السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إدخال التفكير النقدي في المنهج التعليمي ضروري

إدخال التفكير النقدي في المنهج التعليمي ضروري
16 ابريل 2011 20:20
تدني المستوى المعرفي والتحصيل العلمي للطلبة، وضعف المخرجات التربوية يرجعهما البعض إلى غياب إدراج التفكير النقدي والإبداعي في المناهج التربوية، وإبعاد حلقات الحوار والنقاش، وتحليل الأفكار وتغييبها عن ذهن الطلبة يجعلان العملية التعليمية جافة تعتمد على التلقين، الحفظ ثم التفريغ. الأسلوب التقليدي في التعليم القائم على التلقين يجعل المعلومة تذوب بذوبان السنين وتعاقبها، فلا تتركز في الذاكرة ولا يتم تثبيتها، وهذا ما يذهب إليه الدكتور المصطفى تاج الدين، عميد بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة الحصن بأبوظبي، والحاصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة القرويين بالمغرب، حيث عمل أستاذاً في قسم الدراسات العامة وقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة الإسلامية بماليزيا، كما عمل رئيساً لقسم اللغة الإنجليزية والترجمة بجامعة ظفار وعضواً بمجلس رئاسة الجامعة، واشتغل أستاذاً لمناهج البحث والتواصل بجامعة عفت بجدة، ويحاضر في بلدان مختلفة في موضوع حوار الحضارات والسياسات الدينية في العالم الإسلامي، ومن مؤلفاته كتابه “التفكير الإبداعي”، الحائز جائزة “الفاروقي” لأحسن كتاب جامعي عام 2003. حكاية نيوتن يشير تاج الدين إلى أنه من بين أسباب تراجع العملية التعليمية غياب التفكير النقدي وإدراجه في المناهج التدريسية. ويعرف التفكير النقدي بأنه “القدرة على تحليل المعلومة، وبه تكون للمرء الرؤية الواضحة للأمور، وبه يستطيع النظر للأمور نظرة منطقية”، لافتاً إلى أن من يغيب عنده التفكير النقدي يتقبل كل الأمور دون أن يخضعها للتحليل، ودون أن يفهم الارتباطات المنطقية بين الأفكار وتقييم الحجج واكتشاف الثغرات والأخطاء الشائعة، وهذا ما يتجلى في تقبل المعلومة من الإنترنت مثلاً، فالمجتمع الذي يغيب عنده التفكير النقدي يصبح مجتمعاً خرافياً، يتقبل المعلومة الجاهزة ويصدقها دون تحليلها أو الوقوف عند تناقضاتها. ويضرب مثالاً عن التفكير النقدي، فيقول “من الأمثلة التي تدل على أهمية التفكير النقدي الفكرة الشائعة والتي تقول إن نيوتن هو مكتشف الجاذبية بسبب سقوط تفاحة فوق رأسه، وهذا نوع من المزج بين العلم والأسطورة، ولأن التفكير النقدي يعلمنا أنه لا يمكن اكتشاف شيء من لا شيء، وأن المعرفة تراكمية بطبيعتها فإن البحث سيقودنا إلى علماء يونانيين وعرب فصلوا في قانون الجاذبية وترجمت كتبهم إلى اللاتينية وهي لغة العلم في زمن نيوتن، فقد كتب الإمام الرازي عن تجاذب الأجسام وابن ملكا البغدادي عن تساوي زمن سقوط الأجسام من علو واحد بغض النظر عن وزنها بسبب الجاذبية، إذن الفكرة موجودة”. التمييز بين المعلومة والفكرة يشير تاج الدين إلى أن التفكير النقدي مهم في العملية التعليمية، بحيث يمكن الطالب من التمييز بين المعلومة والفكرة، واصفاً المعلومة بأنها معرفة جامدة، وتتميز بأنه يتفق عليها الجميع. ويضيف “مثلاً هناك معلومة تاريخية متفق عليها، مثلاً الإمارات تتكون من 7 إمارات، أو مثلا 1 + 1 = 2، فهذه معلومات يتفق عليها الكل، أما الفكرة فهي المنهج الذي تصل فيه المعلومة، بالإضافة إلى تقييم المعلومة، وإذا كانت المعلومة معطى موضوعياً فإن الفكرة تتأسس على المعلومة من أجل بناء معرفة ذاتية”. ويقول تاج الدين إن “الهدف من ضرورة إدراج التفكير النقدي في المناهج الدراسية هو الرفع من مستوى تلقي المعلومة، وهذه هي وظيفة التفكير النقدي الأولى، وهي الرفع من المستوى، أما الوظيفة الثانية فهي تقييم الأفكار، وهو تأهيل الطالب لتكون له القدرة على تمييز ما يسمى بـ”الأغلوطة” في الفكر، مثلاً نقول: “قال العالم”، ونأتي بعالم أميركي لدعم الفكرة فإننا في التفكير النقدي نعلم الطالب ألا يهتم بمن قال، بل بالقول، وهو من يجب أن يذهب إليه فكرنا، وهذا يعلم الطالب الاستقلالية، وعدم تقديس مصادر الأفكار”. ويضيف “الوظيفة الثالثة للتفكير النقدي هي تعليم الطالب أن المعرفة نسبية ومتطورة، كما أنه ليس هناك ثبات في الأفكار، مثلاً في الفيزياء أحياناً ما تكون هناك أفكار نعتقد أنها مطلقة 100%، بحيث إذا رمينا شيئين مختلفي الوزن من علو، مثلاً ورق وقلم، فإننا نعتقد جازمين أن القلم من سيسقط أولاً، وهذا