الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

شبه الجزيرة الكورية.. حرب تترنح بين الاحتمالات

شبه الجزيرة الكورية.. حرب تترنح بين الاحتمالات
11 ابريل 2013 23:23
لهيب عبدالخالق - لم تكن تلك اللحظة التي فتحت فيها بيونج يانج كوة الجحيم دافعة العالم إلى “حافة الهاوية”، على قدر من التخيل أو مفاجأة لم يتصورها الأميركيون وحلفاءهم.. لكن اللحظة الحرجة التي هزت فيها آخر الدول الستالينية أشجار المصالح الغربية، كانت كافية لتجعل ملوك لعبة الحرب يهرولون إلى ثكناتهم، ويجمعون أساطيلهم باتجاه عقرب الساعة الذي أشر أزمة جيوبوليتيكية، قد تشعل في أدنى مراميها مواجهة غير محسوبة العواقب. فقد عصفت كوريا الشمالية بحالة السلم بينها وبين جارتها الجنوبية وأعلنت الحرب وألغت الاتفاقات المعقودة بينها وبين العالم، وحشدت ترسانتها الصاروخية على حدودها، وهددت باستهداف الأراضي الأميركية، واليابان ناهيك عن كوريا الجنوبية، وأعادت فتح منشأة نووية كانت أغلقتها في اتفاق نجم عن المفاوضات السداسية، التي أخذت من الكوريين أكثر مما أعطت. الأزمة التي فجرتها بيونج يانج لم تكن في غفلة من الزمن الأميركي المنطلق إلى استراتيجية العالم الجديد، لكنها جعلت السياسيين ينظرون مرة أخرى للاعبي الجيوبوليتيك الذين سماهم زبيجينو بريجنسكي في كتابه رقعة الشطرنج “ اللاعبون الرئيسيون في عالمنا الجديد”. وبالطبع لم تكن كوريا الشمالية ولا الجنوبية من بين هؤلاء اللاعبين، فما الذي حدث وجعل العقارب تتوقف برهة عند الشرق الأقصى وعلى أصغر وأفقر أبوابه، وسط البراكين التي تتأجج في آسيا وأفريقيا، وشباك المصالح الغربية التي تهتز بالتتابع؟ ولماذا فجرت كوريا الشمالية قنابلها التي بدت موقوتة في هذه اللحظة من التاريخ ؟ الذي ينظر إلى تطور العلاقة بين الأميركيين وشبه الجزيرة الكورية يجد أن هذه المنطقة كانت مهمة للمصالح الأميركية منذ ان بدأت الولايات المتحدة تبني قواعد استراتيجيتها في آسيا، وبدا الوضع في شبه الجزيرة الكورية وبشكل خاص القضية النووية في الجزء الشمالي، من أكثر هموم السياسة الخارجية الأميركية إلحاحا. فقد أحصت واشنطن مكاسب الدور الذي يؤديه برنامج بيونج يانج النووي في الاستراتيجية التي يعتمدها النظام الحاكم فيه لبقائه. وللانصاف، فإن الشماليين قارنوا المكاسب التي يمكن أن تتحقق بالدعم الاقتصادي الذي ستقدمه أميركا واليابان والصين، والمفاعلات التي ستؤمن الطاقة الكهربائية الكافية للشعب الفقير مقابل إغلاق مفاعلات نووية والإبقاء على بعض القوة الصاروخية، ولذا كانت مطيعة في القبول باتفاق إطار مع الأميركيين عام 1994، لم يتحقق منه سوى زيادة خنق الدولة الفقيرة مقابل تصعيد العلاقات مع الجنوبيين وتعزيز قدرتهم العسكرية. ولذا كانت بيونج يانج متوفزة مثل ذئب جريح، للقفز فوق كل المحرمات والمحظورات، وشكلت رأس حربة تجاه الشواطئ الأميركية.. تلك الشواطىء التي لم تهتز منذ حادثة بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية، وأزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا عام 1959. والواقع