الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روبرتو سافيانو يكشف في «غومورا» حقائق «مفزعة» عن «المافيا» وكيفية سيطرتها على اقتصاد العالم

روبرتو سافيانو يكشف في «غومورا» حقائق «مفزعة» عن «المافيا» وكيفية سيطرتها على اقتصاد العالم
7 نوفمبر 2009 22:30
بعيداً عن أصل كلمة مافيا عربياً كان أو إيطالياً، ظلت المافيا قروناً طويلة عالماً غامضاً بالنسبة للكثيرين ولا يحكي عنه إلا كما يحكي عن الأساطير، فلا حقائق مؤكدة عنه ولا دلائل حقيقية يمكن إثباتها عن هذا العام. غير أن الصحفي الإيطالي روبرتو سافيانو ومن خلال كتابه “جومورا” استطاع اختراق الخطوط الحمراء لهذا العالم وفضح ما لم يتجرأ أحد على كشفه من قبل عبر نشر حقائق سرية وتفاصيل دقيقة وحرجة متجاوزاً الخوف، ومتصدياً لإجرام المافيا الإيطالية عبر توجيه الاتهامات التي تدينها مشفوعة بالأدلة الثابتة دون مبالاة بالعواقب التي قد تصيبه. رائحة الجثث يعمد سافيانو عبر صفحات الكتاب إلى سرد الوقائع المذهلة التي اكتشفها أثناء تحقيقاته حول مافيا “كامورا” الإيطالية التي تنشر سمومها في منطقة نابولي، وتعتبر “كامورا” من أكبر المنظمات السرية إجراماً في أوروبا، حيث تعني “كا” زعيم و”مورا” الشوارع. وتمكن سافيانو من التغلغل في بنيان هذا التنظيم الإجرامي العالمي الذي يمتلك سلسلة أعمال غير شرعية تسيطر على اقتصاد العالم وتؤثر على مختلف الأسواق الأوروبية. حيث تواجد سافيانو في مسارح الجرائم مراقباً نوافذ السيارات المهشمة ومعايناً جثث القتلى المليئة بالرصاص. وصعق هذا الطغيان والإرهاب جميع حواسه، وألهبت رائحة الجثث المحترقة ضميره، فانكب يكتب مشاهداته واصفاً ردات فعله، ومتحدياً الظلم وناشداً فضح ما يجري لمعاقبة المسؤولين عنه، ما جعله هدفاً لزعماء تلك العصابة ويطالبون برأسه. في بداية الكتاب يسرد المؤلف مجموعة من الحقائق المفزعة التي تبين المكانة والسطوة اللتين تحظى بهما تلك العصابات الإجرامية في إيطاليا وخصوصاً في مدينة نابولي، حتى أنهم اتخذوا من إحدى دور العبادة الكبيرة ضريحاً ضخماً وأهدوها لأحد المجرمين يدعى “إيمانويل” قتلته الشرطة وهو في سن الخامسة عشرة أثناء ارتكابه لأحد جرائمه بالسرقة تحت تهديد السلاح في ضاحية باركو فيرديه في قلب مدينة نابولي، وتم وضع صورة ضخمة لإيمانويل وهو يبتسم داخل ذلك الضريح، وعندما حاولت الشرطة الإيطالية هدمه، تصدى لهم شبان المنطقة فلم يكن أمام الشرطة سوى الانسحاب أمام هجمات القنابل النارية عليهم خوفاً من اتساع التمرد وانتشاره في أنحاء مدينة نابولي. أولاد باركو فيرديه يقول الكاتب إن أبناء هذه المنطقة “باركو فيرديه” يعملون في عصابات أو جماعات تابعة لمافيا “كامورا” وتحمل أسماء مختلفة إلا أنهم جميعاً يُعرفون بأولاد باركو فيرديه، وتختلف تخصصاتهم الإجرامية بين ترويج المخدرات بأجور محددة، أو سائقين أو حراس مراقبة يحمون مقاطعات تبعد أميالاً عن منازلهم، وهؤلاء الأولاد جميعاً يمارسون أنشطتهم تلك دون أن يكونوا أعضاء فعليين في مافيا “كامورا”، فالجماعات لا تريدهم بل بالكاد توظفهم لتستفيد مما يقدمونه، فهؤلاء الأولاد لا يملكون أي مواهب أو مهارات تجارية، فالكثير منهم يعملون كسعاة أو يحملون حقائب الظهر المملوءة بالحشيش إلى روما، وينطلقون على متن الدراجات النارية بأقصى سرعة وينهبون الطريق ليصبحوا خلال ساعة ونصف على بوابات العاصمة. ويشير الكاتب إلى أنهم لا يتقاضون أجراً عن