السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاولة اجتهاد.. لفضح أدعياء الجهاد!

9 أغسطس 2016 23:34
كلما تصفحت مواقع التواصل، ازددت يأساً من الوضع العربي، وازددت يقيناً بأنها مواقع للتفاصل، وشعرت بأن مستقبل هذه الأمة وهم شبابها معتم ومظلم، وظلمات بعضها فوق بعض حتى إذا أخرج المرء يده لم يكد يراها. فأكثر الحسابات والصفحات شهرة ومتابعة هي تلك التي تصرخ بالحقد والطائفية والكراهية. والفتيات على هذه المواقع أكثر تطرفاً وغباء من الشباب. وما يسمونه «البوستات» أو التغريدات أو أي اسم تبدو متضادة رغم أن صاحبها واحد، فمرة تجد حديثاً شريفاً أو دعوة إلى الاستغفار ألف مرة. وبعد ثوان تجد كلاماً إباحياً وصوراً قذرة ودعوات إلى الرذيلة. وفي الحالتين المتناقضتين تجد تعليقات الإعجاب والتشجيع. والمراهقون والمراهقات هم الذين يسيطرون على الفضاء الإلكتروني. وهم الذين يدعمون الطائفية والإرهاب بالحماقة والغباء ويحققون المثل العامي المصري الشهير (يعملوها الصغار ويقع فيها الكبار).. وكل مصائب الأمة وكوارثها من صنع الصغار الذين سيطروا على كل المشاهد سواء صغار السن أو صغار العقل أو صغار القيمة. الصغار يشعلون الحرائق ويلعبون بالنار والكبار وقليل ما هم أصابهم اليأس من إمكانية إطفاء تلك الحرائق، فما إن تخمد النار في مكان حتى تشتعل في آخر، والتطرف العربي يشربه الجميع حتى الثمالة. والإرهاب العربي بلغ النخاع ويجري منا مجرى الدم. والدين تم توظيفه لخدمة العنف والتطرف والإرهاب. بينما ينبغي أن يكون كل شيء في خدمة الدين، حتى العنف والغضب والانفعال يجب أن يكون كل ذلك في الله ولله. لكن العربة في أمتنا أمام الحصان فصار الدين هو الذي يخدم الكراهية والحقد والإرهاب ومرض القلوب، الدين يخدم الأهواء ويتبعها وليست الأهواء هي التي تخدم الدين وتتبعه.. الهوى هو الإله المعبود الآن (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ...)، «سورة الجاثية: الآية 23».. الهوى هو الذي يجعلنا ننتقى من الدين ما يعجبنا ويخدم هوانا ونتجاهل ما يضاد هذا الهوى، تماماً كالذين جعلوا الكتاب قراطيس يظهرون بعضها ويخفون البعض الآخر.. تماماً مثل أهل النسيء الذين كانوا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً على هواهم ليوافقوا عدة ما حرم الله. والمذاهب والأحزاب والطوائف والجماعات والتنظيمات في أمتنا كلها هوى.. كما أن الفتاوى والآراء والأفكار والمقترحات هوى.. الهوى في أمتنا مبصر والعقل والقلب أعميان.. وفي القرآن الكريم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)، «سورة الفرقان: الآية 23»، وفيه أيضاً: ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا).. حتى الأعمال الطيبة أو التي تبدو طيبة تذهب سدى لأنها لوجه الهوى لا لوجه الله عز وجل.. وتقول العرب: «خير الزهد إخفاء الزهد»، وليس زاهداً من أظهر للناس زهده، وليس متديناً من أظهر للناس تدينه. والمنافقون في الدرك الأسفل من النار لأنهم أهل الهوى. والمنافقون داء هذه الأمّة وشرها المستطير، وهم السوس الذي ينخر في جسدها، وهذه الأمّة تفردت دون الأمم السابقة بفيروس النفاق، ولعله ابتلاء من الله عز وجل.. فأقوام جميع الرسل والأنبياء كانوا دائماً فريقين. فريق المؤمنين وفريق الكفار، أما فريق المنافقين فقد تفردت به أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام. والله عز وجل لم يأمر بقتال المنافقين وقتلهم بل تكفل وحده بحسابهم يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. وهذه الرؤية الضبابية، وهؤلاء الذين يقول ظاهرهم تقوى وينضح باطنهم حقداً وكراهية ورذيلة. هذا الظلام الدامس أسقط تماماً في زعمي جهاد القتال. فقد كان الأمر بالقتال