الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رايس··· التركة الخارجية الثقيلة

رايس··· التركة الخارجية الثقيلة
1 سبتمبر 2008 00:15
كانت روسيا وأوروبا الشرقية حاضرتين على الدوام في حياة وزيرة الخارجية الأميركية ''كوندوليزا رايس''، حيث شكل قربها من تلك البلدان ومن ثقافاتها على مدى خمس وثلاثين سنة الماضية إحدى الثوابت الأساسية ليس فقط لمشوارها الأكاديمي، بل أيضا لشخصيتها العامة، بل وحتى لنظرتها لذاتها؛ لذا لا بد أن الاجتياح الروسي الأخير لجورجيا -المنطقة التي تدخل في إطار اختصاصها- وهي تتأهب للخروج من البيت الأبيض يحمل العديد من الدلالات بالنسبة لوزيرة الخارجية؛ والأكثر من ذلك ما تثيره التطورات الأخيرة من أسئلة حول ما سيتبقى من السمعة التي حملتها معها ''رايس'' إلى واشنطن قبل سبع سنوات في وقت تستعد فيه الإدارة الحالية لمغادرة البيت الأبيض؛ ويجدر التذكير في هذا السياق أن صعود ''رايس'' إلى الواجهة جاء كمستشارة للرئيس ''بوش'' الأب، عندما ساعدته في ضبط علاقاته مع الروس وترتيبها في وقت كانوا يفقدون فيه دول أوروبا الشرقية التابعة لهم، كما أنها كانت إحدى المشاركات الثلاث اللاتي شاركن في المباحثات التي أفضت إلى توحيد ألمانيا· لكن يبدو أن علاقة ''رايس'' بقضايا الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية ترجع إلى زمن بعيد غير حياة ''رايس''؛ فبعودتها مراراً إلى تجربتها الشخصية كطفلة تنحدر من أصول أفريقية، فهي تعتبر تخصصها في الشؤون السوفييتية بمثابة قصة نجاح أسطورية ونموذج على تجاوزها لشروطها الموضوعية؛ فعلى سبيل المثال قالت ''رايس'' في إحدى المرات إنها عندما كانت في ربيعها السابع، وتحديداً في العام 1962 أرعبتها الصواريخ السوفييتية التي وضعت في كوبا أكثر من العصابات التي كانت تجوب مدينتها؛ وقد أخبرت الصحفيين أكثر من مرة أنه رغم اغتيال ''مارتن لوثر كينج''، و''روبرت كيندي'' في العام ،1968 إلا أن الحدث الذي شد انتباهها أكثر في تلك السنة كان الاجتياح السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا؛ بيد أن هذا الانجذاب لروسيا والمعرفة المستفيضة بتاريخها لم يمنع الدبابات الروسية من الزحف تحت أنظارها على عاصمة أخرى لدولة ديمقراطية في القوقاز· ويشير المحللون في هذا الإطار، إلى أن قيام روسيا بضم أجزاء من جورجيا هو دليل آخر على محدودية القوة الأميركية حتى في ظل التفوق العسكري الأميركي؛ والحقيقة أن الأمثلة تتعدد في هذا الاتجاه مثل استقالة الرئيس الباكستاني وحليف أميركا ''برويز مشرف'' في الأسبوع الماضي، وعودة ''طالبان'' القوية في أفغانستان، فضلا عن تعثر مساعي السلام في الشرق الأوسط الذي اعتبرته ''رايس'' والرئيس بوش أحد أهم المواضيع التي تم التركيز عليها في العامين الأخيرين من الإدارة الأميركية؛ ومع ذلك لم تدَّع وزيرة الخارجية، ''رايس''، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، أو باكستان عندما عينها الرئيس ''بوش'' مستشارة الأمن القومي في العام ،2000 حيث كانت كل خبرتها منصبة على روسيا وأوروبا الشرقية؛ وفي ظل ما يجري حالياً من اضطرابات في القوقاز، ليس واضحا ما إذا كانت معرفة ''رايس'' بالشؤون الروسية قد خذلتها، أو أنها خسرت صراعها داخل الإدارة الأميركية· فربما تكون وزيرة الخارجية قد تنبأت بردة الفعل الروسية عندما قامت جورجيا ببسط سلطتها على المناطق المطالبة بالانفصال، حيث حذرت الرئيس الجورجي بعدم استفزاز جارته الكبرى، لكن تدخل نائب الرئيس ''ديك تشيني'' جاء في الاتجاه المغاير بعدما أشارت تقارير إلى تزويد أميركا للقوات الجورجية بصواريخ ''ستينجر'' المضادة للطائرات؛ ومهما كان الصراع داخل أروقة الإدارة الأميركية بين وزيرة الخارجية ونائب الرئيس والرسائل الملتبسة التي قد يكون تلقاها الرئيس الجورجي، يرى العديد من المراقبين أن أزمة القوقاز ما كانت لتستفحل لو بقيت ''رايس'' وفية لجذورها الواقعية في السياسة الخارجية· فالواقعيون يؤمنون بالقوة كأداة لتحقيق الأهداف، وكوسيلة للتنبؤ بالنتائج على الساحة الدولية، وهو ما عبرت عنه ''رايس'' نفسها خلال الحملة الانتخابية الأولى للرئيس ''بوش'' عندما كانت مستشارته للسياسة الخارجية قائلة: ''لقد سعى الرئيس بوش إلى إعادة النظام إلى السياسة الخارجية الأميركية، وذلك من خلال تحديد ما يصب في إطار المصالح الحيوية للولايات المتحدة والالتزام به''· غير أن التطورات التي شهدتها أميركا بعد هجمات 11 سبتمبر أطاحت بالواقعية، وأتت بفكرة جديدة مفادها أن أميركا قادرة على تغيير السياسة الداخلية للدول، وهكذا برز اعتقاد يقول، بأن تغيير الأنظمة في البلدان الإسلامية وإحلال الديمقراطية الليبرالية، سيجعل أميركا بمنأى عن التطرف الإسلامي، بحيث إذا استطاع الشباب العربي التعبير عن معارضته بحرية، سيتراجع إغراء التطرف ويختفي؛ والنتيجة انقلاب ''رايس'' على الواقعية السياسية وتحولها إلى أشد المدافعين عن أجندة نشر الحرية في العالم، رغم الفشل الذريع للحرية في إفراز النتائج التي كانت تريدها أميركا، لا سيما بعدما قادت الانتخابات في عدد من الدول إلى صعود أحزاب سياسية متطرفة إلى السلطة· ورغم توجيه المراقبين لانتقاداتهم إلى الإدارة الأميركية بالمبالغة في التركيز على العراق إلى حد تضييع القوقاز، إلا أن ''رايس'' ربما تستطيع توظيف بعض من خبرتها في التعامل مع الشؤون الروسية لتحقيق اختراق دبلوماسي سواء في منطقة القوقاز، أو على الجانب الإيراني، حيث تتمتع روسيا بنفوذ واضح؛ وإذا عجزت الإدارة الحالية في معالجة تلك المشاكل فإنها تكون قد كسرت القاعدة الأساسية للواقعية السياسية بتركها لأميركا ضعيفة مقارنة بما كانت عليه قبل ،2001 بل الأخطر من ذلك أن قوتها ستتراجع أيضاً في أعين العالم· ماركوس مابري مؤلف كتاب أفضل بمرتين: كوندوليزا رايس والطريق إلى السلطة ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©