الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ردُّ الشرق

ردُّ الشرق
17 ابريل 2013 20:42
بهدف إحياء الذاكرة البصرية العربية، وإلقاء الضوء على إحدى الحلقات الزمنية المفصلية المهمة في تاريخ الصورة التشكيلية وما يوازيها في العالم العربي، تعرض مؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة مجموعة مختارة من مقتنياتها التشكيلية، التي تعكس قسطاً من مشروع الحداثة في التشكيل العربي الواقع خلال فترة زمنية تمتد بين العامين الميلاديين 1950 و1970، وهي مجموعة نادرة تتضمن جملة من اللوحات والمنحوتات المتمايزة أسلوبياً وتقنياً والمنسوبة لفنانين عرب من مصر، لبنان، فلسطين، العراق، سوريا، المغرب، الجزائر، الكويت والسعودية. من مصر يقدم المعرض مجموعة من اللوحات والمنحوتات الجديرة، لكل من راغب عياد وسيف وانلي وسمير رافع وجاذبية سري وآدم حنين، وهي أعمال تعكس بجلاء واقع الحياة المصرية والهوية الاجتماعية والثقافية خلال تلك الفترة الزمنية الممتدة لعقدين، فنجد مثلاً لوحة «أسوان» التي رسمها راغب عياد ـ أحد رواد التشكيل المصري المعاصر ـ ملتقطاً بحسه الوطني ومدفوعاً بتكليف حكومي آنذاك لتصوير مشاهد دالة تعبر عن ديناميكية العمل في بناء السد العالي، والتي اختار في تصويرها مسطحاً طولياً ذكياً يبلغ ارتفاعه ثلاثة أضعاف القاعدة العرضية النحيلة نسبياً قياساً بتلك المبالغة الطولية المقصودة والمتعمدة، ليوزع عمال البناء عبر مستويات علوية تنتثر من مقدمة اللوحة إلى العمق، في تكوين بصري عاكس لحالة الشموخ والرفعة المبتغاة من جراء بناء السد، وتحوله فيما بعد لرمز ساطع ومعبر عن مفهوم القومية العربية. تيارات مصرية ويتضمن المعرض ثلاث لوحات للرائد السكندري سيف وانلي هي «موسيقى هادئة» و»الأم والطفل» إضافة إلى لوحة «الباليه الروسي»، وهي أعمال تستفيد بوضوح من خصائص المدرسة التكعيبية في طرح مكونات بصرية ذات طابع تحليلي، وترتكز أصلاً في إنتاجها على أحداث ومشاهد حياتية عاكسة لحياة طبقات وشرائح اجتماعية مصرية متعددة، وتظهر اللوحات في عمومها نوعاً من التجاوب الحادث بين مفردات كل لوحة من بينها، حيث نجد الدرجات اللونية المنتثرة في أرضيات وخلفيات اللوحات عموماً قد اشتقت عن نفس روح المجموعة اللونية المؤلفة للشخوص ولبقية عناصر اللوحة، كما أن الرأس المتدلي لسائق العربة في لوحة «موسيقى هادئة» يجد تجاوباً حركياً مماثلاً في وضعية رأس الحصان والحال نفسه بالنسبة لوضعيتي رأس الأم والطفل في اللوحة الثانية، وكذلك تستمر هذه الترديدات والأصداء الحركية لتبلغ ذروتها في لوحة «الباليه الروسي» بحسب ما فرضه موضوع اللوحة الراقص ومقتضيات إبداعها على نحو يشي بكرنفال حركي وإيقاعات بصرية تتواتر، ضمن منظومة استعراضية قوامها رؤوس الراقصات وأياديهن وأرجلهن وكذلك أجسادهن المتخذة عدة مسارات منكسرة. أما السوريالي الرائد سمير رافع الذي ورد اسمه باللغة العربية ضمن مطبوعات المعرض والشروحات المرافقة للوحات مغلوطاً في كل