هذه الرحلات، ولكنهم يحصلون بعد حوالي العشرين منها على هدية، هي الدراجة النارية، فهي ثمينة جداً بالنسبة إليهم، ومكسب لا يضاهي وحتماً لا يمكن الوصول إليه عن طريق أي عمل آخر متوفر في هذا المكان. فهم يقومون بتوصيل بضائع تصل قيمتها إلى عشرة أضعاف قيمة الدراجة النارية ربما كانت بضائع قانونية ولكن تم تهريبها من ميناء نابولي للتهرب من رسوم الجمارك وخلافه لكنهم لا يعلمون ذلك، بل إنهم غير قادرين على تخيل الأمر، حسبما يقول المؤلف. ويستعرض سافيانو في موقع آخر من الكتاب كيفية سيطرة كامورا على مستودعات ذخيرة بالكامل في أوروبا الشرقية ووجودها تحت تصرفهم من خلال استمالة الحراس والمسؤولين عن الحفاظ على الموارد العسكرية، من خلال دفع أموال لهم تساوي مجموع رواتبهم لأعوام عديدة. ويوضح أن هذه الأسلحة يتم استجلابها عبر شاحنات تابعة لحلف الناتو مسروقة من مرائب أميركية، ما يكفل نقل هذه الأسلحة تحت أعين الجميع ولكنها أسلحة شرعية تستخدم في مهام قانونية ومقبولة لدى الجميع، وليست لتسليح أعضاء تلك الجماعات ومنحها مزيداً من الهيبة والنفوذ، بالشكل الذي عرفت من خلاله جماعات المافيا المختلفة والتي أصبحت واقعاً غريباً يبدأ من إيطاليا ويمتد إلى بقاع العالم المختلفة ولا يمكن الفكاك منه. امبراطورية اقتصادية يشير الكاتب إلى أنه إذا ما تم توقيفهم على حاجز في الطريق فسيحصلون على حكم ليس بأقل من 10 سنوات، وبما أنهم ليسوا أعضاء، فالجماعة لن تغطي نفقات الدعاوى ولن تضمن تقديم المعونة لأسرهم، ومع ذلك فهم لا يأبهون ومستمرون في عملهم الذي لم يجدوا بديلاً عنه في تلك المنطقة الموبوءة بالمافيا. ثم ينتقل الكاتب إلى شكل آخر للمافيا يمتد نفوذه خارج الحدود الإيطالية ليشمل أنحاء عديدة من العالم مستعرضاً امبراطورية كامورا الاقتصادية الهائلة التي جعلت من ضواحي نابولي مركز إنتاج للعديد من أفخر أنواع وماركات الألبسة العالمية، حيث تجرى في شمال المدينة إنجاز كل ما يستحيل إنجازه في أي مكان آخر في العالم بسبب انعدام المرونة في إبرام العقود والقوانين وحقوق الملكية الفكرية. ويقول إن كلمة كامورا ليس لها وجود في عالم أبناء المافيا، لأن من يستخدمها فقط هم عملاء مكافحة المخدرات والقضاة والصحفيون، فهي بالنهاية مصطلح احتقار لكل من يعمل في هذه الجماعات وتلك الأنشطة. أما أعضاء جماعة كامورا أنفسهم فيستعملون كلمة التنظيم، وهنا يتناول الكاتب تنظيم سيكوند يجليانو الذي يسيطر على مجمل سلسلة تصنيع الألبسة وجعل من تلك المنطقة الواقعة شمال نابولي قادرة على إنتاج رأس مال بالغ الفخامة، وبكميات لا يمكن تخيلها لأي كتل صناعية قانونية، فالأقمشة المتبادلة والجلديات وصناعة الأحذية جميعها نشاطات أرسى دعائمها إنتاج الجماعات لقطع ثياب ومكملات تزيينية مطابقة تماماً لتلك التي تصنعها دور الأزياء الإيطالية الأساسية، وذلك من خلال القوى العاملة لدى تلك الجماعات، والتي تتمتع بمهارة عالية مع خبرة تمتد عقوداً، عملت خلالها تحت مظلة أهم مصممي إيطاليا وأوروبا، إنها الأيدي ذاتها التي عملت في يوم من الأيام سراً لدى أكبر وكالات الماركات، تعمل الآن لدى الجماعات. حشود الزبائن يلفت سافيانو أيضاً إلى أن جماعات سيكوند يجليانو استطاعت أن تجمع سلسلة متكاملة للبيع بالتجزئة تمد بالتالي من خلالها شبكتها التجارية عبر الكرة الأرضية وتهيمن على سوق الألبسة العالمية، كما تؤمن التوزيع للمتاجر الخاصة. وهنا يذكر اسم بعض