الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برهان غليون: يغضبني أي تحقير للإنسان

برهان غليون: يغضبني أي تحقير للإنسان
18 يونيو 2010 21:04
الدكتور برهان غليون قامة فكرية وعلمية كبرى لها عطاؤها المتميز في المحيط العربي والعالمي، وعندما حل ضيفاً على أبوظبي الأسبوع الفائت ملقياً محاضرة في المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، اختص «الاتحاد» بحوار، تعرض خلاله إلى العديد من جوانب شخصيته. وكشف عن أمور لم تتطرق إليها الصحافة العربية من قبل. حول النهضة الثقافية الشاملة في أبوظبي، وهل استطاعت أن تسحب البساط من حواضر ثقافية مهمة في المنطقة، أجاب قائلاً، إنه ضد أن توضع عاصمة عربية ضد أخرى، لكوننا نحتاج إلى بيروت متقدمة ثقافياً وإلى القاهرة التي كانت متقدمة منذ القدم على الصعيد الثقافي وغيره، والتي نتمنى لها استمرار هذا التقدم، وأيضاً إلى دمشق ذات التراث العريق، والرباط، وغيرها من العواصم العربية، التي نحتاج إلى تقدمها جميعها، لما في ذلك من دعم ونجاح للواقع الثقافي العربي. وبالنسبة للطفرة الثقافية التي تشهدها الإمارات بصفة عامة والعاصمة أبوظبي خاصة، فأي متابع لها لا بد أن يثني على الجهود الاستثنائية المبذولة في هذا المنحى، والتي تلقي بظلالها الإيجابية على سياسات كثير من الدول العربية وتدفعها إلى السير في هذا الاتجاه، من أجل مواكبة الحضور الثقافي الهائل لأبوظبي في العالم العربي. وبالحديث عن المشروعات العديدة التابعة لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، لدعم صناعة الكتاب في العالم العربي، ومنها مشروع «كلمة»، الذي يختص بترجمة أهم المؤلفات من اللغات الأجنبية، ووصفه بالمشروع المتميز، خاصة مع نوعيات الكتب التي يعنى بها، وهو لا يمانع في التعاون مع مشروع «كلمة» لترجمة مؤلفاته ونشرها في العالم العربي، خاصة أن بعضها لم يترجم إلى العربية من قبل، ومنها كتاب «الإسلام والسياسة: الحداثة المغدورة». حراك مجتمعي عن أصدقائه الشخصيين في الإمارات، الذين يحرص على التواصل معهم رغم مشاغله الحياتية والعلمية، أوضح أنهم كثر، ومنهم على سبيل المثال لا التخصيص، د. ابتسام الكتبي، والأستاذ راشد العريمي، والأستاذ حبيب الصايغ، والدكتور عبدالله العوضي، ونايف عبيد، والشاعر علي كنعان، وذكر أنه يعمل على التقائهم كلما سنحت الفرصة لذلك في المؤتمرات والمحافل الثقافية والمعارفية المختلفة. يعرج غليون نحو تناول الهم الثقافي العربي، وما يعانيه المثقفون العرب مع الحرية، حيث أشار إلى أن لديه أملاً في أن يتسع سقف الحرية فوق كل الاتجاهات الفكرية الموجودة على ساحتنا العربية، خاصة مع وجود الرغبة في أن يتحرر العرب من كل الضغوط. وأكد أن العالم العربي نضج من أجل ذلك، وهو ما نراه في حالة الحراك المجتمعي في كثير من البلدان العربية، كما أن عالم «الإنترنت» أعطى الفرصة لأصحاب رأي كثيرين للتعبير عمّا يريدون بحرية إلى حد كبير، وقال: «أعتقد أنه لا يمكن كبت الرأي العام إلى ما لا نهاية، خاصة أن كثيراً من الأنظمة بدأ يفقد صدقيته أمام مجتمعاته، وبالتالي أخذ الناس في البحث عن أفق آخر، وبالإجمال هناك تفكير من قبل قطاعات كثيرة من الرأي العام لمراجعة ما حدث خلال العقود الثلاثة السابقة». رموز إسلامية بالانتقال إلى الهجوم الذي تتعرض له الرموز الإسلامية في الغرب من نقاب وحجاب ومآذن، وما يمثله ذلك من خطر على المسلمين، ممن يحملون جنسيات أوروبية في كيفية الحفاظ على أسس دينهم وشعائرهم، أقر غليون بوجود مثل هذا الهجوم، غير أنه نفى وجود أي خطر أو خوف على تدين المسلمين في أوروبا، ذلك أنَّ «لا أحد في أوروبا يجرؤ على تقييد الأسس