المواقع من دون استثناء، والذي يُعد أحد أقطاب التوجه السوريالي المصري مع كل من الشاعر جورج حنين والتشكيلي رمسيس يونان، وهو التوجه التشكيلي المتفرد على المستوى العربي والمواكب زمنياً للحركة السوريالية العالمية من خلال صداقة وطيدة الأوصال جمعت تلك الحركة المصرية مع أندريه بريتون المنظر الأول والمؤسس لهذا التوجه الإبداعي عالمياً، فقد حظي بعرض ثلاث لوحات كذلك هي «موسيقى جالس» و»مجموعة من الأشخاص في قرية»، ولوحة أخرى بدون عنوان، وهي لوحات تمتاز بتجسيدها للمكون الشعبي المطبوع بمسحة سوريالية تمزج الواقعي بالمخيلاتي، خلال ممارسة تشكيلية تتحلى بالسيطرة على كتلة اللون وتحرير الأشكال من نسب الواقع، لتتناسب مع واقعها البصري الذي يقوده الفنان القدير في سبيله لفرض أجواء متفردة في بنيتها وتأثيراتها المبتغى تحققها. كما يضم المعرض لوحة واحدة للفنانة جاذبية سري هي «حديث النساء» وقد أقامتها معتمدة على الاختزال والتلخيص والتباين اللوني الكائن في خلفية العمل، وكذلك في وضعية المرأتين المتقابلتين ضمن تكوين بصري يعكس جانباً من محاورة نسائية تتمتع بالسرية، وتجمع في متنها بين الدعة الظاهرية والتحصن في ذات الوقت بقوة وغموض الداخل النسائي العميق. بينما يحضر النحت المصري من خلال منحوتة «مريم النيل» لآدم حنين المتدثر بنتوءات نحتية مرنة، مع ارتكازه على مسارات وانتقالات لينة الخطوط تسمح بانتقال عين المشاهد عبر مكونات المنحوتة بسلاسة، ومن دون أن تتعثر فجأة في مكون خطي حاد الطابع وقاسي الوجود. ويفاجئنا المعرض بتقديم لوحة تصويرية من بدايات الفنان السكندري أحمد مصطفى هي «بورتريه شاعر»، والتي تنتمي في أسلوبها للمدرسة الأوروبية الحداثية في التصوير، ما يجعل تلك اللوحة مفاجئة ومغايرة تماماً لمشروعه الآني المرتكز على تقديم دراسات وحلول بصرية تبحث في جمالية الحرف العربي. .. وتوجهات لبنانية ومن لبنان يحضر مشروع التشكيلي الكبير شفيق عبود عبر لوحة وحيدة عنوانها «عائلة كردية» رسمها الفنان بالألوان الزيتية على الورق المقوى مشتملة على العديد من المكونات المتداخلة مع بعضها بعضاً من دون فواصل ومحددات، ضمن بنية هندسية تذوب فيها المساحة تحت سطوة الخط، ويغيب فيها اللون وراء الحياد الناجم عن سطوة وهيمنة المجموعة الرمادية المعتمدة. ويحضر من فلسطين عملان للفنان أرمني الأصل والمتميز على المستويين العربي والدولي بول غيراغوسيان هما «العذراء والطفل» و»مجموعة مع الأزهار»، وهما يدلان على توق الفنان لاستلهام المرأة ضمن مشروعه التشكيلي، كما أنهما يؤكدان فرادة أسلوب الفنان، الذي يميل إلى التجريد الشكلي وكذلك تفعيل المراس التحليلي، الذي يغمر شخوص وعناصر العمل عبر مسطحات لونية أمكن للفنان أن يطرحها، معتمداً على مجموعة من كتل لونية تمتاز بالجرأة والحنكة الواضحتين. مدارس عراقية فيما تحتل أعمال الفنانين العراقيين مساحة كبيرة في هذا المعرض العربي المعبر عن حضور حقيقي للفنون العربية، ضمن حيز التشكيل الإنساني وخصوصاً