الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أزمة «القرن» تعبث بالقطاعين المصرفي والعقاري

أزمة «القرن» تعبث بالقطاعين المصرفي والعقاري
22 يونيو 2017 22:16
حسونة الطيب (أبوظبي)

كانت الأزمة المالية التي اندلعت 2007 – 2008، أكبر وأكثر الأزمات حدة منذ الكساد الكبير، حيث عملت على إعادة تشكيل الاستثمار والتمويل المصرفي العالمي. لا تزال آثار هذه الأزمة قائمة إلى يومنا هذا، مع أن العديد من الناس لا يفهمون الأسباب الحقيقية وراء وقوع هذه الأزمة.
تضافر مزيج من الأسباب التي أدت لهذه الأزمة شملت الديون والأصول المدعومة بالرهن العقاري. ومنذ الحرب العالمية الثانية، لم تتوقف أسعار العقارات في الولايات المتحدة الأميركية، عن الارتفاع، رغم التقلبات الطفيفة التي تخللتها.
وتعتبر هذه الأزمة الأخطر في تاريخ الأزمات المالية، خاصة بعدما ثبت عجز النظام المالي العالمي عن احتوائها والتخفيف من آثارها بشكل سريع وفعال. كما تأتي خطورة هذه الأزمة، كونها تنطلق من اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، الذي يشكل قاطرة الاقتصاد العالمي بحجمه الذي يقدر بنحو 14 تريليون دولار في ذلك الوقت. كما يحتل السوق المالية الأميركية، موقع القيادة للأسواق المالية العالمية، ما يعني انتشار أي مخاطر تتعرض لها، في بقية الجسد العالمي.
وأدركت المؤسسات المالية ورجال الأعمال في ثمانينيات القرن الماضي، أن الرهون العقارية الأميركية، هي أصل لم يسبق الاستفادة منه. وسعى المتداولون في «سالمون براذرس» و«دريكسل بورنهام لامبيرت»، لتوسعة دائرة سوق السندات مع اكتشافهم لأن استمرار تدفق عمليات الدفع من الرهون العقارية الأميركية، يمكن إعادة هيكلته إلى سندات ليتم بيعها فيما بعد للمستثمرين.
وقبل هذا، لم يكن للمستثمرين من سبيل للدخول في سوق الرهن العقارية غير شراء العقارات أو الاستثمار في شركات البناء، الشيء الذي لا يمكّن من التعرض الحقيقي لأسعار المنازل.

