الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حلم

حلم
11 سبتمبر 2008 00:42
رجع مَرثد بن عبد كُلال من غزوة غزاها بغنائم كثيرة، فوفد عليه زعماء العرب وشعراؤها وخطباؤها، فرفع الحجاب عن الوافدين، وأوسعهم عطاءً، واشتد سروره بهم· فبينما هو كذلك إذ نام يوماً، فرأى رؤيا في المنام أخافته وأذعرته، فلما انتبه أُنسيها حتى لم يذكر منها شيئاً، وثبت في نفسه ارتياعه بها، فانقلب سروره حزناً، واحتجبت عن الوفود حتى أساءوا به الظن· ثم إنه حشر الكُهان: فجعل يخلو بكاهن بعد كاهن، ثم يقول له: أخبرني عما أريد أن أسألك عنه! فيجيب الكاهن: بأن لا علم عندي! حتى لم يدع كاهناً علمه إلا كان إليه منه ذلك! فتضاعف قلقه، وطال أرقه، وكانت أمه قد تكهنت، فقالت له: أبيت اللعن أيها الملك! إن الكواهن أهدى الى ما تسأل عنه، لأن أتباع الكواهن من الجان، ألطف وأظرف من أتباع الكهان· فأمر بحشر الكواهن إليه، وسألهن كما سأل الكهان، فلم يجد عند واحدة منهن علما مما أراد علمه، ولم يئس من طلبته سلا عنها، ثم إنه بعد ذلك ذهب يتصيد فأوغل في طلب الصيد، وانفرد عن أصحابه، فابصر بيوتا من ذرا جبل، وكان قد لفحه الهجير، فعدل الى البيوت، وقصد بيتاً منها منفرداً عنها، فبرزت إليه منه عجوز، فقالت له: انزل بالرحب والسعة، والأمن والدعة، والجفنة المدعدعة، والعُلبة المُترعة· فنزل عن جواده، ودخل البيت، فلما احتجب عن الشمس، وخفقت عليه الأرواح، نام فلم يستيقظ حتى تصرم الهجير، فجلس يمسح عينيه، فإذا بين يديه فتاة لم ير مثلها قواماً ولا جمالاً، فقالت: أبيت اللعن أيها الملك الهمام! هل لك في الطعام؟ فاشتد إشفاقه، وخاف على نفسه لما رأى أنها عرفته، وتصام عن كلمتها، فقالت له: لا حذر، فداك البشر، فجدك الأكبر، وحظنا بك الأوفر· ثم قربت إليه ثريداً وقديداً وحيساً، وقامت تذُب عنه حتى انتهى أكله، ثم سقته لبناً صريفاً، فشرب ما شاء، وجعل يتأملها مُقبلة مُدبرة، فملأت عينه حُسناً، وقلبه هوى، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: اسمي عُفيراء، فقال لها: يا عُفيراء، من الذي دعوته بالملك الهمام؟ قالت: مرثد العظيم الشأن! حاشر الكواهن والكهان، لمعضلة بَعُد عنها الجان! فقال: يا عفيراء، أتعلمين تلك المعضلة؟ قالت: أجل أيها الملك! إنها رؤيا مَنام، ليست بأضغاث أحلام! قال الملك: أصبت يا عفيراء! فما تلك الرؤيا؟ قالت: رأيت أعاصير زوابع، بعضها لبعض تابع، فيها لهب لامع، ولها دخان ساطع، يقفوها نهر مُتدافع، وسمعت فيما أنت سامع، دعاء ذي جرس صادع: هلموا الى المشارع، فروي جارع وغرق كارع! فقال الملك: أجل! هذه رؤياي! فما تأويلها يا عفيراء؟ قالت: الأعاصيب الزوابع ملوك تبابع، والنهر علم واسع، والداعي نبي شافع· والجارع ولي تابع والكارع عدو منازع! فقال الملك: يا عفيراء، أسلم هذا النبي أم حرب؟ فقالت: أقسم برافع السماء ومنزل الماء من العماء إنه لمُطل الدماء، ومُنطق العقائل نُطق الإماء· فقال الملك: إلام يدعو يا عفيراء؟ قالت الى صلاة وصيام، وصلة أرحام، وكسر أصنام، وتعطيل أزلام، واجتناب آثام! فقال الملك: يا عفيراء إذا ذبح قومه فمن أعضاده؟ قالت: أعضاده غطاريف يمانون، طائرهم به ميمون، يُغزيهم فيغزون، ويُدمث بهم الحُزون، والى نصره يعتزون! فأطرق الملك يُمر نفسه في خطبتها، فقالت: أبيت اللعن أيها الملك! إن تابعي غيور، ولأمري صبور، والكلف بي ثبور·فنهض الملك، وحال في صهوة أجواده وانطلق، فبعث إليها بمائة ناقة كوماء!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©