كبريات العائلات المكونة لهذه المافيا ومنها عوائل: ليتشياري، كونتيني، مالارادو، بوتشيتي، ويشير إلى الكيفية التي تتعامل بها تلك العائلات مع بعضها بعضاً، والتنازع على النفوذ والسيطرة فيما بينها. ثم يعود ليوضح كيف أن النائب العام الإيطالي. استطاع في عام 2004 الكشف عن امبراطورية كامورا الاقتصادية الهائلة تلك، من خلال أحد متاجر الألبسة في مدينة شيمنيتس الألمانية، حيث أتضح أن أحد موظفي المحل هو المالك الأصلي له وأنه عضو في تنظيم سيكوند يجليانو، ومن خلال مراقبة الهواتف واقتفاء تحركات واتصالات هذا الموظف، تم الكشف عن متاجر عديدة تابعة للتنظيم في ألمانيا، إسبانيا، بروكسل، فيينا، البرتغال، فنلندا، دبلن، لندن، سراييفو، بلجراد، فضلاً عن الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية، بالإضافة لاستثماراتهم في الخليج العربي وشمال أفريقيا. واتضح أن حشوداً من الزبائن تدافعت زرافات إلى مراكزهم التجارية التي تبيع أرقى الماركات العالمية بأسعار مثالية. واكتمالاً لهذا الواقع وجد في ضواحي نابولي مختبراً يحوي قالباً لطباعة الشارة المميزة لفيرساتشي كجزء من عمليات التقليد البالغة الاتقان، التي استطاع عبرها أعضاء الكامورا التواجد بقوة في مجال تجارة الألبسة والأزياء الراقية في العالم. ويتحدث الكاتب عن زعيم تنظيم سيكوند يجليانو، باولو ديلاورو الذي كان يربح يومياً نحو 500 ألف يورو من تجارة المخدرات وحدها، فضلاً عن عشرات الآلاف من اليورو من جرّاء أعماله المتشعبة والتي لا تمت للقانون بصلة، ومنها صفقات تجارية كبرى شملت الآلاف من آلات هيتاشي وكانون وغيرها من الماركات العالمية، أغرق بها أسواق أوروبا الشرقية. يعمد سافيانو إلى تناول علاقة جماعات المافيا بالنساء، لافتاً إلى أن النساء يعتبرن الزواج من أحد أعضاء مافيا كامورا بمثابة تلقي قرض أو نيل مصدر للربح، لأنه إذا كان القدر والموهبة في صفهما فسيثمر ذلك المصدر ويصبحن هن زوجات لمستثمرين أو مديرين، أو حتى جنرالات، ويسيطرن على نفوذ غير محدود، أما أن ساءت الأمور فعلى الأقل يضمنّ حصة مالية شهرية من الجماعة تكفل لهن عيشاً آمناً. وهؤلاء النساء لا يعرفن غالباً إلا من خلال أوشحتهن السوداء في الجنازات، وصرخاتهن أثناء الاعتقالات والقبلات اللاتي يرسلنها إلى رجالهن في قاعات المحاكم. ويرصد الكاتب التطور الذي لحق بالصورة النمطية للمرأة في كامورا، والمتمثل في الأنثى التي لا تأتي بأي فعل سوى أن تكون صدى لإلهام ورغبات رجالها، أكانوا إخوة أو أزواجاً أو أبناء، ولكنها الآن تحولت إلى مديرة جادة تشغل نفسها بشكل حصري تقريباً بإدارة أشغالها وبالأمور المالية، بينما تفوق أعمال القتال والتجارة غير المشروعة إلى الآخرين. ويضرب سافيانو المثل بـ”آنامازا” إحدى الشخصيات التاريخية في المافيا وأرملة عراب افراجولا، التي تزعمت واحدة من أشد منظمات الأعمال الإجرامية نفوذاً وكانت واحدة من أوائل النساء اللواتي جرّمن لعلاقتهن بجرائم قتل تتصل بالمافيا، مشيراً إلى أن هذه المرأة لقبت بالأرملة السوداء بعد مقتل زوجها جينارو موتشيا، وظلت العقل المدبر لجماعة موتشيا لأكثر من عشرين عاماً، واستطاعت مد نفوذها إلى كل مكان وعمل علاقات مع جماعات المافيا الأخرى، وبلغت من قوتها أنها سلحت ابنها ذي الاثني عشر ربيعاً بعد مقتل زوجها مباشرة وذلك لينتقم ويقتل الشخص الذي أعطى الأمر بموته.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©