السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أفلام وثائقية في مهرجان الخليج السينمائي تقتفي مسارات المنفى ودراما الوجود

أفلام وثائقية في مهرجان الخليج السينمائي تقتفي مسارات المنفى ودراما الوجود
15 ابريل 2013 13:26
إبراهيم الملا (دبي) ـ تواصلت ولليوم الثاني من فعاليات الدورة السادسة لمهرجان الخليج السينمائي المقام بمركز الفيستفال سيتي بدبي، عروض الأفلام القصيرة التي جمعت بين الأعمال الروائية والأخرى الوثائقية التي أنتجها سينمائيون من دول الخليج ومن دول المهجر، خصوصاً المنحدرين من أصول عراقية، والذين أجبرتهم مكابدات الحرب ومتواليات القمع والكبت، إلى تصدير أحلامهم المؤجلة، واستحضار ما تبقى من ذاكرات بعيدة وممزقة، وتوثيقها على أشرطة بصرية مسكونة بالتوق، كما بالشجن، وبالآمال العالية، كما بالانكسارات العصيّة على التلاشي والانمحاء. حقبة مشؤومة ولعل في الشريط الوثائقي بعنوان “كنت هناك، في بغداد” الذي قدمه المخرج العراقي المقيم في إيطاليا عرفان رشيد الكثير من هذا الوجع المستتر في ثنايا الصورة وفي شتات المخيلة المكسوة بضبابها وأدخنتها اللاسعة. وفي المدونة الخاصة بالفيلم يقول عرفان رشيد: “سألت الشاعر الإسباني رافائيل ألبيرتي عن المنفى، فأجاب: في لحظة ما من حياتك، يتحوّل المنفى وبشكل غرائبي إلى وحش دموي يحاول اقتلاع جذورك من داخلك، بمقدورك الصمود إذا ما اقتنعت حقا بأنك ما تزال هناك في وطنك”، وانطلاقاً من هذه المقولة المروّعة والتحريضية أيضاً للشاعر الإسباني، تحلّق الانتباهات الحارّة للمخرج نحو الذاكرة المندسة في تلافيف طفولة غضة عاشها المخرج في شوارع بغداد الفاتنة، ووسط يفاعة مبكرة ومنفتحة على الأفكار الثورية ضد الديكتاتورية والراديكالية السياسية إبّان الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عندما كانت بغداد ترفل بنعومة التغيير نظريا، ولكن الانقلابات المتتالية المتوجة بتصدر حزب البعث للمشهد السياسي، حوّل النظريات الحالمة إلى كوابيس وأشلاء وجثث معروضة في متحف الرعب السياسي، وموجهة كرسائل دموية لكل المعارضين الذين لم يتقاطع منهجهم الفكري مع التبدلات الوحشية لقيادة حزب البعث في العراق. ويستعيد المخرج تلك اللحظة الفارقة وتلك العناية الإلهية التي جعلته ورفاقه ينجون من مذبحة أكيدة، عندما قرر أحد الضباط المنضوين للبعث أن يرفع فوهة مدفع الدبابة الموجهة ضد المتظاهرين نحو الأعلى، بعد أن بدأ الجندي المكلّف بإطلاق النار عشوائيا على المحتجين والباحثين عن حقيقة مقتل عبدالكريم قاسم. ويعرج الفيلم على لحظات مأساوية لأمهات فقدن أبنائهن في تلك الحقبة الدامية، دون أن يجرؤ أحد على إخبارهن بالحقيقة، إبقاء على أمل نابض، وإسكاتا لويلات حبيسة لا يريد المقربون من الأمهات تمكينها من إفساد حيز الرجاء الباقي في أعمارهن القليلة والموشكة أصلاً على الذبول. يستعين المخرج بكم كبير من الصور الأرشيفية واللقطات التلفزيونية القديمة لأحداث من تلك الحقبة المشؤومة في كل من العراق وتشيلي والأرجنتين، التي شاءت الصدفة المريرة أن تتشابه ظروفها السياسات التعسفية فيها، وأن تتقاطع عذابات شعوبها، التي استطاعت في النهاية أن تشفى من داء الديكتاتورية البغيضة التي ورثها أمثال الطاغية بينوشيه في تشيللي، وأن تتكيف وتروض