أحمد عثمان (باريس)
من بين جميع النساء اللائي اجتزن حياة بابلو بيكاسو (1881-1973)?، ?كانت ?أولغا ?خوخلوفا (?1881-1955) ?بالتأكيد ?أكثرهن ?تميزاً ?وفرادة. ?عنهما، ?يقام ?في ?متحف ?بيكاسو، ?بالدائرة ?الثالثة (?باريس)?، ?معرض بعنوان: ?(أولغا ?بيكاسو) ?كما ?سميت ?فيما ?بعد، ويستمر ?إلى ?21 ?سبتمبر.
العلاقة بين هذه الفتاة، ابنة الضابط المتقاعد في الجيش القيصري، والفنان الذي سينضم بداية الحرب العالمية الثانية إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، لا ينقصها شيء من الملح: بورجوازية غيور، خصوصاً أنها «متهمة» بكونها دفعت زوجها التكعيبي إلى النيوكلاسيكية.
كانت أولغا، الراقصة في فرقة الباليه الروسي التي يشرف عليها دياغليف، ضعيفة نوعاً ما أمام الحفلات الاجتماعية، ولذلك لم يزل المتخصصون في بيكاسو يتحدثون عن هذه المرحلة (ما بين 1917 ?وبداية ?الثلاثينيات) ?على ?اعتبار ?أنها ?مرحلته ?الثرية ?بالأعمال ?القيمة، ?كإشارة ?إلى ?قطار ?الحياة ?الذي ?لا ?يغوي ?إلا ?بيكاسو ?نفسه.
المعرض المقام في متحف بيكاسو الذي يشغل طابقين يستدعي جانباً مهماً من حياة أولغا. كثير من الصور والرسائل تشهد على تاريخ عائلتها والعلاقات التي لم تقطعها مع عائلتها القاطنة في الجانب الآخر من الستار الحديدي، كما على علاقتها ببيكاسو وأدق تفاصيلها، سواء الفنية أو الحياتية. طوال هذه السنوات، استسلم بيكاسو لنداء الكلاسيكية. ناسياً (ولكن ليس دائماً) التكعيبية، خضع لإغواء التصوير المحدد والنقي. من هذا الإغواء «الساحق» ولدت بورتريهاته الشهيرة عن أولغا: البورتريهات السوداوية التي تسيطر عليها رشاقة ريشة تلعب على التفاوت بين اللونين الوردي والصدفي. ولادة ابنهما بول في عام 1921 ?سوف ?ينتج، ?على ?الأقل ?بالنسبة ?لها، ?مشاهد ?أمومة ?هادئة. ?بدأت ?القطيعة ?يوم ?تعارف ?بيكاسو ?على ?فتاة ?قاصر هي ?ماري - تيريز ?والتر. ?العناق ?أصبح ?وحشياً، ?ضارياً ?بمعنى ?أدق?.. ?حتى ?الجميلة ?أولغا ?تغيرت ?مع ?تفكير ?بيكاسو ?بالعشيقة ?الجديدة، وعلى خلاف فرانسواز ?جيلو ?ودورا ?مار (?من ?رفيقات ?بيكاسو)?، ?لم ?تكن ?أولغا ?مثالاً ?لوحيه ?الفني.
في رفقتها، أصبح بيكاسو فنان الدواخل (يمكن متابعة ذلك بالنظر إلى لوحاته التي تصور مرسمهما ومسكنهما).
بالنسبة له، حققت ولادة بول ثم الانفصال قفزة إبداعية؛ لأنه لزم عليه أن يكذب (ويكذب على نفسه أيضاً)، ولذلك اختفى خلف مفردات جمالية أكثر خصوبة، وأكثر إبداعا، وبالتالي رأينا في لوحاته، المنجزة نهاية العشرينيات من القرن الفائت، أقواساً أخرى، أشكالاً ناضجة، متناغمة.
كان بيكاسو عاشقاً: هكذا أبدع.
عدد اليوم
