الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فاتحة مرشيد تسبر أغوار الذات الإنسانية في «الملهمات»

فاتحة مرشيد تسبر أغوار الذات الإنسانية في «الملهمات»
22 ابريل 2011 23:27
صدرت حديثاً للشاعرة والروائية المغربية فاتحة مرشيد، رواية جديدة تحت عنوان “الملهمات”، وذلك عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء وبيروت، وهو العمل الذي جاء بعد ست مجموعات شعرية وروايتين هما “لحظات لا غير” و“مخالب المتعة”. وهي أعمال ترجم أغلبها إلى عدد من اللغات. “الملهمات” عمل روائي جاء في 205 صفحات من القطع المتوسط، وهي رواية تلعب لعبة الحكي عبر حكايتين متضافرتين ومتقاطعتي المصائر، مدار الأولى: شخصية إنسانية تنتقم لسنوات صمتها بالحديث إلى زوجها الواقع تحت وطأة غيبوبة إكلينيكية، وهي تروي له أحداث قصة كانا في أحد الأزمان بطلين لها، دون أن تعلم إن كان باستطاعتها أن يسمع أم لا. ومدار الثانية: كاتب يكشف أسرار منابع الإلهام لديه، وعلاقة الحب بالإبداع، عبر بورتريهات لنساء أوقدن جمر الكتابة بدواخله. بجرأتها المعتادة وأسلوبها الشاعري السلس، تقدم فاتحة مرشيد للمتلقي-حسب رأي ناشر العمل- رواية محكمة الحبكة وبالغة التشويق، متوغلة ببراعة في المناطق المعتمة من نفسية شخوصها. تبرهن فاتحة مرشيد في روايتها الجديدة، مرة أخرى، على امتلاكها المعرفة والجسارة والأدوات الفنية اللازمة لسبر أغوار الذات الإنسانية ومعالجة مواضيع شائكة ومعقدة تكون فيها مقنعة وممتعة. كما أن ما يلفت الانتباه في متن هذه الرواية، كذلك، هو انفتاحها المثمر على مرجعيات علمية، فلسفية وأدبية كونية أثرت عوالمها. “الملهمات”-برأي ورقة الناشر- رواية تأسر قارئها منذ الصفحة الأولى، تستفز ذكاءه وتلهمه الشيء الكثير”. وعلى غلاف الرواية تكتب فاتحة مرشيد “أنا صنيع كل النساء اللواتي عبرن حياتي، بدءاً من التي منحتني الحياة، إلى التي أيقظت الرجل بداخلي، والتي فتحت لي باب الإبداع على مصراعيه، والتي جعلت قلمي يتألق، والتي كانت ورقة مبسوطة تحت يدي. فكل كتاب عندي مقرون بامرأة، كل فرحة عندي مقرونة بامرأة، وكل انكسار كذلك. تقول مرشيد “كثيرا ما كتب النقاد عن مساري الأدبي، كمن يكتب عن مسرحية معروضة على الخشبة، جاهلين ما يجري في الكواليس. قررت الآن، بعد المشهد الأخير، أن أرفع الستارة الخلفية وأهديكم العرض الحقيقي.. عرض الكواليس المفعم بقلق الممثلين وتقلباتهم المزاجية. بعلاقاتهم السرية وانفعالاتهم الحقيقية التي يوارونها خلف الماكياج والأقنعة قبل أن يرسموا ابتسامة تستحق منكم التصفيق...”. وعلى لسان بطلتها أمينة، تكتب فاتحة مرشيد “لا أعلم إن كنت تسمعني أم لا.. على وجهك سكينة مَن تعدى مرحلة القلق، واستسلم لقدره.. مخلفا ترف القلق لي. لا يعلم الأطباء، ولا الشيطان نفسه يعلم، إن كنت ستستفيق من غيبوبتك لتستأنف حياة تشبثت بها بكل كيانك. حياة، لفرط ولعك بها لم تقبل أن يشاركك أحد فيها.. حتى ولو كان شريك حياتك. كثيرا ما تمنيت أن تسمعني، أن أتكلم، أن أفرغ ذاتي، لكنك تحب الأبواب المغلقة بإحكام، تخلق وراءها حياة لا تزعج حياتك، وتستقر في الغموض. آه! كم يستهويك الغموض.. وكم يقهرني. كم وددتُ أن أكون شفافة أمامك.. عارية الروح.. وكان العري أشد ما تخشاه. أمضينا ثلاثين عاماً بثيابنا، بأقنعتنا، واحداً جنب الآخر. زوجين مثاليين، لا جدال ولا مشاجرة.. تمثالين نزيّن بهما وكرنا ونحرس السلالة. من حسن حظنا، أو من سوئه، لم تكن لدينا مشاكل مادية تعيد العلاقات إلى أبجديتها وتجعل من الكفاح في سبيل لقمة العيش تواطؤاً. تمنيت لو يصهرنا الجوع أو العوز، أو تحتاجني فأظهر شهامتي وارتباطي.. تمنيت لو تدخل علي ككادح عرقه يفسح له الطريق، لو أحكي لك عن مشاجراتي مع الجارات حول تنظيف السلم، عن أولادنا وتفوقهم في الدراسة، عن ثمن الطماطم الذي تضاعف رغم شتاء وافر المطر. تمنيت لو أطبخ لك رغيفاً بسيطاً ولذيذاً كلمسة يد.. وأنت تلاحظ بشهوة فائض وزني الذي جعل فساتيني تضيق وتلتصق بي. تمنيت لو تسكب ضيق نفسك على رحابة جسدي، لو تصبّ علي شكواك، وأحسني أجمل ما لديك في هذه الدنيا. لكن، بيننا خدم وحرس وسائق وطباخ ومربيات للأطفال. بيننا سيارات عددها أكثر من عدد أفراد الأسرة.. بيننا مسافات أوسع من قصرنا، وسكرتيرات خاضعات لنظام التجديد. بيننا أصدقاء بل معارف وسهرات وهدايا.. بيننا مسافات أبعد من رحلاتك. وصمت.. صمت.. صمت”. وتتابع مرشيد الكتابة “صمتت أمينة ردحا من الزمن وهي تحرث غرفة المصحّة ذهابا وإيابا قبل أن تلقي بجسدها على الأريكة المقابلة لعمر، وتواصل متوجهة إليه بالكلام: “أكان لابد أن تدخل في غيبوبة حتى انفرد بك؟ أكان لابد أن تهينني ليعترف الجميع بأنني زوجتك؟ فتختفي العشيقات كما بعصا سحرية. وكأن لهن منك الصحّة والفرح ولي منك المرض والحزن. لأني لست حزينة عليك.. بل حزينة على نفسي. مجبرة على لعب دور البطلة العاقلة.. على حفظ ماء الوجه ونعي عشيقة ماتت في حادثة سير لتحررك منها وتهديك إياي لا حياً ولا ميتاً وأصرح أمام الجميع: “المسكينة كانت صديقة حميمة وأنا السبب في وجودها بسيارة زوجي”. مجبرة على حفظ ماء وجه أبنائك واسمك، مجبرة على جعل الإهانة إكليل شهامة على رأسي. لا، لست حزينة عليك.. ومن فرط حزني على نفسي، قررت أن أطلق صرخة مكتومة منذ أمد بعيد”. يشار إلى أن الدكتورة فاتحة مرشيد توجت مؤخراً بجائزة المغرب للكتاب عن ديوانها الشعري “ما لم يقل بيننا” مناصفة مع ديوان الشاعر المغربي محمد عزيز الحصيني “أثر الصباح على الرخام”.
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©