السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما يدوم وما يضمحل

ما يدوم وما يضمحل
24 يناير 2008 01:49
يقسم النقّاد الروس المعاصرون الكتابة الأدبيّة لديهم قسمين اثنين، حسبما أخبرونا بذلك في جلسة أدبيّة بموسكو منذ عشر سنوات: الكتابة الثقيلة، وهي التي تعتزِي، في الغالب، إلى مَن يمكن أن نطلق عليهم الأدباء الشيوخ، وهم الذين لهم رصيد ضخْم في المكتبات، وهم مَن يكونون ممّن قرأ لهم القرّاء الكثْرُ، ومَن حصدوا الجوائز الأدبيّة، ومن استطاعوا أن يوجّهوا قرّاءهم فيكون لهم تأثير كبير من خلالهم، في الداخل والخارج معاً··· وأما الكتابة الخفيفة، في تصور النقاد الروس، فهي ما يعتزي إلى الأدباء الشباب، وهم الذين لا يزالون في مطلع حياتهم الأدبية يقدمون التجارب، ثم ينتظرون آراء النقاد والقراء، وذلك من أجل أن يعرفوا أي طريق من الكتابة سيسلكون··· وقد أوحت إلينا هذه الفكرة الروسية أن نتحدث، في هذه المقالة، عن ضربين اثنين من الثقافة العربية لا نزال نعايشهما، بالتعامل والمشاهدة، على عهدنا الراهن: ثقافة ثقيلة، وهي الثقافة التي تتحصل للناس بواسطة قراءة الكتب الرصينة، والاستماع إلى المحاضرات المتخصصة والإسهام فيها بالتعقيب والمساءلة والإضافة، ومشاهدة المسرحيات الهادفة الرفيعة لا التهريجية السطحية، واللوحات الزيتية الجميلة المشكلة القراءة والتأويل· وهذه هي الثقافة الثقيلة الرفيعة التي تستطيع أن تنتج ثقافة أخرى مثلها، فتوجه الأجيال الصاعدة توجيهاً مثمراً وسليماً، إذ هي الثقافة التي تسود وتدوم، وإذ هي التي تستطيع أن تنتقل من مكان إلى مكان، وتتحول من قطر إلى قطر، وربما من قارة إلى قارة، ومن عهد إلى عهد آخر· ومثل هذه الثقافة غالباً ما يعزف عنها الشباب· وتوجد ثقافة أخرى بسيطة، هي ما يمكن أن نطلق عليها: الثقافة الخفيفة، أو السطحية التي تمتعهم وتدخل السرور على أنفسهم دون أن يعنتوا أنفسهم في المتابعة والمثاقفة والمعاناة، وهي الثقافة الأكثر سيدودةً على عهدنا هذا بين شبابنا خصوصاً، حيث يجنحون، في الغالب، إلى التعامل مع النشرات الثقافية المبسطة، ومع برامج التلفزيون المرفهة والقاتلة للوقت (إن كان الوقت رخيصاً لدى الناس فيتجاسرون على قتله عدواناً، وهو محسوب من أعمارهم) دون بذل جهد في التحصيل، أو تعنية النفس في المثاقفة العميقة مع ما يكتبه الكتاب الكبار عن تجربة طويلة، ومعرفة عميقة، وتفكير أصيل··· وواضح أن الاختيار بين هذين المستويين اللذين ذكرناهما من الثقافة هو الذي يحدد مسار الشخص الذي يريد أن يتثقف: فهو إن اختار الطريق السهل ظل في مستوىً معين لا يعدوه· وربما ظل دون المستوى الثقافي الحقيقي الذي يشرفه في المجالس، ويرفع من شأنه في المحاورات والمساجلات· وأما إن اختار الطريق الوعر في المثاقفة والتحصيل فإنه لا ريب سيكون من المثقفين الكبار الذين يستطيعون الإسهام في المسار الثقافي لبلده، وزمانه· وهذا الضرب من الثقافة هو الذي ندعو الشباب إلى أن يقبلوا عليه، ونحملهم، إن شاءوا، على الاغتراف منه كرعاً وتحصيلاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©