الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عقدة النقص» تولد الضغينة بين الأزواج

«عقدة النقص» تولد الضغينة بين الأزواج
20 يونيو 2010 21:43
لم يحظ موضوع أو ظاهرة اجتماعية أو حياتية بالاهتمام والتناول بالكتابة والبحث والتحليل مثلما حظيت “العلاقة الزوجية”، وما يكتنفها من تباين للثقافات والاختلافات الفكرية والثقافية والمجتمعية، ورغم ذلك فإننا نستشعر في أوقات كثيرة الحاجة إلى تناول علمي وموضوعي دقيق يستند إلى فهم عميق وعلمي لحقيقة النفس البشرية وطبائع الناس، وسيكولوجية كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية. حظيت مؤخراً بقراءة واحدة من أروع المعالجات أو الكتابات التي تتناول مفهوم العلاقة الزوجية من منظور مختلف يستند إلى رؤية ومرجعية علمية وسيكولوجية جديرة بالتوقف عندها، في كتاب “الوجه الآخر للحب في الحياة الزوجية” للدكتور طارق عبد الله درويش، استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس، والمدير الطبي بجناح العلوم السلوكية “الطب النفسي سابقاً” في مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي. وكان الحوار في الجزءين السابقين عن “صراع الطبائع”، و”الغيرة والتبديل” في الحياة الزوجية. وفي هذا الجزء نتناول “عقدة الإحساس بالنقص”. يقول الدكتور طارق درويش: “إن التقارب في المستوى الاجتماعي من الأمور الهامة لحدوث التوافق في الحياة الزوجية، فما الذي يمكن أن يحدث إذا تم الزواج بين شخصين مختلفين في مستواهما الاجتماعي؟ هناك نموذج آخر يوضح مدى أهمية هذا التقارب، وما هي المشاكل التي يمكن أن تحدث إذا حدث ارتباط من هذا النوع؟ .. يدعونا الدكتور درويش لمتابعة هذه الواقعة: “فتاة ميسورة الحال ذات عائلة عريقة، أحبت شاباً من أسرة بسيطة تعيش في إحدى القرى الريفية، أتى إلى المدينة ليتعلم ويحصل على الشهادة الجامعية، أحبت الفتاة هذا الشاب، أحبت فيه حديثه، طموحه، سمرته، قوة بنيته، نظراته الثابتة وصوته الهادئ الرخيم، كما أحبها هو، وكيف لا وهي فتاة الصف المدللة، الأكثر جمالاً وأناقة ورقياً، فكل ما فيها ينبض بالحيوية ويشع بريقاً من الجاذبية يلفت أنظار الجميع إليها، كان يلاحظها من بعيد، يرمقها بإعجاب كما كان يفعل غيره، وهذا هو ما كان يملك أن يشعر به تجاهها، الإعجاب فقط، والإعجاب فقط، فهو إنسان واقعي ويعلم أنه لا ينبغي أن يسمح لنفسه أكثر من ذلك، ولكنه لاحظ أنها تعامله بأسلوب مختلف، ولم يع الأمر في البداية، لكن مع مرور الوقت تأكد له أنها تخصه دون الآخرين باهتمام متزايد، وأنه ربما تكن له بعض الإعجاب، عندئذ بدأت أفكار كثيرة تتلاحق في ذهنه، ومشاعر متضاربة تتملكه وحيرة تسيطر عليه، فهل لتلك الجوهرة الثمينة التي طالما تطلع إليها في صمت العاجزين أن تكون معجبة به، وهل له أن يصل إليها يوماً ويقتنيها، وبدأ الأمل ينمو بداخله شيئاً فشيئاً للارتباط بها، وإذا بالإعجاب يتحول إلى تعلق شديد، وأصبحت تسيطر على فكره وخياله، ولمح لها عن إعجابه بها، وبادلته هي الأخرى مشاعره بتلقائية وبساطة وصدق، وبدأت العلاقة بينهما”. الفارق الكبير ويكمل القصة: “كانت تلك العلاقة مثار دهشة واستغراب كل من يعرفهما فلا يوجد أي شكل من أشكال التقارب بينهما، فالفارق الاجتماعي والمادي بينهما كبير، كما أنها تملك كل المميزات التي تتمناها من هي في عمرها، ويتمناها كل شاب في شريكة حياته، بينما يفتقد هو لكثير من المميزات التي يحتاجها الشباب في عمره، والتي تتمناها أي فتاة في الشاب الذي سوف ترتبط به، وكان يصل إلى