أسباب الأزمة
وشهدت نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، طفرة كبيرة في إصدار السندات المدعومة بالرهون العقارية، المعروفة أيضاً باسم الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري. والسبب وراء ذلك، كان في استخدام التوريق، الذي يعني تراكم الدين ومن ثم إصدار أصول تعتمد على ذلك الدين.
وعندما رغبت الحكومة في تحقيق حلم المواطن الأميركي بامتلاك بيت لكل واحد وكان الدخل لا يتناسب مع شراء البيت، فتحت البنوك أبوابها لاستقبال الجمهور وتقديم القروض. وبينما زادت القروض، اضطرت البنوك لرفع سعر الفائدة، ما أدى لعجز المواطن عن دفع الأقساط، لتلجأ الحكومة لبيع العقارات مرة ثانية وثالثة مع الاستمرار في رفع سعر الفائدة، ما أسفر عن اندلاع الأزمة.
ودأبت البنوك الاستثمارية على شراء سندات رهون عقارية من جهات الإصدار، لتعيد حزمها وبيع فئات محددة من الدين للمستثمرين. وبمرور الوقت، أخذت الرهون العقارية الجديدة في الاضمحلال لتوريقها.
ونظرياً، يساعد جمع رهون عقارية مختلفة، على خفض المخاطر لتصبح الأصول في مأمن، لكن في الواقع، تفتقر معظم الرهون العقارية التي تم توريقها للجودة ويطلق عليها الرهون العقارية عالية المخاطر.
وانطلقت البنوك الأميركية العالمية، في موجة ضخمة من الإنفاق واقتراض كميات كبيرة من المال بنسب فائدة متدنية قصيرة الأجل لتمويل استثماراتها. وكادت بنوك مثل، «مورجان ستانلي» و«ليمان براذرز» و«ميريل لينش» و«بير ستيرنز»، تعتمد كلياً على القروض قصيرة الأجل.
تفاقم الأزمة
بحلول الألفية الثانية، تلقى العديد من الأفراد من لديهم تصنيف ائتماني سيئ، مئات المليارات من الدولارات من الرهون العقارية بنسب فائدة قابلة للتعديل. وتتطلب هذه الرهون، نسب فائدة منخفضة تصل إلى 8% خلال السنتين الأوليين، ومن ثم تزيد إلى 15% على مدى 28 سنة. وليس من الممكن لهؤلاء المقترضين، المقدرة على تسديد هذه النسب العالية. وفي حين توقفت أسعار المنازل عن الارتفاع وبدأت في التراجع، لم يعد بإمكان مالكي هذه المنازل إعادة تمويل أو رهن بيوتهم مقابل الحصول على السيولة النقدية، ليدخلوا بذلك في نفق العجز عن السداد.
وسنوات الذروة التي شهدت إصدار هذه الرهون العقارية، كانت في 2005 و2006، لذا وبحلول 2007 و2008، قفز معدل الرهون العقارية عالية المخاطر فجأة. ويعني ذلك، أن بعض الفئات الدنيا في التزامات الدين المضمونة والسندات المالية المدعومة بالرهن العقاري، قد تم حذفها. ونتيجة لذلك، بدأ المستثمرون في فقدان الثقة في فئات الأصول ذات التصنيف العالي والبنوك التي تستحوذ على كميات كبيرة منها أو المعرضة لمثل هذه الأصول.
ولاحت البوادر الأولية للأزمة، في يونيو 2007، عند إعلان خامس أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة الأميركية «بير ستيرنز»، عن خسائر كبيرة في اثنين من صناديق التحوط لديه، بجانب تعرضه لأصول عالية المخاطر. وعندها، تم حظر العملاء من سحب إيداعاتهم وإغلاق الصناديق، لتتكبد خسائر بلغت 3 مليارات دولار.
ولم تقتصر مشاكل تمويل الدين قصير الأجل والرهون العقارية، على أميركا وحدها، حيث تم الإعلان في سبتمبر 2007، عن إفلاس بنك «نورثرن روك» العامل في تقديم قروض الرهن العقاري في المملكة المتحدة، لتقوم الحكومة البريطانية بشرائه. وتمثلت المشكلة، في صغر حجم قاعدة الإيداع لدى البنك وأن تمويله بالكامل تقريباً، كان يتم عبر أسواق اتفاقيات إعادة الشراء قصير الأجل. وبعد حادثة بنك «بير ستيرنز»، بدأت أسواق الائتمان تعاني الجفاف ولم يعد «نورثرن» قادراً على الإيفاء بالتزاماته ولا بد من إنقاذه.
وفي أكتوبر 2007، فقد اثنان من أكبر البنوك في العالم، رؤساءهما التنفيذيين، ستان أونيل من بنك «ميريل لينش» وشارلس برنس من بنك «سيتي جروب»، بسبب استقالاتهما، نظراً للخسائر التي مُنيت بها مصارفهما الناجمة عن الديون عالية المخاطر.
وخلال الأشهر القليلة التي تلت، انتشر قلق عام بخصوص الرهن العقاري وأسواق الائتمان حول العالم، حيث أعلن العديد من البنوك ومؤسسات الرهن العقاري، عن خسائر نجمت عن تعرضها لرهون عقارية ذات مخاطر عالية. وبحلول مارس 2008، بدأت الأوضاع تسوء بصورة ملحوظة.
وتعرض «بير ستيرنز»، لموجة من سحب الإيداعات في أعقاب خسائر صناديق تحوط الرهن العقاري، لتصبح خزائنه خاوية بالفعل في مارس 2008. وترتب على «جي بي مورجان»، شراء البنك المتعثر، مع التزام الحكومة الأميركية بضمان 30 مليار دولار قيمة لأكثر الأصول سوءاً تحت ملكية «بير ستيرنز». ووافق البنك، على البيع مقابل 2 دولار للسهم، لكن تم بيعها بواقع 10 دولارات للسهم، بيد أن قيمته لا تزال دون القيمة السوقية للمكتب الرئيسي للبنك في مدينة نيويورك.

