الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة المطالب الانفصالية··· تتارستان الدور القادم

عودة المطالب الانفصالية··· تتارستان الدور القادم
12 سبتمبر 2008 23:58
تقع ''تتارستان'' على مسافة بعيدة من ''أوسيتيا الجنوبية''، لكن وفيما تبقى هذه الأخيرة منطقة حدودية فقيرة تابعة لجورجيا ومعرضة للحروب الدائمة، تبرز ''تتارستان'' كقطب اقتصادي في قلب روسيا تفخر باحتياطياتها الكبيرة من النفط وباستقرارها السياسي الذي يلهث وراءه المستثمرون؛ لكن رغم الاختلاف الظاهر بينهما تجمع المنطقتين نقطة واحدة مشتركة، فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي طفت إلى السطح حركات انفصالية تطالب بالاستقلال عن روسيا، لذا عندما اعترفت روسيا رسمياً بالمناطق الانفصالية في ''أوسيتيا الجنوبية'' وأبخازيا كدولتين مستقلتين قبل أسبوعين توجهت أنظار النشطاء في العاصمة التتارية ''كازان'' بنوع من الاهتمام المشوب بالترقب إلى التطورات الجديدة؛ ومباشرة بعد ذلك سارعت مجموعة من النشطاء القوميين التي تطلق على نفسها ''المركز المدني للتتار'' إلى نشر بيان ينظر إلى الخطوة الروسية باعتبارها ''المرة الأولى في التاريخ المعاصر التي تعترف فيها روسيا باستقلال مواطنيها'' وعبروا عن رغبتهم الشديدة في أن يأتي الدور على ''تتارستان'' في المرة القادمة؛ ويعرف أصحاب البيان أن مطالبهم الداعية إلى الاستقلال لا تتحملها روسيا، لا سيما وأن أحد أهم إنجازات ''فلاديمير بوتين'' كرئيس سابق للبلاد هو إخماد الدعوات الانفصالية، لتصل المطالب التتارية إلى أدنى مستوى لها منذ عشرين عاما· ومع ذلك جاء الاعتراف الروسي الأخير بـ''أوسيتيا الجنوبية'' وأبخازيا ليدعم من جديد قضية ''تتارستان'' ويعيد إليها بعض الأمل؛ وفي هذا الإطار يقول ''رشيد أحمدوف'' -رئيس تحرير إحدى المجلات المعارضة في العاصمة كازان-: ''لقد فقدت روسيا العامل الأخلاقي لعدم الاعتراف بنا''؛ والواقع أن القرار الذي اتخذه ''ميدفيديف'' واعترافه بالمنطقتين المتنازع حولهما مع جورجيا سيكون له تداعيات كبيرة، أهمها تعميق الهوة بين روسيا وشركائها في الغرب، لكن الأهم من ذلك ما يعتبره البعض ابتعاداً روسياً عن مبدئها السابق القائم على ضرورة احترام الوحدة الترابية للبلدان ما يفتح المجال أمام المجموعات العرقية داخل الحدود الروسية للمطالبة بالحكم الذاتي، أو الاستقلال؛ ويعبر عن ذلك ''لورنس سكوت شيتس'' -مدير برنامج القوقاز في مجموعة الأزمات الدولية- قائلا: ''على المدى البعيد ربما تكون روسيا قد وقعت شهادة وفاتها، ورغم أن الأمر يبدو بعيداً اليوم إلا أنه بعد عشرين عاما لن يكون الأمر كذلك''؛ لكن بالنسبة لموسكو الوضع يختلف في ''أوسيتيا الجنوبية'' وأبخازيا لأن القرار جاء مدفوعاً بالتهديد الذي طال حياة مواطنيها· فقد تدفقت القوات الروسية إلى داخل الحدود الجورجية في شهر أغسطس الماضي، بعدما هاجم الجيش الجورجي المناطق المدنية في ''أوسيتيا الجنوبية'' وقصفها بقذائف المدفعية؛ هذا الهجوم جعل من الصعب ''إن