السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
15 نوفمبر 2009 00:00
جوهانا هواري مديرة المركز المهني للوساطة - لبنان سألني صديق وهو يضحك في أحد الأيام: "كيف يستطيع اللبنانيون تناول الطبق الرئيسي بعد تناول هذا الحجم الهائل من المقبّلات اللبنانية المعروفة بالمازة، والتي تحتل حيزاً كبيراً على طاولة الطعام؟"،أجبْته فوراً وبدون تفكير تقريباً: "نحن نادراً ما نصل إلى الطبق الرئيسي". كانت هذه القصة أساساً لتفكير أكثر شمولية وعمقا حول سيكولوجية الإنسان اللبناني. فالمجتمعات المحلية المختلفة تتنوع تماماً مثل "المازة" إلى درجة أنها عندما تجتمع لا تصل أبداً إلى القضايا الحقيقية. إذ يجري عادة تأجيل المشاكل الحقيقية، نتيجة لضياعنا في خضمّ قضايا الجدود والذكريات الحلوة أو المرّة، ويقتصر تعاملنا فقط على تلك القضايا القابعة أمامنا مباشرة. ومن هذا المنطلق جاء دور مركز الوساطة المهني بجامعة القديس يوسف في بيروت، سعياً للابتعاد عن هذا الأسلوب السائد، ومن خلال دوره المكافئ لدور "المراقب الداخلي الأكاديمي" الذي يعمل كمركز خاص يمكن لأي مواطن أن يذهب إليه للتوسط في نزاع ما، وبكيفية تجعله يتعامل مع المشاكل الآنيّة. وكان المركز قد تأسس بالجامعة عام 2006، وقد خرّجت الجامعة التي تأسست 1875 العديد من القادة السياسيين منذ استقلال لبنان عام 1943 وحتى يومنا هذا، بمن فيهم العديد من رؤساء الجمهورية مثل إميل إدّة وبشارة الخوري وكميل شمعون وشارل الحلو. وتضمّ الجامعة طلبة يمثلون تنوع اللوحة اللبنانية من مختلف الطوائف والمذاهب. وقد يصبح بعض الطلبة الحاليين الشباب في يوم من الأيام قادة تكون مهمتهم إدارة سياسات الدولة وتشجيع التناغم بين أجزائها وتجمّعاتها الانتخابية. ويوفّر المركز، بصفته مركزاً مستقلاً تدريباً على أعمال التوسط لعاملين من كافة مناحي الحياة في لبنان. وخلال بضع سنوات تولى تدريب ما يزيد على سبعين وسيطاً من كافة الخلفيات والطوائف، من المحامين والأطباء والمهندسين من الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم من 25 - 77 سنة. وقد سجّل هؤلاء الوسطاء طوعاً في المركز ووافقوا على الالتزام بقوانينه وأخلاقياته التي صُممت لخدمة جميع اللبنانيين. كما تم تنفيذ مشروع في التوسّط لخمسة وسبعين لبنانياً شاباً في خمس محافظات ريفية. وقد أتى المشاركون من طوائف السنة والشيعة والموارنة. ويهدف البرنامج الذي يحظى بدعم مالي أوروبي إلى مساعدة هؤلاء الشباب ليصبحوا وسطاء في نزاعاتهم وفي قراهم وفي حياتهم اليومية، وأن يتوقفوا عن النظر إلى الآخر من خلال عدسة الانتماء العرقي أو الديني. ومن حيث الممارسة يتم العمل من خلال جلسات التوسط التي تكون فيها للمشاركين الشباب بيئة حيادية سرّية للتعبير عن أنفسهم بحريّة. ويتم الإصغاء لهم، من خلال معاملتهم بمساواة، دون إجحاف أو تحامل، وفهمهم دون الحكم عليهم بأحكام مسبقة، ويجري احترام آرائهم. وفي هذا المضمون يبدأ أعضاء في المجتمعات المختلفة مشاهدة سلوك مشترك وأهداف مشتركة، مثل الانتماء لنفس البلد ونفس الأمة. إن لدينا قناعة تامة بضرورة شن حرب على ثقافة الحرب في لبنان. وكما كتب فكتور هوغو مرة: "الحرب حرب الرجال، والسلام حرب الأفكار والآراء". وهل هناك ما هو أكثر نبلاً من وضع شخصين وجهاً لوجه، ليس لكي يتحاربا ويتنابذا، وإنما لتحقيق السلام والتعاون فيما بينهما؟ وعلى رغم أن مفهوم المراقب الداخلي يبقى حديثاً نسبياً في لبنان، لاشك أن الممارسة المُمأسسة للتوسط داخل المجتمعات ستشهد تطوراً مهماً في السنوات المقبلة، في لبنان وفي الشرق الأوسط الأكثر اتساعاً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كومون جراوند"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©