فإن الأراضي الأميركية كانت طوال عقود من حروب الولايات المتحدة حول العالم، بعيدة تماما عن كل استهداف أو أي خطر جدي، مما يضع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم أمام أكبر تحد واجهته إدارة أميركية. ربما استشعرت كوريا الشمالية نفس الخطر الذي هز خليج الخنازير عام 1960، فكانت الأزمة الأخيرة كرد فعل على التدريبات العسكرية السنوية بين أميركا والجارة الجنوبية، واستخدام الطائرات الأميركية “بي-2 “. حسابات الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون لم تغفل عن احتمال فقدانه دعم الصين وروسيا، اللتين مررتا قرار مجلس الأمن رقم (2094) والذي عدته بيونج يانج الأقسى. كما أنه لم يتردد كثيرا في إعلان سقوط إتفاق الهدنة الموقّع في العام 1953، و”حال الحرب” مع كوريا الجنوبية. فحشد قواته على الحدود المشتركة مع الجارة الجنوبية، بالتزامن مع نشر وتوجيه صواريخ بعيدة المدى نحو أهداف داخل الأراضي الأميركية وفي كل من اليابان وهاواي وجوام. ولم يوفر أون شن حملة إعلامية عنيفة على كل من واشنطن وسيؤول، مهددا بضرب “العمق الأميركي، والقوات والقواعد الأميركية والكوريّة الجنوبيّة في آسيا والمحيط الهادئ”. لقد أراد “كيم الثالث” كما يحلو للكوريين تسميته، من وراء تصعيد خطاب التحدي للإدارة الأميركية، دفع المجتمع الدولي لتدخل ايجابي بغية نزع فتيل الأزمة، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوريا الشمالية وتخفيف الضغوط الممارسة عليها. ووفقا للرئيس السابق لأركان قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية فيكتور يسين، فإن هذه ليست المرة الأولى التي تهز فيها صواريخ كوريا الشمالية شباك المصالح الجيو استراتيجية وليس “أول ابتزاز وتهويل من جانب القيادة الكورية الشمالية” (2 أبريل-2013 موقع روسيا اليوم). فقد سبق أن لوحت بيونج يانج بتوجيه ضربة صاروخية بهدف الحصول على مساعدات اقتصادية. وسبق لجد ووالد كيم جونج أون أن استعانا بهذه الطريقة. لكن الواقع يلزم بالافتراض أن الشماليين لن يخاطروا بحرب نووية أو يتورطوا في نزاع يعرفون أن كفته لن ترجحهم، فالعالم كله سيكون في الطرف المقابل، بما فيهم حلفاء الأمس واليوم. ولابد من رؤية الواقع الذي تفترشه كوريا الشمالية على حدودها الأكثر إيلاما لأميركا والحليف الجنوبي واليابان، وهي زوايا المصالح التي قد تنصب عليها حمم بيونج يانج. وتوضح الدراسات والخبراء والمصادر الاستخبارية العسكرية المختلفة أن لكوريا الشمالية إمكانات عسكرية معينة، فقد أجروا 3 تجارب نووية، ويمكن توقع امتلاكها بعض الذخائر النووية، وهي على الأرجح على شكل قنابل جوية، لأن تصنيعها أبسط بالمقارنة مع تصنيع حشوة نووية يزود بها صاروخ باليستي أو عابر للقارات. كما أن لدى كوريا الشمالية صواريخ باليستية يبلغ مداها بين 1000 الى 1300 كيلومتر من طراز “نادون-1” و”سكود- بي” “و”سكود أس”. لكن ليست هناك تأكيدات تدل على تصنيع حشوات نووية لتلك الصواريخ. إضافة إلى أن بيونج يانج أطلقت أواخر العام الماضي قمرا صناعيا. ويجري فيها الآن نشاط