أحزانها من أجل غد جديد لجيل متعاف فكريا وأيديولوجيا، وهو الأمل الذي ظل فيلم عرفان رشيد يطرق أبوابه الموصدة حتى الآن في العراق، كي يعود هواء الحرية فائحا في بلد ابتلى بما يكفي من تمزقات شرسة وحروب عبثية ما زال رمادها مشتعلا في هواجس العراقيين وفي أرواحهم الباحثة عن خلاص. عالم الإدمان وفي فيلم وثائقي آخر بعنوان: “تذكارات من أرض الحلوى”، تقودنا المخرجة الإماراتية الشابة أماني العويس في باكورة أعمالها التسجيلية إلى دهاليز وخبايا عالم الإدمان على المخدرات وهوس الانجذاب المدمر والطاغي على طيف واسع من الشباب في المنطقة وفي دول العالم، ويقتفي الفيلم أثر الإعلان المقلق الذي نشرته وكالات الأنباء المحلية، وتجارب الناس الخاصة، التي تشير إلى أن دولة الإمارات تشهد ميولاً متزايدة من قبل الشباب نحو استخدام مواد مخدرة وعقاقير مغيبة للعقل، تجعل هؤلاء الشباب ضحايا لدائرة مفرغة ومهلكة من الإدمان المؤثر سلبياً على طاقاتهم الإنتاجية واندماجهم السوي في المجتمع، وعاب على الفيلم استعانة المخرجة بالعديد من اللقطات الشهيرة في الأفلام الأميركية وأفلام الأنيميشن الذائعة، التي تتضمن حوارات وإشارات متعلقة بالإدمان على العقاقير المحرمة، وكيف أن هذه التجارة السوداء والتي تديرها المافيا والعصابات السرية حول العالم أصبحت تدر المليارات على المشتغلين في سوقها الرائج والخفي في ذات الوقت، وكل ذلك على حساب مليارات أخرى تدفعها الدول لعلاج المدمنين وتخليصهم من أزمتهم المدوّخة، ولم تحاول المخرجة أن تناقش القضية من الداخل من خلال لقاءات مباشرة مع ضحايا الإدمان في الدولة، واستعاضت بذلك بلقاء وحيد مع أحد المسؤولين في شعبة مكافحة المخدرات، حيث يمكن لهذه اللقاءات المباشرة أن تمنح زخماً مشهدياً وتوثيقياً أكثر تأثيراً وتواصلاً مع مسببات ودوافع وتبعات القضية المطروحة في الفيلم. الحياة والموت وفي فيلم «سيلويت» يتخذ المخرج العراقي الكردي كاميران بيتاسي منحى جمالياً مستقلاً مقارنة بالفيلمين السابقين، حيث يتكئ على ثيمة (الموت) كمنصة للقفز فوق مشهدياته القاحلة واقتحام الحياة من جانبها الأكثر إشراقاً وتجدداً، ويتتبع الفيلم حكاية رجل منهك عاطفياً، وهو يخرج من بيته وأصوات طفله الرضيع تطارده نحو مجهول معتم، ووسط بيئة جبلية قاسية، تخيم عليها كآبة الخريف، وظلال الخرائب الروحية المنعكسة على كل زاوية ومعبر، يلاحق الرجل مجموعة من الرجال يحملون نعشاً باتجاه المقبرة، وهناك وسط النشيج الطاعن في الضلوع، يتحدث الموت بصمت مضاعف وحاد وكأنه يتحالف مع الخريف في عزف سيمفونية داكنة وجياشة مثل نهر من المسامير، ولكن مع انحسار اللون الرمادي للفيلم، وتوافد البقع الخضراء والملونة على استحياء في هوامش الكادرات البصرية المعتنى بها جيداً، نرى الرجل وهو يعاين التابوت الخشبي بعد مغادرة أقارب الميت، ويحمل التابوت معه إلى معمله النائي ليحوّله إلى مهد ويقدمه لزوجته كي تهدهد فيها طفلها الرضيع وتخفف من صراخه المتواصل، في إشارة ذكية من المخرج إلى أن مواد ومكونات الموت يمكن إعادة إنتاجها لتذكير البشر بأهمية وجودهم وسط دراما متلاطمة لا يمكن أن تظل أسيرة وللأبد لشرط الحزن الداكن ولسطوة المراثي المعيقة لبهجة الحياة واستمراريتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©