مسامعه بعض التلميحات التي تحمل هذا المعنى، ويرى نظرات الاستغراب أحياناً والسخرية أحياناً أخرى، كانت تؤلمه كثيراً ولكنها بالطبع لم تثنه عن الاستمرار في علاقته حتى تم الزواج ضد رغبة الوالد الذي نصحها مراراً وتكراراً أنه زواج غير متكافئ، ولكنها أبدت تصميماً وثباتاً على رغبتها في الارتباط به، كما أن الأم لم تكن مقتنعة تماماً ولكنها كانت تريد أن تسعد بسعادة ابنتها، وتحمل الوالد تكاليف الزواج كاملة برحابة صدر، فما دام الأمر قد انتهى وأصبح هذا الإنسان زوجاً لابنته، إذن فهو بمثابة ابن آخر له، وتم الزواج، وأقبلت هي عليه برغبة صادقة في أن تكون زوجة وفية مخلصة، تسعى لإسعاد شريك حياتها وتملأ بيتها بالمودة والحب، فهي ترى الزواج ذاك الرباط الأبدي الذي يسعى فيه كل طرف لإسعاد الطرف الآخر، ولا ينبغي لهذا الرباط أن ينكسر تحت أي ظرف من الظروف، كما وعدها هو بأن يمنحها السعادة وكان صادقاً في ذلك. لكن بمرور الأيام بدأت تلاحظ بعض الأمور التي لم تستطع تفسيرها، فهو شديد الحساسية لما يقوله أي من أفراد أسرتها، يبدو عليه عدم الراحة والتململ في وجودهم بالرغم من حبهم الصادق له ومراعاة مشاعره ومحاولة إرضائه بشتى الوسائل، كما أنه بدأ ينتقد صديقاتها الواحدة تلو الأخرى ويعبر عن استيائه من ارتباطها بهن، معللاً أنهن يستنفدن من وقتها ما يجب أن توفره لبيتها وزوجها، وبدأ ينعتهن بصفات ليست فيهن، ليقلل من ارتباطها بهن، كما بدأ ينتقد أسلوبها في الحوار خلال لقاءاتهن مع الأصدقاء، فلا ينبعي أن تكون تلقائية إلى هذا الحد، وكان دائماً ما يبرر هذا الأمر بقوله إنها شديدة البراءة وليس لديها القدرة الكافية على فهم الناس”. انتقادات هكذا صار انتقاده لها يتزايد على كل صغيرة وكبيرة، وكانت تستقبل تلك الانتقادات في البداية على أنها نصائح ممن هو أعلم منها وأكثر منها خبرة، ولكنها حين زادت عن حدها، أصبحت تضيق بها، فهي تشعرها بأنه غير راض عن كل ما تفعله، وأنه غير مقتنع بتصرفاتها ككل، ولأنها بعد الزواج أصبح أهم أهداف حياتها هو إرضاء زوجها، كان عدم رضاه يؤكد فشلها وإحساسها بالعجز عن تحقيق أحد أهدافها الأساسية، حتى باتت وكأنها تستجدي منه كلمات الثناء، وهذا ما كان يضن به عليها، مما أفقدها ثقتها بنفسها شيئاً فشيئاً، وإذا بالبسمة تفارق شفتيها، وتطول معها لحظات التأمل والصمت، وبدأت بالفعل تتشكك في قدراتها وإمكاناتها.. لم يكن يزيل عنها تلك الشكوك إلا تلك النظرات وكلمات الإعجاب الرقيقة التي تصل إلى مسامعها في بعض المناسبات العائلية حيث يكون هناك تجمع كبير من المعارف والأصدقاء، كانت تعود لطبيعتها الأصلية، تشعر بالانطلاق والحيوية تدب فيها من جديد، وتبدو جذابة كما كانت وتنال إعجاب الحاضرين، فإذا به يبدو متوتراً وعصبياً، متململاً يريد ترك المكان، ودائماً ما يثير مشكلة معها في طريق العودة، بدون سبب واضح، وينعتها بصفات ليست فيها كالسلبية أو التفاهة أو السطحية أو غير ذلك من الصفات، ويظل في هجومه عليها حتى تختفي ملامح السعادة التي في عينيها وتعود إلى وجومها وصمتها، حينئذ يهدأ هو ويكف. فهو لا يبدو سعيداً إلا بين أفراد عائلته وعدد قليل من أصدقائه المقربين، وإن كان لا مانع أيضاً من انتقادها أمامهم من حين لآخر على تقصير في بعض الأعمال المنزلية أو عدم اهتمام كاف بالأولاد، كما أن أي صفة غير محببة في أولادهما إنما يعزوها أنها موروثة من أسرتها، نصحتها بعض صديقاتها بالعمل، فهي أمامها فرص للعمل جيدة للغاية، ولكن قوبل هذا الاقتراح برفض شديد، متعللاً أنه رجل