الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأمازيغية: نحو إعادة تأسيس القضية

16 ابريل 2012
أولاً نود توضيح المنهج الذي قد يبدو لنا قويماً في مقاربة مسألة الأمازيغية، وينضوي تحت المعادلة العويصة بين قِيمتيْ الفكر والواقع، إذ إنها الإشكالية التي شغلت الفكر الإنساني منذ الإغريق تقريباً، حيث أقام تضاداً بين "الميثوس" و"اللوغوس"، أي الأسطورة والعقل، فانقطع بذلك ارتباطه بنمط الفكر السابق عليه، الذي كان يجمع بين الفكر والواقع في قالب أسطوري واحد. ومع ذلك، ما زالت هذه الإشكالية تشغل تفكيرنا إلى الآن، من خلال إثارة أسئلة من قبيل: مَن الأسبق، هل هو الفكر أم الواقع؟ ومن له الأولوية في الاعتبار، هل للأول أم الثاني؟ وهل يمكن القول إن العلاقة بينهما علاقة جدلية؟ وغيرها من الإشكالات كانت وراء بلورة الفكر الإنساني وإثراء معارفه وتوسيع آفاقه. والحال أن هذا يصدق على موضوعنا هنا، حيث يظهر في مجموعة من المناقشات والبحوث التي تناولت المسألة الأمازيغية، اندماجُ ما هو فكري بما هو واقعي فيها، أي الخلط المنهجي في معالجة القضية، مما قد يؤدي إلى غموض المعنى، وفي أحيان أخرى إلى أدلجة المبنى. وعلى هذا الأساس، نرى ضرورة الفصل بين المستويين في دراسة هذه الأخيرة، إذ على رغم أنهما متصلان في العمق والهدف، إلا أن الفصل بينهما على مستوى الخطاب يطبعهما بطابع "علمي ـ موضوعي"، ونعني بذلك، دراسة كلٍ من المستويين من زاوية نظره ومجال تداوله، أي النظر في الواقع بأعين الواقع، واستبصار الفكر بأعين هذا الأخير، ومما يمكن أن نخلص إليه من هذا القول الآتي: إن القول بأن "المسألة الأمازيغية بين الفكر والواقع"، يعني أن هذه المسألة ذات مستويين في البحث والنظر، أولهما، المستوى الفكري والتاريخي للأمازيغية، أي كل ما يتضمن الإنتاج المعرفي والإرث الثقافي الأمازيغي قبل الإسلام وبعده على جميع الأصعدة، وكذا المسار التاريخي الذي نشطت فيه تارة، وتعرضت للاستبعاد والتحوير والإقصاء تارة أخرى. وثانيهما، المستوى الواقعي والاجتماعي، أي الحياة اليومية للمواطن الأمازيغي خاصة، والمغربي بصفة عامة، الذي يعاني أساساً من مشكل تنموي. وانطلاقاً من هذا الفرق الموضوعي قبل كونه منهجيّاً، يأتي إلحاحنا على ضرورة الفصل بين المستويين، ما يعني، أن يكون المستوى الأول خاصاً بالنخبة. فالمواطن العادي قد لا يفهمك إذا ما بدأت تسرد عليه المسار التاريخي والأحداث التي مرت بها الأمازيغية، ولا النظريات العلمية والمناهج المعرفية في دراسة القضية، بل قد يصغي ويطيل السماع لمن يحدثه عن مشاكله الخاصة التي يعيشها، إذ بذلك سيسايرك الحديث، وهذا هو المستوى الثاني الذي يجب حقاً على السوسيولوجيين خاصة دراسته وإشراك الشريحة العريضة من المواطنين فيه. وإذا سلمنا بكون اللحمة التي تجمع بين أفراد المجتمع المغربي هي الوشيجة الدينية الإسلامية، وكل مس بهذه الوشيجة في نظر غالبية المواطنين هو خروج مرفوض عن حدودها ورغبة في تمزيقها. ورد الفعل الطبيعي هو مباشرة اتهام صاحب القول، وخلق سجالات عقيمة متولدة عن فكرة مسبقة وخاطئة من الأساس، وفي الحقيقة، لا يتم ذلك إلا عند الإعلان مثلاً عن نتيجة دراسة أخذت من الجهد والوقت الشيء الكثير، فيأتي أحدهم ليلخصها في قولة ويبوح بها للجمهور الواسع، الذي قد لا يعلم من القول إلا ظاهره، ولا علم له ببواطن الأشياء. وفي المقابل، ينبغي أن يكون للمهتمين بالقضايا الاجتماعية عامة، وللسوسيولوجيين خاصة، دور مهم في بلورة وإغناء القضايا التي تهم المواطن العادي من تنمية يحتاج إليها، وعلاج تهميش يعاني منه، وصحة وتعليم يفتقر إليهما، إذ أن إشراك المواطن في مثل تلك القضايا، قد يحفزه على العمل، ويُعرّفه بحقوقه المدنية، ويُوطد لديه فكرة أنه مواطن ولا شيء آخر، فبلورة مثل هذا النوع من التفكير، تجد لدى الشريحة الكبرى من المجتمع صدى كبيراً وصدراً رحباً لتقبل الإحصاءات والدراسات التي يقوم بها السوسيولوجيون، من دراسة معدلات الأمية والبطالة وتبيان قلة التجهيزات والمرافق، والتأكيد على ضعف البنيات التحتية وغيرها، وخاصة لدى ساكني القرى والبوادي، ومدى تفشي الأمية لدى أطفالهم لانعدام المدارس أو لقلتها، وغير ذلك مما قد يعيشه المواطن العادي في الحياة الواقعية والاجتماعية. وختاماً نقول، ينبغي ألا يقع، بأي شكل من الأشكال، تكريس أي نوع من التراتبية والهرمية في صفوف الناس، فكل مواطنٍ مواطنٍ له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، ويجب أن يخضع لنفس القانون على اختلاف مستواه، إلا أن الفرق الذي نُقيمه منهجي بالأساس، يُميز اختصاصات كل فرد، فلا يُعقل مثلاً، أن أتجه إلى عيادة طبيب ما، إذا ما احتجت إلى حداد يصنع لي بوابة لمنزلي. وما هذا إلا رغبة منا في بلورة مثل هذه الإشكالات في أذهاننا، وإعادة إحياء فلسفة التساؤل والاستفهام لدينا، حيث نأخذ باللب ونتغافل عن القشور، نتعرف على موقعنا في خريطة التاريخ ومتاهة الحياة ككل، ونستأنس بالمنهج، للسير قدماً، نحو فكر أنقى، ومجتمع أرقى. محمد أوطاهر باحث من المغرب ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©