لتصنيع صاروخ بعيد المدى، وفي حال نجاحها في صنع صاروخ “تيبخودون-2” الذي يجرب حاليا، فإن مداه سيبلغ 5 آلاف كيلومتر. وبشكل آخر فإن التوتر الحالي الذي أججته بيونج يانج يمكن إيجاز دوافعه بالآتي: 1- يحاول كيم جونج اون تعزيز نفوذه وهيبته في ولايته الحديثة، بالحصول على دعم الجيش، وإبراز سيطرة القوى الأمنية على وسائل الإعلام وعلى وسائل الحياة الداخلية. فلا يمكن للزعيم الكوري الشمالي الاستمرار في السلطة دون الحصول على “هيبة خارجية” تعزز هيبته الداخلية وسطوة حكمه. 2- يواجه الزعيم الكوري الشمالي داخليا خلافات بين قادته العسكريين على تحديد ملامح استراتيجيته، فقسم منهم يرى أن من الضروري امتلاك قوّة صاروخيّة نووية لفرض النفوذ على كامل آسيا والمحيط الهادئ، وللعب بين “الكبار” على المستوى العالمي. بينما يحبذ البعض الآخر استخدام ورقة “النووي” للمناورة فقط، ولتعزيز الشروط التفاوضية مع العالم الخارجي، ويبدو أنّ سطوة الفريق الأوّل تتوسع داخليا. 3- تصعيد كوريا الشمالية يستتبع بالضرورة رفع المكاسب التي يمكنها الحصول عليها مقابل تهدئة الوضع . فتوتر الأوضاع في آسيا ومنطقة الباسيفيك لايناسب القوى الكبرى هناك كروسيا والصين واليابان، وهي القوى التي تضغط حاليا لوقف التصعيد. ويعني ذلك أن كوريا الشمالية تسعى لإعادة تحريك باقة المساعدات المادية والعروض الاقتصادية التي كانت تحصل عليها قبيل التجربة النووية الأخيرة التي تسببت بتجميد تلك التقدمات، والتي ضغطت واشنطن بكل ثقلها من أجل تجميدها وتشديد العقوبات على الدولة الشيوعية معها، حيث تعدها الولايات المتحدة “دولة مهددة للسلم العالمي”. 4- استفزت الولايات المتحدة القيادة الكورية الشمالية لافتعال أزمة، لإتاحة تعزيز نفوذها العسكري في آسيا ومنطقة الباسيفيك . فقد نشر الجيش الأميركي المزيد من أنظمة الرادار في اليابان، وعزز وجوده العسكري في قاعدته البحرية في كوريا الجنوبية، ونشر المزيد من الصواريخ الاعتراضية في إحدى قواعده بولاية آلاسكا الأميركية. واشنطن إذا دفعت إلى اشتداد الأزمة لتمرير أجندات جيوسياسية في منطقة الباسيفيك، وقد أشار إلى ذلك وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عندما دعا الأطراف المنغمسة بالأزمة، بما فيها واشنطن، إلى “الامتناع عن استعراض قوتها العسكرية، وتجنب استخدام الوضع الراهن لتحقيق أهداف جيو-سياسية في المنطقة بالوسائل العسكرية”. كوريا “كيم جونج أون” إذن تلتحف بالردع لتوفر سلة غذاء لجياعها، وتشعل التكهنات وسباقات التسلح لكي تتخلص من عبء العقوبات التي أثقلت كاهل شعبها، مدفوعة دفعا إلى أتون حرب تترنح بين الاحتمالات. لقد تيقن الكوريون الشماليون أن الولايات المتحدة وأطراف المحادثات السداسية لم يكونوا يوما جادين في سعيهم لإطفاء خطورة برامجها النووية، فقد أخذوا أكثر مما أعطوا الدولة الفقيرة، وبقيت أصابعهم تضغط على أعناق الفقراء فيها، حتى قفزت تلك الأرواح لا تلوي على شيء، فأحرقت المراكب خلفها ووقفت عارية إلا من خيار واحد..حافة الهاوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©