العقدية، وإنما هو فقط صراع على الرموز، والمشكلة ليست في الحجاب فقط، وإنما الصورة العامة للمسلم هي التي أضحت موضوعاً للصراع، وهناك كثير من الصحفيين وأصحاب الرأي يسعون إلى تشويه صورة الإسلام، ومنهم أستاذة الجامعة أوريانا فلاش، التي وضعت كتاب (قوة العقل)، وأخذت فيه تحرض الأوروبيين على المسلمين بوصفهم غزاة لبلادهم، وتدعو إلى العنف نحو المسلمين هناك. وبالفعل أصبحت هناك فئات عديدة ترى في العرب الذين يدخلون أوروبا الآن، أنهم يحتلون البلاد بطريقة مختلفة، ولذلك هناك حساسية لأي شكل أو مظهر إسلامي». النقاب والحجاب في المقابل، هناك في الغرب من يفتح أبوابه للمسلمين الذين يتبنون أفكارهم، فهناك وزيرة عدل مسلمة في فرنسا، وكذا وزيرة عدل في ألمانيا، وهي مسلمة من أصول تركية، وقد طالبت بإزالة الصلبان من المدارس، وهذا كله يسير في اتجاه وجود قطاعات متصادمة في الرأي العام. وبالنهاية ليس هناك خطر على المسلمين، يرى غليون، سوى في النزاع الرمزي، وحتى النقاب نفسه لا يستطيع الفرنسيون أو غيرهم منعه تماماً لكونه حرية شخصية، فالمنع يقتصر فقط على المؤسسات العامة، وعلينا أن نفرق بين النظرة إلى كل من الحجاب والنقاب في الغرب، فهناك محجبات في إدارات مختلفة ويمارسن عملهن بكل سهولة ويسر، أما النقاب فقط فهو الذي يسبب المشكلة، لكون البعض هناك يقول إن تغطية وجه المرأة يحط من قيمتها ويتناقض مع قيم الجمهورية الفرنسية، فضلاً عن الدواعي الأمنية التي تتطلب كشف المرأة وجهها، للتحقق من هويتها. وأضاف غليون: وعلى ذلك هناك نقاش كبير يدور حول قضية النقاب، فكثير من المسؤولين الفرنسيين اعترضوا على منع النقاب، ليس لكونهم معه ويؤيدونه، وإنما لأنَّهم يرون فيه حرية شخصية. تثمين المبادئ بالحديث عن الحياة الخاصة للدكتور برهان غليون، أوضح أن أكثر الأشخاص الذين أثّروا في تكوينه ومثلوا القدوة له هما والداه بما كانا عليه من تواضع وتسامح وصدق ونكران ذات في التعامل مع الجميع، كما ذكر أنه ينتمي إلى عائلة من الطبقة الوسطى الضعيفة، وإن كانت نبيلة بما لديها من تقدير وتثمين للتقاليد والمبادئ والأخلاق، وهي في ذلك شأن كل أفراد الطبقة الوسطى في مرحلة ما بعد الاستقلال، لم تكن مهووسة بالمال، وإنما انصب جل اهتمامها على الأخلاق والتربية الحسنة، بعكس الطبقة الوسطى التي نراها هذه الأيام، وقد حدث تغير في أخلاقها وصارت لا تأبه سوى بالمال والنجاح المادي. وعن انحسار الإبداع في عالمنا العربي، يعزو غليون ذلك إلى انهيار التعليم، وما له من تداعيات سيئة على كل العناصر المكونة للمجتمع، وأيضاً إلى تقييد الحريات سواء من قبل النظم السياسية أو من بعض الأوساط الأصولية التي تخشى كل تفكير فردي مستقل، لكون الإبداع مسألة فردية بامتياز، وبالإجمال فإن تحالف الطغيان السياسي مع الديني هو المتسبب في انحسار هذا الإبداع. الشعور بالرضا حول الشهرة وما أضافته له سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي، قال غليون: لا شك في أن الشهرة تعطي انطباعاً بالنجاح، والأخير يؤدي إلى الشعور بالرضا عن النفس، وهو من أهم أسباب السعادة، إلى جانب ذلك تسبب الشهرة نوعاً من الضغط؛ لأنها تلزم صاحبها بعمل أكثر وتلبية طلبات أكثر، إلى الحد الذي قد يؤثر على الحياة الشخصية. وفي النهاية، أكد غليون أنه سعيد بما هو عليه الآن، ولكن ليس على المستوى المادي؛ لأن الشهرة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنها تحقق الرضا، وهو شعور من العسير الحصول عليه في هذا العصر. وعن المرأة في حياته، بين غليون أن المرأة هي المخلوق الأهم في حياة أي إنسان، لكونها أساس الحياة العاطفية، ولا يستطيع الفرد أن يحتفظ بتوازنه المبدع، إلا إذا كانت حياته العاطفية مملوءة وصحية، ونحن المثقفون نحب النساء بشكل خاص، ونعشق كلامهن، وعطرهن، وشعرهن، وزينتهن، وابتساماتهن، وكل ما يرمز إلى المرأة وأنوثتها. تحقير الإنسان بالنسبة للأسرة، قال محدثنا إنها المستقبل عن طريق الأبناء، وهي نوع من الخلق، وأروع ما في الأسرة تربية الأبناء لكونها مهمة مقدسة ونبيلة، وتطلب ممن يقوم بها أن يدرك جيداً مدى أهميتها. وحول علاقته بالأصدقاء، لفت غليون إلى أنه يعد نفسه محظوظاً لكون حياته العامة لم تقض كلياً على حياته الخاصة، فهو لا يستطيع العيش دون الأصدقاء، لكون التواصل هو جوهر الحياة الاجتماعية. وفيما يختص بالأماكن والبلدان التي يفضلها بعد ما طاف أرجاء العالم شرقه وغربه، أكد أن المهم ليس البلد، ولا البيت ولا القطر، وإنما هو الراحة التي يقدمها المكان سواء راحة نفسية أو جسدية، غير أنه أشار إلى عشقه للبحر، وأسِف على عدم وجود بحر في باريس كي ينعم بالسكن إلى جواره. وعن المواقف التي يكون صارماً فيها، أوضح أن ذلك يحدث عندما يشعر بأن الآخر خرج بشكل أو بآخر عن مبادئ أساسية أو قيم وسلوكيات سليمة وصحيحة، حتى لو كان هذا الآخر أولاده، وأضاف: «أيضاً أنفر وأغضب عندما أرى أي تحقير للإنسان مهما كان وضعه، سواء كان بالتعذيب أو الاعتقال أو النفي التنكيلي، ويؤلمني ما أشاهده في العالم العربي من انتهاكات بدائية لحقوق الناس كالسجن على الرأي، ومنع فرد من حريته في التعبير عن ضميره، أو المحاكمات غير النزيهة، وأشكال الضغط على الناس من أجل الخضوع والاستسلام لخدمة مصالح خاصة». وأما ما لا يمكن أن يتنازل عنه برهان غليون، فهو مبادئ الإخلاص والوفاء والصدق والاحترام المتبادل مع الآخرين، لكونها تمثل إطاراً يضع العلاقات البشرية في نطاقها الصحيح. مي ولين رداً على سؤال كيف يقضي يومه، يجيب غليون ضاحكاً: «الله يساعدنا على قضاء أيامنا»، فاليوم يضيع بين القراءة والكتابة والتعليم والتليفونات، ولا يكاد المرء يجد الفرصة للتفكير بالزمن، وإن كنت أحياناً أستغل السفرات لقضاء يوم عطلة بمفردي، أما أفضل أوقاتي فهي التي أقضيها مع ابنتي مي (12 سنة) ولين (5 سنوات)، فالجلوس معهما ومناقشتهما هما السعادة بذاتها. وعن المال، قال إنه للدفع فقط، قسط البيت، الضريبة، قسط المدرسة، وغيرها من المتطلبات الحياتية. أما هوايته المفضلة فهي السباحة، ويمارسها مرة على الأقل أسبوعياً، كما لفت إلى عشقه للموسيقى العربية الكلاسيكية وأصوات أم كلثوم وزكريا أحمد ومحمد عبدالوهاب وموسيقى رياض السنباطي، وأحياناً يستمع إلى فيروز، بينما يستمع إلى الموسيقى الغربية حين يكون بحاجة إلى الشعور بالهدوء وطمأنينة النفس. وفي هذا الإطار، يوضح أن أكثر ما يسعده هو صدور كتاب مهم له، وما يؤلمه، هو حدوث مكروه لأي من ابنتيه. وعما أخذته منه الحياة وأعطته له بعد هذه المسيرة الطويلة في دروبها، قال، إن رحيل الوالدين هو الخسارة الوحيدة له في الحياة لكونهما كانا عظيمين، بينما أعطته الحياة الكثير، ولعل أهم ذلك هو السمعة الحسنة على الصعيدين العلمي والإنساني. من هو؟ برهان غليون مفكر سوري ولد في مدينة حمص عام 1945 وهو أستاذ علم الاجتماع، ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ في جامعة السوربون الجديدة في باريس. خريج جامعة دمشق تخصص فلسفة وعلم الاجتماع‏،‏ حاصل على درجة الدكتوراة في العلوم الاجتماعية والإنسانية من جامعة السوربون‏،‏ دكتوراه في علم الاجتماع السياسي‏‏، وله عدد من المؤلفات ومن أهمها «التطور اللامتكافئ»، و «المسألة الطائفية ومشكلية الأقليات»، و «بيان من أجل الديمقراطية»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©