الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القصة القصيرة كمرآة اجتماعية

القصة القصيرة كمرآة اجتماعية
26 نوفمبر 2009 00:10
أصدر الناقد والباحث المغربي الدكتور مصطفى يعلى كتابه الجديد “السرد ذاكرة”، وذلك عن مطبعة الأمنية في الرباط، ويقع في 133 صفحة من الحجم المتوسط بغلاف يمثل إحدى اللوحات الشهيرة للفنان الفرنسي أوجين دولاكروا المعروفة باسم “تهذيب البكر”. ويضم الكتاب مقالات وأبحاث أكاديمية جاءت تحت عناوين: “أحمد عبد السلام البقالي قامة أدبية وازنة”، “السجل الفولكلوري في قصص البقالي”، “تجليات المدينة المغربية في قصص الرواد”، “في اليوم العالمي للمرأة: شهادة في امرأة استثنائية”، “القصة النسائية المغربية القصيرة: الريادة ونوعية التلقي”، “وظائف الرجل في القصة النسائية القصيرة”، “الصحافة تستنبت القصة العربية القصيرة”، “بحثا عن النموذج الإنساني في القصة المغربية القصيرة”، “جدارة القصة القصيرة جدا”، “الصورة في الرواية”، “بناء الصورة في الرواية الاستعمارية”، “الحكاية الخرافية للمغرب العربي”. ومعظم أبحاث هذا الكتاب قد تمركزت حول محور السرد باعتباره ذاكرة محتفظة بالتراكمات المكونة لتراث سردي معاصر وحديث. وهذا يؤشر على محطات التأسيس لحركة الإنتاج والتلقي في منجز الخطاب السردي المغربي تحديدا، وخاصة في نوع معين منه هو القصة القصيرة، التي تحولت هي الأخرى إلى ذاكرة غنية بالمبدعات السردية الحريصة على تسجيل معطيات مرحلة تاريخية ماضية، اتسمت بصراع البقاء والمواجهة، إن مع قوى الاستعمار الغاشمة وإن مع واقع اجتماعي عتيق معاند كما يقول الدكتور يعلى أنه “اتضح من مقاربة المتن القصصي القصير للكاتب المغربي المعروف أحمد عبد السلام البقالي، أن القصة القصيرة لديه قد تحولت إلى ذاكرة حقيقية موازية لمرحلة من تاريخ المغرب الحديث، امتدت من أوائل القرن العشرين إلى مشارف استقلال المغرب. إذ غاصت بنا في عالم فولكلوري طبع مدينة الكاتب الصغيرة العريقة أصيلة إبان الاستعمار الإسباني، بكل ما حفل به من مشاهد إثنوجرافية ثرية بأبعادها الثقافية والرمزية، هي بالذات ما وقف في قصص البقالي وراء الصور الشيقة والطقوس البدائية ونمط التفكير الخرافي وطرق التعليم البائدة والتقديس لقيم أبوية صارمة، داخل فضاءات غريبة ملائمة تذكر نوعيا بفضاءات قصص إدجار آلان بو، في لغة بسيطة مأنوسة تغرف من الموروث الشفاهي العامي بشكل واسع لغة وبلاغة وصورا. وقد كون كل ذلك وغيره، خبرة جمالية لدى الكاتب استثمرت مخزونات الذاكرة وحنين المعايشة لزمن الطفولة في تشييد نصوصه القصصية القصيرة”. وعن نصوص أحمد بناني القصيرة يرى الدكتور يعلى إنها، “عالم شبيه بعالم قصص أحمد عبد السلام البقالي، لكنه بعكس موقف هذا الأخير منه، عالم محبوب في رؤية بناني، إذ أن موقفه موقف جد ايجابي، مما حول كتاباته السردية إلى مستودع يحتفظ بذكرى عالم حميمي ذي نكهة محلية أليفة، حاول الاحتفاظ به في هوس نابع من الحب الشديد له والهلع من أن يطوله الاندثار، لكونه مرتع الطفولة