خلال تلك الحقبة الموسومة تاريخياً بالحداثة الفنية، ويتضمن المعرض مجموعة من أعمال الحداثيين العراقيين: حافظ الدروبي، شاكر حسن آل سعيد، نوري الراوي، إسماعيل فتاح، كاظم حيدر، ضياء العزاوي، سعدي الكعبي، عصام السعيد، وإسماعيل الخياط. تمتاز أعمال الفنان الرائد حافظ الدروبي المؤسس لجمعية الانطباعيين العراقيين في عام 1953 بقدرتها على الإفادة من تأثيرات الضوء الساقط على الأشكال والعناصر والشخوص، ومن ثم تحقيق ذلك لونياً خلال نتاجات بصرية تستند على كثير من خصائص وسمات الفن التكعيبي، وتتكئ في الأساس على مشهدية الواقع المعيش بما يحفل به من تنوع شكلي وحياتي قادر على التحفيز الفني ودفع الفنان في سبيله للتفاعل والمجاراة، كما يظهر ذلك في ثنايا لوحته «باعة البطيخ». ويسطع التجريد الحروفي في لوحة «آل سعيد» التي تتسم بصوفية بصرية نابعة من فلسفة وفكر الفنان الباحث بجدارة عن تفرد أسلوبي أمكن له أن يقتنصه ويسمو به، إلى أن صار في صدارة المشهد التشكيلي العراقي المعاصر. ويستحضر «الراوي» في لوحته التجريدية طابع المرأة العراقية الحالمة وما يحيط بها من أجواء ومفردات البيئة الغنية بالزخرف والنبات والطير، وهي عناصر تحتل موقعها التكاملي ضمن الفضاء المحيط بالشخصية المركزية الماثلة في قلب العمل، حيث تحتل المساحة الكبرى من المسطح المرسوم. بينما يلتقط إسماعيل فتاح من الشعور الإنساني مادة تصلح للتجسد والتشكيل النحتي المحاكي لاهتراءات الروح، من خلال نموذج نحتي مبتور يظهر مفرغاً من داخله من أحد الجوانب ويظهر من الجانب الآخر مصمتاً ليبدو مستحوذاً على الصورتين المتنافرتين واللتين تشكلان في مجموعهما تكامل الحالة الجامعة لداخل الإنسان وخارجه، هذا الإنسان الجالس بلا رأس ليكون مادة جدلية قادرة على الاستفزاز وإثارة التساؤلات في سبيلها للبحث عن يقين ما. وتعكس لوحة «ملحمة الشهيد» لكاظم حيدر رغبة حقيقية في التجاوب مع الأحداث التاريخية من خلال تصويره لمجموعة من الخيول البيضاء، التي تبكي الشهيد في مشهدية رمزية تحاول محاكاة جوانب بعينها من تلك التي تشكل قسماً من الحياة والواقع العراقيين، وفي لوحته «أخبرنا كيف حدث ذلك» استند الفنان أيضاً على المعطى الواقعي في تصويره لشخص عراقي يمتاز بالصرامة والرسوخ، وقد بدا ذلك من خلال مجموعة من الخطوط التشكيلية القوية التي قادت الرسم في سبيله لإبراز المعنى وتأكيد الدلالة. أما ضياء العزاوي فقد جاءت لوحته «قناع المدعين» ولوحتان أخريان بدون عنوان لتعبر جميعها عن تمرس الفنان وقدرته على التعبير البصري، من خلال فهمه للمكون الحضاري ووعيه بقضايا الإنسان، وما يلم به من مصائر نتيجة لقسوة الحياة ومجرياتها، بما يشكل مادة تحريضية وحية تساعد في الوقوف على أفكار عميقة، وتسهم في إنتاج فن متمايز. فيما يبني سعدي الكعبي لوحته مستنداً على رسم شخصية بدوية تقليدية المظهر وقوية الملامح، ما يمنح هذه اللوحة بعدها الاجتماعي وحسها الشعبي المهيمنين. في الوقت الذي تأتي فيه لوحة عصام السعيد