الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميسي يحكم العالم

ميسي يحكم العالم
2 مايو 2014 22:04
هل يُمكن أن نحوِّل كذبة فاضحة إلى حقيقة ساطعة لا يجادل في صحتها إلا أحمق يريد الدليل على ضوء النهار؟! كل ما نحتاج إليه هو كذاب، ومتفلسف ومجنون وأحمق، سيقطع كل واحد منهم مشواراً مع الكذبة، ثم يسلمها إلى صاحبه، بعد أن يضع لمساته عليها، ونحتاج أيضاً إلى عاقل يتصادم معهم، بهدف تعزيز الكذبة وترسيخها في ذهن الجميع. في البداية يُطلع الكذاب رفاقه على صورة في الإنترنت (يكون هو من فبركها ونشرها) لنجم برشلونة «ليونيل ميسي» مكتوب فوقها عبارة: «الغطرسة الأميركية لا تستطيع السيطرة على الكرة .. لا بالمال ولا بالقوة». وللوهلة الأولى لن يبالي أحد بالأمر، لكن إلحاح الأحمق سيجعل الصورة حديث الجلسة، حتى لو اعتقد أن «غطرسة» تعني العطسة القوية. وهنا سيتبرع المتفلسف بملاحظة تقول، إن موقف ميسي له علاقة برحلته إلى الولايات المتحدة العام الماضي، حيث التقط الباباراتزي صوراً له في أوضاع مخلَّة بنادٍ للتعري، وستكون هذه الواقعة الحقيقية خلفية لكلام الكذاب الذي سيقول، إن الأميركيين أرسلوا كلابهم خلف الرجل لفضحه، بعد أن سخر من عرض تلقاه باللعب معهم. ولن يجلس العاقل مكتوف اليدين، وسيطعن في صدقية الصورة، وهُنا سيشير الكذاب إلى صحيفة «بوينس آيرس هيرالد»، وسيضيع صوت العاقل وسط اللغط الذي سيحدثه الأحمق، لأنه سيطالبه بإثبات أن الصحيفة غير موجودة، وإثبات أن ميسي لم يدلِ لها بذلك التصريح. وسيذكّر المتفلسف الجميع بأن ميسي من الأرجنتين، بلاد المناضل اليساري العالمي تشي جيفارا، الذي كان مقرّباً من فيديل كاسترو، المطلوب الأول في أميركا، ناهيكم عن علاقة الصداقة التي تربط مواطنه مارادونا بكاسترو .. ولن يستطيع العاقل إنكار وجود الأرجنتين، أو إنكار وجود جيفارا أو كاسترو. وهكذا يثبت في محضر الجلسة أن ميسي يكره الأميركيين، لأنهم ورّطوه في فضيحة أخلاقية، ولأنه من الأساس أرجنتيني رضع كره الولايات المتحدة. وهُنا يأتي دور المجنون الذي سيدخل عالمه الخاص المليء بالأشياء التي لا رابط بينها، وسيبدأ في تنحية ما قيل عن عداء ميسي لأميركا، فهُناك سبب آخر لا يعرفه إلا العالمون ببواطن الأمور، وفجأة سيقول، إن ميسي يهودي، والدليل أنه وقف أمام حائط البراق معتمراً القلنسوة في أثناء زيارته مع فريقه إلى القدس المحتلة. ومهما حاول العاقل التوضيح أن ما فعله الرجل مجرد احترام لطقوس دينية، مثلما تضع بعض النساء غير المسلمات الحجاب على رؤوسهن أثناء زيارة المساجد، فإن صوته سيضيع وسط هياج الأحمق وترديده كلمة: انتهى! انتهى! «يا رجل .. حتى والدته يهودية»، هكذا سيقول الكذاب متوجهاً بالكلام إلى العاقل، فوالدة ميسي تدعى سيليا كوتشيتيني، والكوتشيتيني تعني «أرض الميعاد» بالعبرانية، وسيؤكد أنه قرأ هذه المعلومة، ولن يفلح العاقل في محاججته، لأن الأحمق سيوجه إليه سؤالاً واحداً كلما فتح فمه: «هل تعرف العبرية حتى تجادل في معنى الكلمة؟». كما أن المتفلسف سيدعم هذا بحقيقة وجود جالية يهودية كبيرة في الأرجنتين، ومن ثم سيقتصر الجدال مع العاقل في نقطة محددة: هل والدة ميسي تدعى بذلك الاسم أم لا؟ وبعد أن يثبت في محضر الجلسة أن ميسي يهودي من أم يهودية، سيلصق الكذاب بخبطة واحدة اسم ميسي بمنظمة «آيش مالاش» التي تهدف إلى تجنيد اليهود من غير الإسرائيليين للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، لكن الكذاب يستطيع بسهولة تحوير هدف المنظمة إلى السيطرة على الوطن العربي، فما دام الحديث عن المنظمات اليهودية، فكل شيء قابل للتصديق. حسناً، إذا كان ميسي يهودياً له علاقة مشبوهة بـ «آيش مالاش»، فكيف يكره أميركا وهي حامية الإسرائيليين؟! وهُنا يأتي المتفلسف الذي سيذكّر الجميع بما أشيع حول دور اليهود في ضرب أبراج 11 سبتمبر، وسيقول إن «آيش مالاش» هي التي صنعت تلك الكارثة ونسبتها إلى «القاعدة». وسيعود المجنون إلى العمل والربط بين انتماء ميسي لتلك المنظمة وبين ضرب الأبراج، وهو الحدث الذي جعل أميركا تضغط على الدول العربية لإرساء الديمقراطية وتغيير المناهج ولجم الجماعات الجهادية، ويمكنه هنا الاستشهاد بمئات المقالات والتحليلات والأخبار التي تحدثت عن ذلك، وأدى هذا إلى تعامل بعض الأجهزة الأمنية العربية بقسوة مع شعوبها، وكانت هذه القسوة إحدى أسباب «الربيع العربي». وهُنا يأتي المتفلسف ليشير إلى مؤامرة إحداث الفتنة في الدول العربية من خلال ثورات «الربيع»، معرجاً على دور الشباب الذي كان يبحث عن حقوقه ولا يدري أنه يعمل لحساب أعداء الأمة، ويكفي أن يقول إن مفجّر الثورات شاب يدعى البوعزيزي، وأن يقول إن أهم شخصية في الثورة المصرية شاب اسمه وائل غنيم يعمل في شركة «جوجل»، لدرجة أن أوباما قال في لحظة غباء: «أريد أن يصبح فتى جوجل رئيساً لمصر». وسيضع المتفلسف رجلاً على رجل ليقول، إن دول العالم بدأت تخشى من الموجة الثورية، فمنعت الصين البحث في الإنترنت عن كلمة «الربيع العربي»، وتخوّفت روسيا من نزول شبابها إلى الشوارع في أية لحظة، ثم حدث ما كان يخطط له ميسي: ظهور حركة «احتلوا وول ستريت»! وهي حركة احتجاجات ظهرت في نيويورك تأثراً بـ «الربيع العربي» كانت تدعو لاحتلال شارع المال والبورصة في أميركا، ثم كبرت فجأة لتصبح حركة عالمية يقودها آلاف الشباب حول العالم هاتفين بإسقاط النظام الرأسمالي الجشع. وسيلتقط المجنون خيط الكلام ليقول إن «آيش مالاش» اكتشفت أن ميسي يعمل لحسابه الخاص، فبينما هي تريد ابتلاع الدول العربية، فإنه كان يخطط لانتقال عدوى الثورات إلى العالم بأسره، لينتشي الشباب في كل مكان، ويخرجوا بحثاً عن حلمهم بعالم مثالي تنام فيه الدجاجة في حضن الذئب. لكنهم بطبيعة الحال سيختارون من بينهم قائداً لهم، وبالبداهة سيختارون أكثر الشبان شهرة على الكرة الأرضية. وهنا سيضطر العاقل إلى القول، إنه على افتراض أن ميسي كان وراء كل ذلك، «أفلا تلاحظون أنه أغبى من أن يضع كل تلك الخطط التي تنتهي بتنصيب نفسه قائداً للعالم؟!». لكن الأحمق سيهتف قائلاً: «من فمك أدينك! ها أنت تسلّم بأن ميسي وراء كل ذلك، لكن الإشكالية التي تطرحها الآن هي أن ميسي غبي، فهل لو ثبت أنه ذكي ستستلم للحقيقة؟!». وسيضطر العاقل إلى الموافقة للتخلص من اللعاب الذي يتطاير من فم الأحمق، وهنا سيرسل المتفلسف تلك النظرة الثاقبة للفلاسفة، وسيقول: خورخي، والد ميسي ومدير أعماله، محتال كبير، وسجلت ضده قضايا تهرّب ضريبي، وغسيل أموال. وسيطير الأحمق بهذا التحليل وسيمطر العاقل بأسئلة من نوع: أليس المحتال شخص ذكي؟! هل يمكن لشخص غبي أن يغسل الأموال؟! فإذا ثبت أن والد ميسي ذكي، وماكر، ونصّاب، فما الذي يمنعه من التآمر على المنظمة التي عمل ابنه لصالحها؟! فعلاً أنت أحمق تريد الدليل على ضوء النهار؟! وسينهي المتفلسف كلامه بالقول، إن الذي أفسد مخططات والد ميسي، إنهاء أميركا لحركة شبابها بعد أن كشفت «آيش مالاش» المؤامرة، ثم موت تلك الحركة العالمية الوليدة، ثم خروج الشباب العربي من معادلة «الربيع»، فما كان من خورخي إلا أن تقوقع داخل حلم ولده الكروي، وأوعز لابنه الأهبل بأن ينتقم من أميركا ويصرّح: «الغطرسة الأميركية لا تستطيع السيطرة على الكرة، لا بالمال ولا بالقوة». أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©