الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرحيل

20 أغسطس 2016 22:59
عاد لتوه من غربة طالت خارج وطنه بحثاً عن دخل أعلى ومواكباً العصر وحركة الحياة في البحث عن الأفضل، وكان له ما سعى له، تحققت أحلامه جميعها، من مسكن وملبس ووسائل الحياة العصرية بكل صنوفها، عاد لوطنه قابضاً على السعادة في جيبه أو هكذا ظنه، رجع ورجع معه الحنين إلى طفولته وشبابه، راح يبحث عن قريته التي شهدت مسقط رأسه، تلك القرية السعيدة بما حباها الله من صنوف الجمال، فجداول النصر تقطعها، وصنوف الخير تزينها، وهدوء الكون يلفها ففيها جنة الله في الأرض، جلس على قارعة الطريقة يتذكر صورة أشجار الصفصاف بجمالها وأنواعها منعكسة على صفحة الماء العذب، وأسماك البلطي الصغيرة، ترقص سعيدة بالهدوء وصفاء الماء وظل الصفصاف والتوت والجميزة التي ترمي أغصانها مفترشة أرض السواقي والجداول، تمنح ظلها لأهل القرية من شمس صيف حار جاف جميل بجمال السماء وما بها من طيور، العصافير والحمام البري والبلدي وأنواع الطير راح به الزمان إلى طفولة تلهو فوق هذه الأغصان وتدفع في ماء الغدران بمرح صحبة الصف والجيل والأهل طفولة تقطف من فاكهة الله التي أنعم بها على هذه القرية، نخل، وطلح، ومانجو، وبرتقال، وعنف، وتوت، وجميز، وضع رأسه على عكازه، ودار به الخيال طويلاً، ثم رفع رأسه زاخراً زفرة طالت في صدره لخمس وثلاثين سنة، عاش كل الذكريات بذاكرة لم تنس أدق التفاصيل، والأحداث والشخوص، وجد القرية وقد غرست بأعمدة إسمنتية، بدلت البساتين، ببنايات وأسوار وحولت الجداول والخلجان إلى طرق إسفلتية صماء سوداء، صلبة، تلك الأرض التي كان يقطعها عدواً ومشياً، تهدهده مثل الأم اليوم، تقسو على قدميه، فلم يعد من رفاق الجيل والصحبة حبيب، يحمي نخيل القرية وأشجارها، من أعداء الطبيعة، بل شارك الكل في تنويعها بزراعة أعمدة إسمنتية، ولم يكترث به أحد من أبناء القرية، نظر فوجد نفسه غريباً، في قرية لم تفارق خياله ولا ناظريه، لحظة منذ أن خرج منها، أفاق من حلمه وقرر الرحيل. أحمد فخر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©