غيور ولا يسمح لزوجته بالاختلاط مع الآخرين في العمل، وبدأت شيئاً فشيئاً تضيق ذرعاً به وبمحاولاته الدائبة للانتقاص منها ومن أسرتها، وكلما طفح بها الكيل وعبرت عن ثورتها ورفضها لهذه الأمور، كان يأتي رد فعله بأحد شكلين متناقضين، تبعاً لحالته المزاجية، إما أن يثور هو بشكل أعنف مما يدفعها في النهاية إلى الصمت والانخراط في البكاء، أو أن يأخذها بين ذراعيه برقة، ويتعامل معها بحنان بالغ ينسيها للحظات كل ما تعانيه، وكانت تلك اللحظات هي الدافع الوحيد لها على الاستمرار معه، فهي تحبه وتشعر بضعفها البالغ أمامه، كما أنها على يقين من أنه يحبها، ولكنها لا تدري لماذا يتعامل معها بهذا الأسلوب”. تحليل وتفسير يفسر الدكتور درويش ما حدث، ويقول: “هذا النموذج في العلاقة الزوجية ناتج عن الفارق الكبير في المستوى الاجتماعي بين الزوجين، وفي بداية الأمر توقع الجميع كما توقعت هي أن يكون سعيداً بها ومقدراً للجميل، وأن ينعكس هذا على محاولة الحفاظ عليها وإسعادها بقدر ما يستطيع، ولكن ما حدث كان غير ذلك، فلا مجال للمجاملات أو التفضل من أحد على الآخر في العلاقة الزوجية، بل أدى هذا التميز إلى شعور عميق بالنقص تجاهها، بدأ في الظهور بعد أن هدأت فترة الزواج الأولى واستقرت بهما الحياة. وقد كان رمز هذا التميز من وجهة نظره هو ثقتها الأكيدة بنفسها، لذلك كانت تؤرقه مظاهر تلك الثقة، فهي لم تثره، ولم تتعادل عليه، ولم تتشدق عليه في يوم من الأيام بما فعلته معه، ولكن مجرد بسمتها التلقائية والنظرة الثابتة الواثقة في عينيها كانت تعمق شعوره بالنقص، إنه بالفعل يحبها، لكنه لم يستطع أن يتعايش مع هذا الشعور بشكل مستمر، لذلك كان يؤرقه كل ما كان يزيد ثقتها بنفسها، فهي بمفردها ضعيفة، ولكن في وجود أفراد أسرتها تبدو قوية، ومع أصدقائها أيضاً، لذلك فهو لا يكره أسرتها، ولا يكن لصديقاتها أي شعور سلبي، ولكنه يكره تواجدها معهم ومساندتهم لها وتأكيدهم لثقتها بنفسها. كما أن العمل يعني الاستقلال المادي عنه، والسيطرة المادية هي أكثر شيء يضمن الاعتمادية والتبعية، إنه بعقله الواعي لا يريد أن يفقدها ثقتها بنفسها، لكن بعقله الباطن يريدها أن تكون على درجة من القوة والثقة بالنفس إن لم تكن مساوية له، فلتكن أقل، ولكنه لن يسمح ولن يستطيع تحمل أن تكون على درجة أعلى منه”. الإسقاط وسيلة دفاعية هذا الشكل من العلاقة الزوجية له درجات متفاوتة، قد يأخذ شكلاً بسيطاً هادئاً إذا كانت الزوجة حكيمة وقوية وواعية، أو كان الزوج واقعياً وتلقائياً وبسيطاً، ولكنه يتخذ شكلاً متعاظماً وجلياً حين تكون الزوجة محبة ومطيعة وهادئة، وكان الزوج له شخصية حساسة عنيدة تفتقر إلى الحكمة والموضوعية، ويستخدم الإسقاط كوسيلة دفاعية أساسية، وهو أن لا يرى العيب في نفسه بل يسقطه دائماً على الآخرين، ونادراً ما يلوم نفسه بل يلجأ دائماً للوم الآخرين، وهكذا تمكنت تلك العوامل داخل هذا الرجل من أن تخفي هذا الكم من العواطف الرقيقة التي يحملها لزوجته وتحيلها إلى مشاعر سلبية وضغائن، لم تعان منها زوجته فقط بل هو أيضاً، والعلاج هنا يكمن في وعيه بكل تلك الصراعات، وإدراكه الكامل لها ولحجم الخسارة التي سببتها له، فإدراكه لتلك الأمور هو الذي سيولد الدافع لديه، وهو الذي سيحدد له أي السمات التي يجب أن يسعى لتحجيمها، ويمهد له الطريق للتغيير، ويتوقف نجاحه أو فشله في تهدئة ما بداخله من صراعات واستعادة علاقة زوجية سوية على ما لديه من رغبة صادقة في هذا التغيير.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©