الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفخار فن الحياة اليومية للفقراء والأغنياء

الفخار فن الحياة اليومية للفقراء والأغنياء
12 سبتمبر 2008 00:48
احتفظ الفخار في ظل حضارة الإسلام بمكانة مهمة بين منتجات الفنون التطبيقية الاسلامية بدليل كثرة ما وصل إلينا من أوانيه الأمر الذي يسر الاعتماد عليه بشكل رئيسي في ترتيب مراحل التطور الحضاري والفني وفضلا عن ذلك فالفخار هو اقرب المنتجات إلى روح الإنسان وأكثر صلة به من غيره من الفنون· وقد شهد العصر الإسلامي عودة ازدهار فن الفخار في الأمصار المفتوحة وخاصة في إيران وبلاد الرافدين والشام ومصر والأندلس، بعدما كانت صناعته قد تدهورت بسبب اضطراب الأحوال في الشرق القديم من جراء الحروب بين البيزنطيين والفرس· وقد رصد عدد من الباحثين أوجه الاهتمام بهذه الصناعة في البلدان الإسلامية، ومنهم الدكتور زكي محمد حسن ( اطلس الفنون الإسلامية) والدكتور علي بهجت (حفائر الفسطاط)· ولم يكتف الصناع في الأمصار الإسلامية بالحفاظ على التقاليد القديمة بل اخذوا في تطويرها وابتكار أساليب جديدة لم تكن معروفة من قبل سواء في الصناعة او الزخرفة فقد تم العثور على جرار فخارية كبيرة في العراق تعود إلى بداية القرن الثاني الهجري انتجتها فواخير بلاد النهرين وهي مزدانة بطريقة الزخرفة بالقمع او ''الباربوتين'' وفي هذه الطريقة يوضع الطين اللازب في قمع او قرطاس ويضاف بالضغط على القمع ليشكل زخرفة على هيئة حبال مضافة على بدن الاناء بالشكل الزخرفي المطلوب، وتبدو الزخارف بارزة· ومن اشهر المنتجات الفخارية في مصر ''شبابيك القلل'' ويقصد بها ذلك الجزء الذي يفصل من داخل القلة، بين بدنها ورقبتها، وكان يثقب من اجل تنظيم تدفق المياه من القلة اثناء الشرب وايضا لحماية المياه من دخول الحشرات والهوام· ورغم ان شباك القلة يبدو مستترا عن اعين الذين يشاهدون هذه الأواني الفخارية، فإن الفنان المسلم شاء ان يعطي هذه الثقوب هيئة زخرفية بديعة فجاء بعضها على شكل زخارف هندسية دقيقة كأشكال المعينات والدوائر المتقاطعة والاشكال النجمية المتنوعة وقد عرف المسلمون طرقا كثيرة لزخرفة الفخار مثل التجسيم بطريقة القرطاس والنقش والحفر واستخدام الاختام، كما استعملوا القوالب· وقلد الخزافون المسلمون زخارف اواني الخزف الصينية المرتفعة الثمن اثناء صناعتهم لأواني الفخار وكأنهم يزودون الفقراء بأوان لها المظهر الخارجي لأواني الاثرياء ومن امثلة ذلك الفخار الذي صنع تقليدا لخزف اسرة ''سنج'' الصينية خلال القرن الرابع الهجري ''10م''، وهو فخار يزدان بزخارف محزوزة في بدن الإناء، ثم يضاف اليها طلاء زجاجي من لون واحد · وهناك أيضا الفخار الذي صنع في مصر تقليدا لخزف اسرة ''تانج'' الصينية وهو ما يعرف لدى علماء الفنون الإسلامية باسم فخار الفيوم المطلي ، وهو فخار متعدد الالوان، وتبدو ألوانه مختلطة ببعضها ولكن على هيئة خطوط طولية أو بقع متجاورة· ومن المنتجات الفخارية التي عثر عليها في العديد من الاقطار الاسلامية المسارج الفخارية وهي ذات هيئات متعددة وأبدانها محلاة بزخارف نباتية او هندسية محزوزة وتتفق هذه المسارج في وجود فوهة بوسط المسرجة او المصباح لوضع الزيت ثم فوهة طرفية يوضع بداخلها الفتيل المراد اشعاله· ومن اشهر انواع الفخار الإسلامي تلك الأواني التي ازدهرت صناعتها بكل من مصر والشام اثناء حكم المماليك في القرن الثامن الهجري ''14م'' وتتميز طينة هذه الفخاريات بالميل إلى الحمرة واستخدام الخط العربي وبصفة خاصة خط الثلث الذي شاع استخدامه على عمائر المماليك لتسجيل عبارات دعائية او ألقاب مملوكية كانت ذائعة الصيت آنذاك، ولإكساب هذه الاواني الرخيصة قيمة اجتماعية كبيرة· وفي اطار هذا المسعى اضيفت الشارات التي كان يستخدمها امراء المماليك للدلالة على وظائفهم العسكرية كالسيف ''امير سلاح'' والكأس ''الساقي'' ومن الطريف ان بعض هذه الاواني الفخارية كان ينتج لحساب امراء بعينهم مثلما نرى في اناء من الفخار المطلي بالمينا في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة اذ سجل عليه بخط الثلث ''السيفي فرجي'' وهو احد امراء السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون· ولكن يعتقد ان شارات المماليك لا تشير إلى استخدام الاواني المرسومة عليها بواسطة اصحاب هذه العلامات الوظيفية بقدر ما تعكس رغبة الصناع في اسباغ طابع الفخامة المملوكية على اوانيهم الزهيدة الثمن وخلال العصور الإسلامية أنتجت مدن شمال أفريقيا ولا سيما في القيروان والمغرب الأقصى أواني من الفخار تميزت بتناسق أجزائها وتركت أثرا واضحا على منتجات الفخار بالأندلس ولاسيما فيما عثر عليه في حفائر أطلال مدينة الزهراء القريبة من قرطبة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©