الحروفية مطبوعة بالعفوية. وتهيمن الأجواء الشعبية والزخرفية على لوحة «من راقب الناس مات هماً» لإسماعيل الخياط، وهي لوحة تعتمد الحشد لمجموعة من الثيمات والوحدات الشعبية، التي يطرحها الفنان في سياق يمتاز بالتسطيح البصري. انطباعات سورية من بين الأعمال السورية المعروضة في «رد الشرق» لوحة انطباعية لنصير شورى تمثل منظراً طبيعياً، ولوحة تسجيلية لنعيم إسماعيل تلتقط مكونها من جنبات الحياة اليومية، ولوحة ذات طبيعة خيالية حالمة لوليد الشامي حملت عنوان «مريم» وتتسم ببساطة المظهر والاقتضاب في عدد المفردات المكونة، إلى جانب لوحة لنشأت الزغبي يصور خلالها المستحمين بأسلوب تغلب عليه السمة الأكاديمية مع مراعاة أسس التشريح وقواعد المنظور والظل والضوء والحفاظ على تكوين يمتاز بالرصانة والجمالية. كما كان للفنانين السوريين الكبيرين لؤي كيالي وفاتح المدرس حضورهما في المعرض كذلك عبر عمل لكل منهما، هما لوحة «مريم» لكيالي وهي تبين تمرسه في تقنية الرسم على ألواح الخشب من خلال اقتناصه للحظة زمنية لسيدة جالسة على مقعد عريض تحيك قطعة من قماش، ولوحة «أيقونات المدرس» لفاتح المدرس الذي نجح من خلالها في تقديم مجموعة من الرموز الأيقونية المميزة في عموم أعماله، عبر تكوين يتقاطع خلاله المساران الأفقي والرأسي معاً. رؤى مغاربية من المغرب جاءت لوحة «المرايا الحمراء» لأحمد الشرقاوي مؤكدة إفادة الفنان من الإشارات والرموز المتوافرة في الثقافة التقليدية المغربية، وبخاصة تلك التي يحفل بها الإرث الأمازيغي الزاخر. ومن الجزائر ضم المعرض عملين للفنان محمد خدا صاحب المشروع التشكيلي الكبير المرتكز على تقديم لوحة حروفية تمتاز بطريقتها المتفردة في تحرير الأحرف من أشكالها التقليدية، لتذوب وتتداخل ضمن أجساد تشكيلية تحتل مواقعها عبر المسطح البصري بما يحقق التوازنات الشكلية ويعمق من الدلالات الفكرية، إلى جانب لوحة لعبدالقادر قرماز تستجيب بكليتها للتجريد والاشتغال التأثيري من خلال اعتماد بعض الملامس الناتئة من مسطح اللوحة. مشاهد كويتية وسعودية وقد ضم المعرض كذلك لوحتين تتسمان بطبيعة تسجيلية للفنان الكويتي عبدالله القصار تصوران مشهدين مأخوذين عن الحياة اليومية بطريقة واقعية، يمثل المشهد الأول قســماً من حياة البحــر حال بناء أو ترميم واحدة من السفن الكبيرة الراسية على الشاطئ، حيث تتناثر ألواح الأخشاب في مقدمة اللوحة ويظهر بعض المشتغلين فـي أوضـاع حركيـة متنوعـة، فيما توثق اللوحة الثانية لسـيدة تقـوم بتنظيف الحنطة، وقد افترشت الأرض محاطة بالأجولة والأدوات المنزلية. فيما جاءت لوحة الفنان السعودي عبدالحليم رضوي «طبيعة صامتة مع السمك» في هيئة تجريدية تستعين بالعجائن اللونية الممزوجة بالرمل، مع تقديم حوار لوني يعتمد على الاختزال البصري الذي يعكس قدرة الفنان وتمكنه من بناء عمل فني هندسي الطابع ومسطح يحفل بقدر واضح من البساطة، كما يمتاز بالقدرة على التعبير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©