لم يكن من المستحيل'' التفكير في رجوع جنوب أوسيتيا إلى السيطرة الجورجية على حد قول ''ديميتري بيسكوف'' المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء ''فلاديمير بوتين''؛ مضيفا: أن روسيا مازالت تدعم الوحدة الترابية للدول، وبأنه لا خطر على روسيا من الحركات الانفصالية، موضحاً ذلك بقوله ''إننا بالفعل لدينا بعض الحركات الاتفصالية، وبعض التنظيمات المتشددة، لا سيما في شمال القوقاز، لكنهم مجرد أقلية'' معتبرا أن ''أوسيتيا الجنوبية'' وأبخازيا يندرجان في ''إطار مختلف تماما''· بيد أن الصورة العامة في روسيا كانت مختلفة تماما قبل وصول ''بوتين'' إلى سدة الحكم، ففي تسعينيات القرن الماضي حث الرئيس الأسبق ''بوريس يلتسين'' قادة المناطق إلى الاستفادة من سيادة مناطقهم قدر الإمكان؛ وهكذا تجذرت بعض مطالب الحكم الذاتي في مجموعة من المناطق الروسية مثل ''تتارستان'' التي لا تقتصر أهميتها على ثرواتها النفطية، بل تتجاوزها إلى صناعات أخرى، فضلا عن الموارد الطبيعية المهمة؛ غير أن الزخم نحو الحكم الذاتي وصل إلى طريق مسدود مع الشيشان، المنطقة الغنية بالنفط، التي طورت مطالبها في اتجاه الاستقلال التام، ما دفع روسيا إلى إرسال قواتها في العام 1994 إلى الشيشان واندلاع حرب طاحنة استمرت عامين، وخلفت عشرات الآلاف من القتلى؛ وفي العام 1999 وفي ظل تنامي موجة العنف على امتداد شمال القوقاز أشرف ''بوتين'' -كان وقتها رئيسا للوزراء- على شن حرب ثانية قضت تماماً على المتمردين الشيشان؛ ويرى ''سيرجي كاراجانوف'' -المحلل السياسي الذي يرأس مجلس السياسة الخارجية والدفاع- أن الرسالة التي حرصت روسيا على إيصالها إلى العالم كانت واضحة ''لقد أبرزت روسيا الكلفة اللاإنسانية المستعدة لدفعها للحفاظ على وحدتها الترابية، فالحرب الشيشانية لم تكن موجهة فقط ضد المتمردين الشيشان، بل كانت تحذيراً إلى جميع الحركات الانفصالية''؛ والواقع أن ''بوتين'' نجح إلى حد كبير في إخماد الحركات الانفصالية التي توارت عن الساحة الروسية، كما فتح مجال التعبير للمعارضة في بعض البؤر الساخنة في روسيا، حيث شرعت في الحكومة في مساعدة المسلمين على تأمين تأشيرات الحج إلى مكة· لكن في نفس الوقت عمد بوتين إلى تعزيز سلطاته التنفيذيـــة، ملغيا الانتخاب المباشر لحكام المحافظات في العــــام ·2004 ولعل ''تتارستان'' أوضح مثال على انحسار المطالب الانفصالية في المناطق الروسية، فعندما شجع الرئيس الأسبق ''يلتسين'' توسيع سيادة المناطق التي كانت تابعة لموسكو اندفعت ''تتارستان'' في هذا الاتجاه، متبنية نظاماً ضريبياً خاصاً بها ورخصاً مختلفة للسيارات؛ وقتها ازدهرت المساجد التي باتــت تزاحم القبـــاب المزركشة في العاصمة كازان، كما أنشأ السكان المحليون الذين يشكلون حوالي 48% من إجمالي السكان مدارسهم الخاصة؛ لكن عندما ألغى بوتين الانتخابات المحلية رجعت الأمور إلى سابق عهدهـــا وسحبـــت صلاحيــات كثيرة من الإقليم· إلين باري - موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©