السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا... والبحث عن هوية جديدة

18 نوفمبر 2009 21:54
في الوقت الذي أحيت فيه روسيا يوم الجمعة الماضي ذكرى السجناء السياسيين، قام الرئيس ميدفيديف بوضع شريط فيديو على مدونته يندد فيها بجرائم "جوزيف ستالين" ويناشد الأمة بعدم نسيان القمع السياسي لتلك الحقبة القاتمة من التاريخ الروسي، أو تجاهل ضحاياها. ففي شريطه وصف "ميدفيديف" القمع الذي مارسه ستالين بأنه "أحد أكبر المآسي في التاريخ الروسي"، وعبر عن قلقه من أنه "حتى اليوم يمكننا السماع من بعض الأشخاص أن هؤلاء الضحايا كان دمهم مبرراً بسبب الأهداف العليا للدولة"، قائلا "لا يمكن للتنمية في أي بلد، ولا لنجاحاتها وطموحاتها أن تقام على حساب الألم والخسارة البشرية"، واللافت أن تصريحه الذي نقله التلفزيون الوطني يتعارض تماماً مع الخطاب الرسمي الذي كان سائداً في العقد الماضي. ومع أن تصريح "مدفيديف" يبدو راديكالياً في نبرته المناهضة لجرائم الماضي والساعية إلى القطع مع حقبة مؤلمة من التاريخ الروسي، يشكك العديد من المراقبين والروس في كلمات "ميدفيديف" وقدرتها على تغيير الواقع الروسي، لا سيما وأن الكثير من المؤشرات تذهب إلى أن استعادة موروث ستالين والتحدث عن مرحلته بشكل إيجابي آخذة في التزايد بين الروس. فمن الخطأ الاعتقاد بأن خطب القادة الروس بمن فيهم الرئيس المستنكرة لجرائم ستالين والداعية إلى تجاوز تلك المرحلة يحظى بإجماع واسع لدى الرأي العام الروسي، وبأن الروس جميعاً أداروا ظهورهم وإلى الأبد إلى الاتحاد السوفييتي ولم يعودوا مشدودين بنوع من الإعجاب بستالين، فالواقع يقول إن النظرة إلى ستالين مازالت تخالطها آراء متضاربة، وهو التضارب الذي يعكس رغبة روسيا في إعادة تشكيل نفسها كأمة حديثة. فمن جهة هناك دلائل تشير إلى وجود مشاعر إيجابية تجاه ستالين، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك إضافة أبيات في قصيدة كانت قد أزيلت في السابق لتعلق على محطة "كورسكايا" بموسكو؛ وتقول تلك الأبيات التي أضيفت "لقد ربانا ستالين وألهمنا لنتعلم الولاء إلى الشعب وإلى العمل وإلى الأعمال البطولية"، وهي أبيات كانت قد حذفت من القصيدة في الخمسينيات على يد الرئيس "نيكيتا خروتشوف" الذي شن حملة شرسة لمحو آثار ستالين من السياسة العامة في الاتحاد السوفييتي، لكنها أعيدت مرة أخرى عندما جددت المحطة. والمثال الآخر على استمرار شبح ستالين مخيماً على العقول هو المتابعة القضائية لمؤرخ روسي بتهمة ملفقة تتعلق بانتهاك الخصوصية بسبب بحثه في الأرشيف الوطني وكشفه لما تعرضت له الإثنية الألمانية في بعض المناطق الروسية من ترحيل على يد ستالين وقتلها من قبل جنوده. وفي شهر ديسمبر الماضي احتل ستالين المرتبة الثالثة في استطلاع للرأي أجرته محطة تلفزيونية حول الشخصيات العظيمة في التاريخ الروسي، واللافت هو ما راج من إشاعات تقول بأن ستالين احتل في الحقيقة المرتبة الأولى لكن تم التلاعب بنتيجة استطلاع الرأي حتى يتم إخفاء المزاج الحقيقي للروس؛ لكن مع ذلك لا أحد ينكر الإرهاب الذي وصل أوجه في عصر ستالين. ففي استطلاع للرأي نظمته وكالة "ليفادا" في العام 2007 اعتبر 72 في المائة من المستجوبين أن ما قام به ستالين في العامين 1937 و1938 "جرائم سياسية لم تكن مبررة". ورغم خلو اليوم الذي اختارته روسيا لإحياء ذكرى ضحايا ستالين والذي بدأ منذ العام 1991 من أي احتفال رسمي على الصعيد الوطني، إلا أن المناسبة لم تمر دون قراءة أسماء الضحايا في مبنى "كي جي بي" سابقاً وذلك على مدى اثنتي عشرة ساعة متتابعة، بمشاركة تطوعية من المواطنين والمهتمين. وفي هذا الإطار أيضاً التقى رئيس الوزراء، فلاديمير بوتين، بأرملة الكاتب الروسي المعروف "ألكسندر سولجنستين" لتدريس كتابه "أرخبيل الجولاج" في المدارس بعدما كان ممنوعاً خلال الحقبة السوفييتية. والحقيقة أن التصورات السائدة حول ستالين والجرائم التي ارتكبها نظامه مرتبطة بطبيعة الدولة الروسية ومفهومها أكثر من ارتباطها بالرجل ذاته الذي تنسب إليه العديد من الفظاعات. فالروس عامة يتشبثون بصورة ستالين الذي يجسد الدولة العظمى ولا يمكن فصله أبداً عن الانتصار الكبير الذي حققه الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية، ويعني ذلك أنه رغم القمع والاضطهاد اللذين مورسا على الإنسان الروسي والقسوة الشديدة التي تعاملت بها الدولة مع مواطنيها، إلا أنها تبقى الأداة التي بها تحقق النصر في الحرب العالمية الثانية. ومع أن صورة القادة القمعيين اختفت من الحياة السياسية الروسية لتحل محلها نخبة لا تهمها سوى خدمة مصالحها الخاصة يبقى نموذج الدولة القومية والمهيمنة والشعب العاجز والمستكين مقبولة على نطاق واسع بين الروس. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
المصدر: موسكو
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©