السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أساطير المعلم يعقوب

أساطير المعلم يعقوب
20 ابريل 2011 20:27
“الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر في عام 1801”. عنوان طويل لدراسة قصيرة جدا، اصدرها عام 1932 المؤرخ المعروف محمد شفيق غربال، وقد أعادت دار الشروق نشرها بتقديم د. محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة والمتخصص في تاريخ الاقباط. يصدر هذا الكتاب متوافقا مع الازمة التي مرت بها هيئة الثقافة الجماهيرية بسبب اصدار كتاب د.احمد حسين الصاوي عن المعلم يعقوب والذي يتهمه فيه بالخيانة، حيث احتج عدد من الاقباط المصريين على ذلك الكتاب، واعتبروه تعريضا بهم. شفيق غربال يذهب في كتابه الى ان المعلم “الجنرال يعقوب بن حنا” هو رائد فكرة ومشروع استقلال مصر عام 1801. والمشكلة ان بعض الاقباط تصوروا ان شخصية يعقوب تنسحب على الاقباط جميعا، وهذا موقف غير علمي، يعقوب يعبر عن نفسه فقط، سواء كان خائنا أو رائد الاستقلال. الطريف أن “رمزي تادرس” في كتابه “مشاهير الاقباط”، الصادر في مطلع القرن العشرين، لم يتمكن من تبرئة يعقوب وكذلك يعقوب نخلة في كتابه عن تاريخ الامة القبطية ا لصادر عام 1921 وفي الاوساط القبطية كان ينظر الى يعقوب باعتباره خائنا. مع بونابرت ولد يعقوب في مدينة ملوي بالمنيا وتعلم في كتاب قبطي ثم التحق بخدمة المماليك، وعمل مع سليمان بك في الصعيد، وكان سليمان بك رجل مراد باشا، وحين ارسل السلطان العثماني حملة لتأديب المماليك عام 1786 كان يعقوب جاهزا للقتال في صفوف المماليك، ولما جاءت حملة بونابرت الى مصر عام 1798 انضم يعقوب من البداية الى الفرنسيين ضد المماليك ورافق الجنرال ديزيه الذي تزعم الحملة على الصعيد، وقادهم يعقوب الى حيث يختبئ المماليك ويخبئون اموالهم، فقد كان يعرف اماكنها، وقام بنفسه كما سجل الجبرتي باحراق عدد من القرى لان اهلها كانوا يقاومون الفرنسيين، وحين قامت ثورة القاهرة الثانية شارك المعلم يعقوب في اخمادها، ولما انتهت باغتيال كليبر وجاء الجنرال مينو وشعر بنقص كبير في قواته بدأ يفكر في تشكيل فيالق محلية، فكان هناك فيلق مغربي، ضم بعض المغاربة في مصر، وفيلق قبطي اسسه يعقوب، ومنحه مينو درجة جنرال في الجيش الفرنسي وحين تقرر جلاء الحملة عن مصر عام 1801 اصر يعقوب على ان يخرج معهم الى فرنسا فهرب معظم افراد الفيلق واحتجت الأسر القبطية لدى مينو كي يمنع افراد الفيلق من الخروج، وعلى الرغم من ان السلطات العثمانية عفت عن يعقوب لكنه خرج ومات في عرض البحر وطويت صفحته تماما حتى كان كتاب أو دراسة شفيق غربال التي بين ايدينا، حيث عثر على مذكرة تعود الى اكتوبر 1801 مرفوعة من قبطان السفينة التي كان عليها يعقوب الى وزير البحرية الانجليزية بخصوص محادثاته مع يعقوب وقام الفارس لاسكاريس بالترجمة بينهما وتدوين المحادثات، القبطان جوزيف ادموندس رفع المذكرة متصورا ان بها ما يفيد سياسة بلاده، وخلاصة المحادثات ان يعقوب انضم للفرنسيين لدافع وطني وهو ان يخلص مصر والمصريين من حكم الاتراك العثمانيين، وانه كان يراهن على الفرنسيين، لكن هزيمتهم تجعله يراهن على الانجليز للقيام بهذا الدور، لاسكارس اعتبر يعقوب زعيما لوفد مصري يطالب بالاستقلال وان الذين رافقوه هم اعضاء هذا الوفد. شفيق غربال راح يقارن هذا الوفد بوفد ثورة 19 واعتبر يعقوب هو رائد الاستقلال الوطني، ويحاول د.محمد عفيفي في دراسته حول الكتاب ان يجيب عن تساؤل هو: لماذا نحا غربال هذا المنحى؟ يفسر عفيفي ذلك بأمرين اساسيين: الاول ان محمد شفيق غربال هو مؤرخ القصر الملكي آنذاك، وكان الملك فؤاد مهتما بالتأريخ لجده محمد علي والاسرة العلوية كلها، وكان غربال يقوم بهذه المهمة، لذا وضع كتابا عن محمد علي، وكان رأيه ان محمد علي هو اول من بدأ استقلال مصر، رسالته للماجستير التي اعدها مع المؤرخ البريطاني ارنولد تويبني كانت عن المسألة المصرية وصعود محمد علي وهو كان يريد ان يبحث عن جذور لما قام به محمد علي، فذهب الى ما تصوره مشروع وطني لدى المعلم يعقوب، وهو في سبيل ذلك دافع عن الحملة الفرنسية على مصر، وعن نابليون وهاجم بضراوة العلماء وثورتي القاهرة الاولى والثانية واعتبر الثورة فتنة شعبية وهاجم بضراوة الشيخ السادات وكذلك السيد عمر مكرم الذي اعتبره مهيجا ويقطع عفيفي ان المشروع المنسوب ليعقوب هو من افكار لاسكارس. الثاني ان غربال هو ابن حقبة ما بعد ثورة 19 وكان مأخوذا بفكرة الوفد المصري، لذا فقد تخيل ان يعقوب وجماعته يشكلون وفدا مصريا، ذلك ان اي مؤرخ في عمله يكون متأثرا باللحظة التي يعيشها وما بها من احداث، وفي الثلاثينات كان الجميع في مصر تأثروا بفكرة “الوفد”. ينسى الجميع ان الخيانة بلا دين، يعقوب كان خائنا، لكنه لم يكن الخائن الوحيد، ربما كان القبطي الوحيد بين الخونة اثناء حملة نابليون، خيانته ليست لانه غادر الى فرنسا، بل لانه قاتل الى جوار الفرنسيين المدنيين العزل في صعيد مصر، وقاتل بضراوة ضد الثوار في ثورة القاهرة الثانية، ولولاه هو ومراد بك الخائن الاكبر في تلك الفترة لما تمكن الفرنسيون من قمع الثورة واحراق منطقة بولاق بالكامل، واذا كان يعقوب قد خان فهناك عد كبير من الاقباط قاتلوا الفرنسيين بل ان المعلم “الجوهري” وكذلك المعلم “فلتس” وكانا من اعيان الاقباط تبرعا بمبلغ ضخم لدعم ثورة القاهرة الثانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©