ليمان براذرز
يعتبر «بير ستيرنز»، خامس أكبر بنك استثماري في أميركا وبعد انهياره وقع «ليمان براذرز» رابع أكبر بنك في البلاد، تحت ضغوط كبيرة. وفي صيف 2008، ركب سهم «ليمان»، موجة سريعة من الهبوط والارتفاع بنسبة قدرها 40% في يوم واحد من التداول. وفجأة، أخذ البنك في نزف الأموال، ليجد نفسه في حاجة ماسة للسيولة. وفي غضون ذلك، تسارعت وتيرة الاتصالات بين رؤساء البنوك هينري بولسون، وزير الخزانة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفادي الدخول في أزمة.
ولمعالجة الوضع، طرق «ليمان» أبواب عدة من بينها، جمع 4 مليارات دولار في صفقة مع «مورجان ستانلي» وأخرى مع «بنك أوف أميركا» والدمج مع «باركليز»، إلا أن جميعها باءت بالفشل. وبحلول سبتمبر 2008، بلغ السوء ذروته. وسعى «ليمان»، لعقد صفقة مع «بنك أوف أميركا»، لكن رفضت الحكومة الأميركية تقديم أي نوع من الدعم بعد الاحتجاج الشعبي على إنقاذ «بير ستيرنز».
دخلت كل البنوك في نفق المعاناة عند هذه النقطة، إلا أن التأثير الأكثر بعد «ليمان»، كان من نصيب «ميريل لينش» ثالث أكبر بنك في أميركا. ومع أن تعثره لم ينتشر بشكل واسع بين الأوساط الإعلامية، لكنه تعرض لخسائر كبيرة.
وخلال سبتمبر 2008، نسقت وزارة الخزانة الأميركية، اجتماعاً بين مديري البنوك الكبيرة في مقر الاحتياطي الفيدرالي، في محاولة لإنقاذ «ليمان براذرز». وإبان سير هذه الاجتماعات، كررت الحكومة موقفها بعدم تقديم أي نوع من المساعدة والإصرار على الحصول على حل سوقي.
وأبدى كل من «بنك أوف أميركا» و«باركليز»، رغبتهما في الاستحواذ على «ليمان»، لترجح كفة الأول على الثاني. ورغم عدم تفضيل «باركليز»، لكنه كان قريباً من إتمام الصفقة، إلا أن المنظمين البريطانيين قاموا بإغلاقها تخوفاً من أن تتسبب في عدم استقرار البنك البريطاني العريق.
وبعد بذل العناية الواجبة من طرف «ليمان»، لم يبد أي بنك رغبته دون الحصول على مساعدة من الحكومة، باستثناء «بنك أوف أميركا»، لتؤول إليه ملكية البنك في سبتمبر 2011.


خطر الانهيار يطال العديد من المؤسسات المالية
وقعت المؤسسات المالية خلال فصلي صيف وخريف 2008، تحت ضغوط كبيرة، ليكون السقوط التالي من نصيب المجموعة الأميركية الدولية «أيه آي جي»، العملاقة العاملة في مجال التأمين. ورغم أنها ليست بنكاً استثمارياً، لكنها تملك مجموعة باسم «أيه آي جي للمنتجات المالية»، كانت تلعب دور البنوك الاستثمارية عبر إصدار مشتقات يطلق عليها اسم، مقايضات العجز عن سداد الائتمان «سي دي أس».
وظلت «أيه آي جي»، تعمل على إصدار عشرات المليارات من الدولارات من مقايضات العجز عن السداد في شكل سندات مدعومة بالرهن العقاري. ونسبة للاضطراب الذي كان يجري في أسواق المال، كان لزاماً على الشركة توفير ما يزيد على 40 مليار دولار في غضون أيام قليلة. وسعت الشركة لجسر هذه الفجوة، من خلال جمع المال والقروض الحكومية، باستخدام بعض أصولها للتأمين كضمان، إلا أن الفشل حال دون نجاح كل محاولاتها.
وبعد إعلان «ليمان» للإفلاس، تم تقليص تصنيف «أيه آي جي»، ما يعني ضرورة توفير عشرات المليارات من الدولارات كضمانات إضافية لدائنيها. اعتبرت الحكومة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي، أن من الصعوبة سقوط الشركة لتداخلها الكبير في النظام المالي العالمي، لكن وفي أقل من يومين بعد انهيار «ليمان»، قامت الجهتان بشراء أسهم فيها، بأكثر من 80 مليار دولار بغرض إنقاذها. وبعد الاستحواذ على أو إنقاذ اثنين من البنوك الاستثمارية العالمية الكبيرة وأكبر شركة تأمين في العالم في غضون ثلاثة أيام، دخلت أسواق المال العالمية دائرة الانهيار. وتراجع مؤشر «داو جونز الصناعي» بنحو 30% في فترة تراوحت بين اثنين إلى ثلاثة أسابيع.
وفي ظل هذا المناخ المضطرب، واجه العديد من المؤسسات المالية خطر الانهيار الوشيك بما في ذلك «مورجان ستانلي» و«جولدمان ساكس» و«سيتي جروب» و«واشوفيا» وغيرها العديد. ومع اقتراح العديد من عمليات الدمج والاستحواذ، إلا أن الأزمة أحكمت قبضتها. وباع «مورجان ستانلي»، 21% من أسهمه لشركة «ميتسوبيشي يو أف جي» مقابل 9 مليارات دولار.
وطوال سبتمبر 2008، لم تولِ الحكومة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي، جهداً في سبيل الوصول لوسيلة تمكن من استقرار أسواق المال العالمية. ورمت الخطة التي تم التوصل لها، لشراء الأصول المتعثرة من البنوك بُغية تخفيف حدة عدم اليقين المستشري في أوساط الأسواق. وأُطلق على هذه الخطة اسم «برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة».  ولتنفيذ البرنامج، طلبت الحكومة من الكونجرس توفير 700 مليار دولار لتقديمها للمؤسسات المالية المتعثرة. وأعاد العديد من هذه المؤسسات الأموال التي اقترضتها بموجب البرنامج، لتبدأ الأسواق بحلول صيف 2011، في الاستقرار والنمو مرة أخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©