أمر غير صحيح، بحيث إن سبب تأخير الورقة في السقوط راجع إلى عوارض خارجية تسمى بالاحتكاك، وإلا فإن نزولها سيكون متزامناً مع القلم على عكس ما نعتقد”. المرونة والانغلاق يؤكد الدكتور تاج الدين أن غياب التفكير النقدي عند الطالب يجعله منغلقاً داخل مسلماته، ولا يستطيع تطوير نفسه، بعكس الطالب المنفتح الذي يتطور ويتقبل المعلومة بمرونة، ما يجعله قابلاً للتعلم من الآخرين، مهما كانت ثقافاتهم، وأديانهم وأجناسهم، لأنه لا يحمل مسلمات في ذهنه، وهذا يستطيع أن يكون مواطناً بانياً، لأنه لا يقتنع بكل ما يقال من الشعارات مهما كانت خلفياتها، أو أهدافها، وله القدرة أيضاً على التمييز بين الصالح والطالح، ويشير تاج الدين إلى أن التفكير النقدي له أهمية كبيرة جداً من الناحية الدينية، إذ يعلم الفرد أن يكون وسطياً في اعتقاده، ويكون بعيداً عن تقبل الأفكار قبل تحليلها. ويشير إلى أن واقع التعليم في المنطقة الخليجية يبتعد عن نهج التفكير النقدي وإدخاله في العملية التعليمية. ويقول “من خلال تجربتي في مختلف الدول الخليجية أرى أن الطلبة لا يتعلمون هذه الطرق التي تعتبر من أسس التعليم، إذ لا يتعلمون طرق الاستنتاج الصحيح، والاستقراء المنطقي وغير المنطقي من الأفكار، والثقة في النفس، وهذه خاصية تتجلى في طريقة الجواب من خلال الاختبارات، التي يكتفون فيها بإرجاع المعلومة كما هي على شكل “بضاعتنا ردت إلينا” وهذا الأمر يرجعه تاج الدين إلى غياب الحوار داخل الصفوف الدراسية”. ويضيف “العملية التعليمية هي عملية حشو وملء للأدمغة فقط بالأفكار، ولا يتم الحديث عن القضايا المجتمعية وتقريبها لذهن الطلبة وتفسيرها التفسير الصحيح، هكذا تظل هذه المواضيع فيها سوء فهم، فالتعليم يجب أن يكون في صالح المجتمع بتخريج أجيال قادرة على التحليل والتقييم. ويشير إلى أن القرآن الكريم يشمل أسس التفكير النقدي، ولكي نحكم على القضية يجب أن نفصلها ولا نحكم عليها في شموليتها”. تداخل المعارف يوضح تاج الدين أن مشروعه يقوم على ما يسمى بتداخل المعارف”interdisciplinarity” ويضيف أن الهدف الأساسي من المشروع هو محاربة التطرف والجمود الفكري، إذ أثبتت الإحصائيات الاجتماعية أن أغلبية المنخرطين في جماعات إرهابية يأتون من كليات ذات تخصصات علمية محضة، كما أثبتت أن اليمين المتطرف في أوروبا وأعداء المهاجرين أغلبهم من تخصصات علمية، في حين استعصى عليهم استقطاب أناس ذوي تخصصات أدبية لأن طالب الآداب قادر على التمييز بين الأفكار السلبية والإيجابية بعكس العلمي الذي تلقى المعلومة دون إدخال الفكر النقدي، وهكذا فإن المسؤولية تلقى على المنهج التعليمي في تخريج المواطن الصالح الوسطي في أفكاره. ويذكر تاج الدين أن مشروعه جاء في 30 صفحة ويشمل مقترحات لكلية العلوم وأخرى لكلية الآداب من حيث تداخل العلوم. ويضيف أنه مصرّ على أهمية إدخال مادة التفكير النقدي كمادة مستقلة في جميع مراحل التعليم وتدرس كمادة تناسب سن الطلبة، والمرحلة التعليمية. أما عن طرق إدخال الفكر النقدي في تربية الأبناء فيقول “يجب خلق ثقافة الحوار داخل البيت، وتعليم الأطفال مهارات الخطابة والمناظرة والحوار، والإجابة عن أسئلتهم وإقناعهم، أما في المدرسة ومنذ الصفوف الأولى يجب خلق تفاعل ومناقشة القضايا ومناقشة الأفكار، على أن يأخذ فريق من الطلاب موقفين متعارضين ويدافعان عن أفكارهم، بحيث يجب أن نعلم الطفل أن تكون له قوة الإقناع”. اقتراح تعليمي كتب الدكتور مصطفى تاج الدين اقتراحات عدة، وجهز مشروعاً كاملاً لإدخال التفكير النقدي في المناهج التعليمية. إلى ذلك، يقول “عندي مشروع متكامل يتحدث عن مشكلة التخصص في التعليم والذي يؤدي إلى التسطح الفكري والفقر المعرفي، مثلاً فالمتخصص في الرياضيات ينبغي أن يدرس الإبستمولوجيا (تاريخ العلوم) فكيف ندرس الطالب الرياضيات ولا ندرسه فلسفة الرياضيات، إذ يجب أن يعلم مفهوم الأعداد وتاريخها وغيرها من إيجابياتها، ليسهل عليه فهمها، ويبدع ويتحكم فيها”. ويضيف “نرى أنه من يتخصص في الشريعة اليوم لا يدرس المنطق الرياضي، بعكس العلماء القدامى إذ وضعوا المنطق أساساً من أسس الفقه، إذن المنطق يعلمنا مفهوم العلة وهو المفهوم العام، والخاص وهو مفهوم التضمن والاستنتاج والاستقراء وكلها مفاهيم فقهية، أيضاً يدرسها طالب الشريعة، بينما نرى اليوم أن دراستها مفصولة عن أساسها الرياضي”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©