الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مُراسلات خاصّة بين الأدباء والمُستشرقين

مُراسلات خاصّة بين الأدباء والمُستشرقين
23 يونيو 2010 20:39
يلقي كتاب “الكرمليّ من علماء اللغة في العراق” لعبد العزيز إبراهيم والصادر ضمن سلسلة الموسوعة الثقافية (59) عن دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة العراقية، الضوء على جهود واحد من أبرز علماء اللغة العربيّة المعاصرين، مُستجلياً جوانب متعددة من نشاطه الدائب في خدمة لغة الضاد وانصرافه انصرافاً مُطلقاً إلى إعلاء شأنّها، عادّاً إيّاها أعظم لغة بين لغات الأرض وألـ... لساناً فوق كلّ لسان ولا تُدانيها لسانٌ أخرى من ألسِنَة العالَم جمالاً ولا تركيباً ولا أصولاً... ذلكم هو العَالِم اللغوي الجليل، الأب أنستاس ماري الكرمليّ، المولود في بغداد عام 1866م، والمتوفى فيها عام 1947م، سوى سنوات تنقلّ في أوربة طلباً للعلم خارج العراق.ويُعدّ عالِماً موسوعياً ولغوياً بارعاً وصاحب مُراسلات أدبيّة نادرة وممتازة ومنها كتاب” الرسائل المُتبادَلَة” الذي عُنِي بإعداده المرحومين الباحثين الأخوين كوركيس وميخائيل عوّاد، ود. جليل العطيّة، والمُتضمن الرسائل المُتبادَلَة بين الكرمليّ وبين الأديب المصريّ الراحل أحمد تيمور باشا، وفيه الكثير من المُخاطبات حول أدقِّ أسرار اللغة العربيّة وأصولَها ما يُشير إلى همّة الرجل نحوَ لغته التي أحبها وأُغْرِمَ بها. دراسات وترجمات وافرة كما قدّم أنستاس الكرمليّ عدداً ضخماً من المُصنفّات والمقالات والدراسات والترجمات أشهرها في حقل اللغة العربيّة، كما حقق مخطوطات هي أفضل المصادر المُتاحة قيمةً علميّة وتراثيّة، ونرى كتابه الموسوم” خلاصة في تاريخ بغداد” واحداً من، أهم كتبه التي يُشار غليها في هذا المقام. ولقد كرّس هذا العَالِم الفذ جُلّ حياته الطويلة في طلب العِلْمِ وخدمة الثقافة، فقد أنجز للعربيّة ذخراً لا يُستهانُ به من الكتب والمجلات وأخصّها مجلته ذائعة الصيت” لغة العرب” التي أصدرها عام 1911م فكان بهذا كلّه رائداً مُؤسساً وجديراً بالذكر الطيّب ما كان هناك تلامذة نُجباء يُحيون ذكراه ويشيعون عِلْمه بين النّاس. وأشار مؤلف الكتاب عبدالعزيز إبراهيم في المقدمة إلى سياسة التتريك التي عاشها أيامه التي سار عليها الحكم العثماني، فضلاً عن الجهل والمرض والتخلف، وهذا الثالوث وحده كان يشلّ قدرة هؤلاء عن مقاومتهم. وتحدث عن هذا الصراع، وإصداره لمجلته الرائدة” لغة العرب” التي عبرّت عن انتمائه لأبناء عمومته مُتخذاً منها شمعة تُنير الظُلمة المُنتشرة بين هذه الجموع وما يريد منها الأتراك تبديلاً. وكيف جمع الكرمليّ في خزانته الخاصة الكتب والمخطوطات التي حَوَت علوم شتّى بحُكْم ثقافته اللغوية في لغته العربيّة أو في اللغات التي كان يُحْسِنُ التحدث بها، غربيّة أم شرقيّة. الكرمليّ لغوياً تناول القسم الأول من الكتاب الحديث عن” الكرمليّ لغوياً” الذي بين فيه المؤلف لمكانة الكرمليّ اللغويّة، وهوالمولود لأبّ لبنانيّ وأم بغداديّة، حيث وُلِدَ في” بحر صاف” من أحياء “بكفيا “ في جبل لبنان سنة 1823م، ونزح إلى بغداد سنة 1850م، وتلقى دروسه الابتدائيّة في” مدرسة الآباء الكرمليّين” في بغداد، وأتمّ دراسته الثانوية في مدرسة الاتفاق الكاثوليكيّة فيها وتخرج فيها عام 1882م، ثم عُيِّن مُدرِّساً للغة العربيّة في مدرسة الآباء الكرمليّين. وتحدث إبراهيم في هذا القسم عن مُؤلفات الكرمليّ اللغويّة التي قال عنها الباحث المُحقق الراحل كوركيس عوّاد:” وهذا ثبتٌ إجمالي بآثاره”، وقسمها على تسعة حقول جعل الأول في حقل الـتأليف حيث وزعه إلى مطبوعات عددها ستة كتب منها” أغلاط اللغويين الاقدمين، ونشوء اللغة العربيّة ونموها واكتهالها، ومؤلفات مخطوطة باللغة العربيّة بلغت 33 كتاباً بالعربيّة، وبالفرنسيّة أربعة كتب والإنجليزية كتاب واحد. حقول الإبداع أما الحقل الثاني الذي عرضه مؤلف الكتاب فهو” حقل التحقيق” الذي أظهر له أحد عشر كتاباً منها كتاب” الإكليل” الجزء الثامن للحسن بن أحمد الهمذاني، وجزء من كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، وفي