ومربع الشباب ومستقر الأهل والأحباب. أي ذاكرة لجيل بأكمله من رفاق الصبا والشباب والدراسة والنضال إبان عهد الاستعمار الفرنسي للمغرب. لذلك هاله الغزو المنظم لمظاهر الحداثة لمجتمعه المنغلق الحبيب، وعز عليه فقدانه، وتضاعف خوفه من تلاشيه إلى الأبد. ومن هنا اشتداد تفنن الكاتب في تسويق جماله والإعلاء من شاعريته والتنويه بغناه الإنساني، وكأنما الهدف من قصصه هو الاحتفاظ في وعاء الذاكرة بصورة من الخصوصيات المهددة بالفناء، يرى المجتمع الفاسي فيها نفسه حاضرا ومستقبلا. غير أن هذا التنويه المبالغ فيه لم يفد شيئا على مستوى الواقع، حيث تحول ذلك المجتمع في الأخير إلى مجرد ذكرى من ماض عريق، لولا أن قام السرد الذي تركه أحمد بناني بتأييد صورته التراثية الأصيلة. وهذا واحد من أهم استحقاقات الكتابة السردية، على اعتبار أن التشبث بالهوية مع الانفتاح المحسوب، هو الضمانة القوية لتحصين الذات واثبات الوجود، في وجه العولمة البشع، التي تريد التهام كل شيء في اكتساحها لخريطة العالم”. وعن القصة النسائية القصيرة، يؤكد المؤلف انطلاقا من الرصد والتحليل أن هذه القصة قد صارت إلى ما يشبه الذاكرة التسجيلية لمعاناة المرأة وأزماتها وطموحاتها بصورة مكررة. بيد أنها سجنت الرجل في خانة نمطية واحدة لا تتجاوزها، هي خانة الرجل الشرقي الظالم المستبد الأناني الخ... وبصورة مطلقة، متغافلة عن حضور الرجل في القصة بوصفه شخصية لها وجودها المقابل لوجود المرأة، وكصوت متميز صالح لتحقيق الجدل والتناقض الضروريين لكل كتابة سردية. كما أمكن الدخول إلى ذاكرة الصحافة، وبذلك اتضحت المبررات التي تؤكد الدور المهم الذي اضطلعت به في استنبات القصة القصيرة في تراثنا السردي العربي الحديث والمعاصر. فضلا عن التمكن من تبين المراحل التي مرت بها القصة المغربية القصيرة، دون قدرة ذاكرتها على الاحتفاظ بنموذجها الإنساني المهمش المخصوص بها، والمعول على اجتراحه من لدن موهبة ومثابرة الأجيال الشابة. وأمكن أيضا الانتباه إلى سعي كل من القصة القصيرة جدا والصورة الفنية نحو صنع ذاكرة خاصة متميزة. الأولى بتكريس مكان لها في بيت السرد، إلى جانب أخواتها من قصة وأقصوصة وقصة قصيرة ورواية وقصة شعبية. والثانية بإضافة ذاكرة نوعية مختلفة عن ذاكرتها التقليدية المرتبطة بالشعر أساسا، فقد أضحت مكونا بنيويا يفعل في السرد وخاصة في الرواية، ما فعله في الشعر جماليا على طول القرون الماضية. وأمكن أخيرا التعرف إلى الطاقة الإبداعية لنوع سردي مختلف يعتبر ذاكرة في حد ذاته، هو الحكاية العجيبة التي تستجيب منهجيا لمختلف المقاربات النوعية أنتروبولوجيا وبنيويا ونفسيا واجتماعيا ولغويا وما إلى ذلك. وفي ختام الكتاب يؤكد الدكتور مصطفى يعلى على أن “صورة عن ذواكر سردية، أثرنا أن نضيفها إلى مثيلاتها مما سبق لغيرنا من الباحثين أن خاض فيه، على أمل إنجاز المزيد حول تراثنا السردي المغربي والعربي، الذي ينتظر دوما من يكشف عن أوجه غناه المعمقة.”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©