للرسول وصحابته والخلفاء الراشدين عندما كانت الأمور واضحة لا لبس فيها وكان هناك فريقان يتواجهان: فريق المؤمنين وفريق الكفار والمشركين. لكن منذ الفتنة الكبرى على عهد سيدنا عثمان بن عفان حتى نهاية خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. اختلطت الأمور وألبسنا الله تعالى شيعاً وأحزاباً وأذاق بعضنا بأس بعض. ولم يعد أحد يعرف الفئة الباغية من الفئة المهتدية. لم تعد هناك علامات كتلك التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عن عمار بن ياسر: «وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ». وانتظر كثيرون موقف عمار بن ياسر ليحددوا إلى أي الفئتين ينضمون، فلما التحق عمار بجيش علي حسم هؤلاء أمرهم ولحقوا به وعرفوا الفئة الباغية. لا أحد يمكنه أن يحدد الآن الفئة الباغية، ولا أحد يمكنه أن يحدد الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين. فالمسألة لم تعد فئتين ولا طائفتين، ولكنها صارت آلاف الفئات والطوائف والمنظمات والتنظيمات.. وكلها هالكة لأن الفرقة الناجية الوحيدة هي التي ليست فرقة ولا طائفة ولا تنظيماً ولا جماعة ولا حركة. الفرقة الناجية هي بإذن الله أنت وأنا وهي. هم العامة الذين اعتزلوا الفتنة العربية الكبرى، وهي فتنة يكون القاعد فيها في بيته خيراً من الساعي. وقد خلط الإرهابيون خلطاً غبياً بين الجهاد والقتال.. وشتان بينهما.. فالقتال الآن لم يعد جهاداً ولا علاقة له بالجهاد مهما رفع لافتات الإسلام ولبس ثيابه، لأن الأمور لم تعد كما كانت فريقين، فريق المؤمنين وفريق الكفرة، بل إن العالم كله اليوم لا يوجد به مؤمنون ولا يوجد به كفرة، ولكن يوجد به ملايين الفرق من المنافقين باسم أي شيء.. باسم الدين.. باسم الديموقراطية.. باسم الحرية وحقوق الإنسان وباسم العلمانية.. وقد تفرقت السبل.. فلا أحد يستطيع أن يحدد أو يقطع بأن هذه أو تلك سبيل الله، والجهاد القتالي لا بد أن يكون في سبيل الله، ولا بد أن يكون قتالاً للكفار والمشركين. فمن يستطيع في هذه العتمة النفاقية، وهذه الفتنة الكبرى أن يحدد سبيل الله، وأن يحدد فئة الكفار والمشركين؟ - لا أحد - لذلك سقط القتال تماماً إلا في سبيل عرض أو أرض أو وطن، لأن هذه أمور واضحة وضوح الشمس، أما القول بأن فريقاً من المؤمنين يقاتل فريق الكفار أو المرتدين، فهو قول الذين يزكون أنفسهم على الله. لكن القول الصحيح أن المواجهة بين منافقين. وهذه مواجهة لا يجوز فيها القتال لأن المنافقين لم يرد أمر من الله عز وجل بقتالهم وقتلهم. وكل المنافقين يهتفون: «الله أكبر» وهم يتقاتلون وكل الإرهابيين المنافقين يحملون أسماء دينية ويرفعون لافتات إسلامية مثل «أنصار الله وحزب الله.. وفيلق القدس، وعصائب أهل الحق، والدولة الإسلامية، وأنصار بيت المقدس». ولم يبق إلى يوم القيامة سوى جهاد واحد هو جهاد النفس أو الجهاد الأكبر وهو الجهاد الذي انهزم فيه الجميع وولوا الدبر.. وشيوع الإرهاب والنفاق أكبر دليل على هزيمة العرب في الجهاد الأكبر. جهاد النفس وجهاد السعي والمشي في مناكب الأرض وجهاد العمل وجهاد الكلمة الصادقة الأمينة وجهاد رفض الجميع، نبذ كل الفرق الهالكة، كل فرق النفاق والإرهاب، أما جهاد القتال فقد مضى زمانه، لأن أحداً لا يعرف ملة ولا قلب ولا توجه من يقاتله، ولأن أحداً لا يعرف سبيل الله من سبيل الشيطان والطاغوت، والأمر بالقتال كان فقط للرسول وأصحابه والخلفاء الراشدين المهديين من بعده لأن سبيل الله كانت واضحة يحددها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولأن فريق المؤمنين كان واضحاً وفريق الكفار كان معروفاً.. إنها مجرد محاولة اجتهاد لفضح أدعياء الجهاد! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©