حقل الترجمة ترجم الكرمليّ كتباً عن الفارسيّة والإيطاليّة والإنجليزيّة والفرنسيّة وغيرها ممّا كان مُلِماً بها تسعة وثلاثين مُؤلَفاً مابين كتاب ومقال، ثم هناك” حقل آثاره المُترجمة إلى اللغات الأجنبيّة” الإنجليزية والفرنسيّة والإيطاليّة والألمانيّة والروسيّة وعددها أربع دراسات، والسادس” صحفه ومجلاته” وهي: دار السلام الأسبوعيّة، والعرب، والسابع” آثاره في بعض المطبوعات”، والحقل الثامن من إبداعه” مقالاته وأبحاثه وتعليقاته وخواطره في المجلات”. ولغرض الوقوف عند آراء العلاّّمة الكرمليّ في اللغة ونقده فقد اختار المؤلف محطتين لذلك وهما: المحطة الأولى” من آرائه في اللغة” التي أوضح فيها لآراء الكرمليّ في الدخيل، ووضعه لثمانية شروط للأخذ من لغة أخرى، والمقاربة اللغويّة، والمحطة الثانية عنده تتمثل في” نقد اللغويين القدماء والمُحدثين”، حيث وجّه نقده للقدماء أمثال الأزهري والجوهري وابن منظور صاحب لسان العرب.أما المقارنة اللغويّة فيدعو فيها على دراسة اللغة العربيّة دراسة مقارنة باللغات الحيّة الأخرى. والمحطة الثالثة “مجلسه الأدبيّ ومراسلاته الخاصّة”، حيث لم تكن رحلات العلاّمة الكرمليّ التي تجاوزت الثمانين عاماً خاليّة من مجلس يضمه إلى مَنْ يرى في علمه خيمة يحتمي بها من نقصّ معلومة أو بحث عن أصول مُفردة أو عقد مقارنة لغويّة بين ألفاظ قد تكون قديمة أو حديثة...وحدد مؤلف الكتاب الموضوعات التي كانت تدور في مجلس هذا العلامة فإنّها، تدور في الغالب في شؤون اللغة والأدب والشِعْر والتاريخ والبلدان، وتستغرق أربع ساعات تنتهي عند الساعة الثانيّة عشرة ظهراً، حيث يُقرع ناقوس الطعام داعياً رُهبان الدير جميعاً إلى قاعة الأكل، فينفرط عقد الزائرين. ويذكر العلاّمة في معرض محاضرة ألقاها في المعهد الحديث في مدينة ألسكندريّة عام 1938م وهو يدافع عن العربيّة. أمّ ومفتاح اللغات كما كتب العلاّمة الكرمليّ عن لغتنا العربيّة الجميلة قائلاً: “إنّ اللغة العربيّة أمُّ اللغات أو مفتاحُ اللغات”. وبعد ذلك بفترة زمنيّة اطلع على هذا الرأي أحد الشُبّان الهنود المُثقفين من خريجي كلية اليسوعيين في كلكتا بالهند وكان يُباهي كلّ المُباهاة بالهنديّة الفصحى بـ” السنسكريتيّة” لأنّها أمّ اللغات الآريّة كلّها قاطبّة ولا سيما أمّ اللغتين: اليونانيّة واللاتينيّة”. ثم يصف مجلسه قائلاً:” ومن غريب أمر هذا الشاب المتنور أنّه كان يأبى أن يزورني وأنا في الدير لأسباب لم يبُح لي بها، مع أنّه كان نصرانيّاً... فكنّا نجتمع في المكان القصِيّ عن المدينة وأهلها، وكان ذلك في بغداد، ثم يقول” أظهرتُ له أنّ رأيي حديث بلا شكّ، لكنّه قائم على قواعد، يشير منها أنّ المُستشرقين لايريدون أن يكون بين العربيّة وبين لغاتها أدنى صِلة أو مُجانسة أو مُشابهة. وبخصوص مراسلات الأب أنستانس شار عبدالعزيز إبراهيم إلى مراسلاته الخاصة مع أحمد تيمور باشا، والثاني ما عرض له من مراسلات بينه وبين عدد من المُستشرقين. الكرمليّ مُترجماً لم يكن الكرمليّ عالِماً لغوياً حسب بل تجاوز ذلك إلى الترجمة من اللغات الأخرى فضلاً عمّا قدمه للغة الضّاد من دراسات وتحقيقات أغنت المكتبة المُعاصرة بالزاد الوافر الذي يُشكل نبعاً ثرّاً يستقي منه الباحث والقارىء ما يسدّ حاجته فكان هذا العلامة يُحْسِن إلى جانب لغته الأمّ العربيّة لغات الفرنسيّة، اللاتينيّة، واليونانيّة. لذا نجد القسم الثاني من الكتاب قد أفرد عنواناً خاصاً هو” الكرمليّ مُترجِماً”. ونقرأ فيه أنّ هذا العلاّمة اللغويّ كان يُلم إلى جانب اللغات الثلاثة بطرفٍ من لُغات شرقيّة وغربيّة كثيرة نحو” السريانيّة، العبريّة، الحبشيّة، الصابئيّة، الفارسيّة، التركيّة، الإنجليزيّة، الإيطاليّة، والأسبانية”، وإنّ هذه المعرفة اللغويّة قد وظفها لخدمة اللغة العربيّة ترجمةً ما ينيف عن الثلاثين عملاً فضلاً عن الرسائل الكثيرة التي دبجّها يراعه لسنين طويلات من عُمره في الإبداع اللغويّ والحفاظ على لُغة العرب من الطمسّ والاندثار بعد هاتيك السنين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©