية، لدرجة تجميد عضويتها لو استدعى الأمر. والأمين العام والذين أشاروا عليه أو فرضوا عليه هذا القرار، يعلم ويعلمون، موقف حكومة البشير من انتفاضة الشعب السوري ومطالبته بإسقاط نظامه بل حتى الروس -وهم حلفاء النظام السوري وموردي السلاح له- يعرفون أن المعارضـة الديمقراطية والقوى الشعبية السوريـة لا تخوض حرباً ضد حكومة "البعث"، إنما هناك طرف آخر سيقاتل من أجل الدفاع عن النظام السوري وهو إيران، حيث يمثل لها هذا النظام رأس الحربة لاختراق العالم العربي وتحقيق أحلامه الخيالية. أكتب وأمامي تقرير نشره صحفي كندي (وهو من قلة الصحفيين الأجانب الذين سمحت لهم السلطات السورية بدخول سوريا ليتأكدوا بأنفسهم أن كل ما يقال وما يكتب عن الحالة في سوريا أكاذيب، وأن ما يسمون بالثوار المعارضين ما هم إلا عملاء للامبريالية -ولم يقولوا والصهيونية).. ينقل الصحفي الكندي والذي يسجل على لسان قادة المعارضة أنهم فقدوا الثقة في الجامعة العربية لحظة أن عينت الجنرال السوداني رئيساً لفريق مراقبيها، وهم يعلمون أنه جاء إلى سوريا ومعه موقف محدد من المعارضة ودعم نظام الأسد.. ولم يخيب الدابي ظنونهم، ففي أول حديث له مذاع عبر الـ BBC أنكر واعترض على حديث أذاعته الإذاعة البريطانية لشاهد عيان من فريقه، قال فيه إنه شاهد العسكر السوريين وهم يستهدفون مدنيين من بينهم أطفال ونساء في خرق صارخ لحقوق الإنسان. وكما قالت مجموعة الأزمات العالمية (عندما يكون رئيس بعثة المراقبين متهماً ومشكوكاً في صدقه، ولن يحظى بثقة الطرف الآخر -المعارضة- فإن مهمة مراقبي الجامعة العربية في سوريا محكوم عليها سلفاً بالفشل). وهو فشـل على كل حـال يضاف إلى مسلسل الفشـل الـذي صاحـب سياسـة وتصرفـات الجامعـة منـذ أن أصبحت طرفاً فـي الأزمة السورية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©