الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الجنوبية.. دروس من كارثة العبّارة

23 ابريل 2014 00:37
إدوارد تِنر أستاذ زائر بجامعتي راتجرز وبرينستون الأميركيتين مع تلاشي الآمال في إنقاذ الـ271 راكبا الذين ما زالوا مفقودين بعد انقلاب العبّارة الكورية الجنوبية «سيوول» وغرقها الأربعاء، قد لا يكون من المبكر استخلاص الدروس والعبر من هذه الكارثة. وإذا كان رد الفعل الكوري الجنوبي الأولي هو الإشارة إلى «الخطأ البشري» والسعي لتوقيف قبطان العبارة ونائبه وعضو آخر من الطاقم، فإنه من المهم أخذ ثلاث نقاط في عين الاعتبار في وقت تتواصل فيه التحقيقات. أولاً، إن القليل من الكوارث الكبيرة لديها تفسير واحد. في بعض الحالات، يلعب الخيال دوراً كبيراً في ملء الفراغات في قصة غير مكتملة. وعلى سبيل المثال، فإن حريق شيكاغو الكبير لعام 1871 من شبه المؤكد أن سببه لم يكن إسقاط بقرة السيدة أوليري لفانوس. والواقع أن علماء الفلكلور، أو الثقافة الشعبية لديهم كلمة لوصف إضافة بعض التفاصيل بعد ضياع المعلومات الأصلية – الشحذ؛ ولكن السبب كثيرا ما يكون مجانباً للواقع. فالفقدان الكارثي للأرواح والممتلكات عادة ما يؤشر إلى تضافر قاتل لظروف غير مرجحة، لا شيء منها كان يمكن أن يكون قاتلاً في حد ذاته. فلو أن شيكاغو لم تكن مدينة مصنوعة من الخشب في معظمها، ولو لم تكن ثمة فترة جفاف طويلة، ولو كان الجو هادئاً، ولم تكن ثمة رياح قوية...إلخ. هذا المبدأ ينطبق أيضاً على معظم حوادث الغرق الكبيرة زمن السلم، ولنتأمل هنا مثال سفينة «تايتانيك». فالبحر الهادئ والظروف المناخية منعاً المراقبين من رؤية جبل الجليد قبل فوات الأوان؛ وارتطام الجليد البحري بهيكل السفينة أدى إلى انبعاج الصفائح المعدنية. وعلاوة على ذلك، فقد كانت ثمة مشاكل في الاتصال مع سفن أخرى، وبالتالي، فبغض النظر عن إجراءات السلامة التي نتخذها، هناك دائماً بعض الحالات التي تتضافر فيها الثغرات، وعليه، فمن غير المستبعد أن تكون «سيوول» قد شهدت مثل هذا التضافر المميت. ثانياً، ربما تتحمل المنظمات مسؤولية أكبر عن الكوارث مقارنة بالأفراد، ذلك أن الوكالات والشركات التي يفترض أنها مسؤولة عن السلامة قد تتجاهل الممارسات الهندسية الجيدة في سبيل تحقيق ما تسميه أهدافاً عاجلة. وعلى سبيل المثال، ففي دراستها لقرار إطلاق المكوك الفضائي «تشالنجر» عام 1986، أشارت عالمة الاجتماع «دايان فوجن» إلى ما سمته «تطبيع الانحراف». ذلك أن ثقافة مثل ثقافة وكالة «ناسا»، التي تصبح منشغلة على نحو مبالغ فيه بالميزانيات والجداول الزمنية، ربما تصبح مع الوقت غير مدركة لحقيقة أنها أخذت تشجع أعضاءها على ركوب مخاطر غير مقبولة من أجل التقيد بتلك الميزانيات والجداول. وفي حالة العبّارة التي تحمل اسم «سيوول»، علينا أن نتجاوز القبطان، وننظر إلى بقية الضباط وإجراءات الشركة، فطبيعة «سيوول» باعتبارها عبّارة تنقل المركبات التي تتم قيادتها إلى جوف السفينة (خلافا للمركبات التي تُحمل بواسطة الرافعات إلى سطح السفينة) يمكن أن تجعل السفن غير مستقرة إذا غمرتها المياه، فهل هناك احتياطات خاصة يتم اتخاذها تحسبا لما قد تُحدثه الأشياء الطليقة وغير المثبّتة من أضرار؟ ثم إن ضابط الاتصالات صرح بأنه لم يشارك في مناورات الإخلاء ولم يكن لديه الوقت لقراءة دليل الإخلاء، فهل تم تزويده وبقية الضباط بنسخة مختصرة تحوي رسوما بيانية لعملية الإخلاء ؟ وبالمقابل، فإن المساءلة الصارمة على نحو مبالغ فيه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، ذلك أن بعضاً من أكبر الكوارث حدثت تحت إشراف ضباط مخضرمين وذوي تجربة طويلة. ففي 1977، مثلا، عندما أصبحت اتصالات برج المراقبة مع طائرتين على أرض المطار مشوشة في «تينيريفي» بجزر الكناري، اصطدمت طائرة «كي إل إم 747» مع طائرة «بان أميركان 747» في مدرج يلفه الضباب، ما أسفر عن مقتل 583 شخصاً. كان ربان طائرة «كي إل إم» من أمهر ربابنة أوروبا، وأكثرهم احتراماً؛ ولكن أحد الأسباب التي أفضت إلى الحادث، كما خلص إلى ذلك المحققون، هو أقدميته. ذلك أن الضباط الأقل تجربة الذين كان ينبغي أن يشككوا في قراراته ربما ظلوا صامتين. فهل كانت ثمة مشكلة مماثلة على متن «سيوول»؟ وهل كان الضباط وأعضاء الطاقم واعين بالمشكلة الممكنة ولكنهم كانوا يخشون التبليغ عنها؟ ثالثا، إن الحشود تتفاعل مع التكنولوجيا على نحو غير متوقع. فالجانب الأكثر إثارة للجدل بشأن غرق العبّارة «سيوول» كان هو قرار الطاقم توجيه تعليمات للركاب بالبقاء في غرفهم، وهو ما قد يتبين أنه كان خطأ قاتلاً، بل إجرامياً، غير أنه على متن سفينة غير مستقرة يمكن أن يكون تصرف الركاب أمراً من الصعب توقعه. ففي 1915، مثلاً، انقلبت السفينة البخارية «إيستلاند»، التي استُأجرت من أجل رحلة لفائدة عمال مصنع «ويسترن إيليكتريك» الشباب، والمعروفة بأنها معرضة للميلان، في مكان رسوها في نهر شيكاغو، وعلى متنها أكثر من 200 صاروا محتجزين، وقد كان عدد كبير من الركاب على جانب واحد من السفينة، ربما لأنهم انتقلوا من جانب إلى آخر، عندما بدأت السفينة تميل وحاول الطاقم إعادة التوازن إليها باستعمال الأثقال. إن السبب الحقيقي لغرق العبارة «سيوول» ربما يكمن في حقيقة أن إخلاء سفينة، أو حتى بناية، هو من بين أكثر المهام تعقيداً بالنسبة للتكنولوجيا والتقدير البشري. فـ«ديناميات الإخلاء»، وهو تخصص تتقاطع فيه الفيزياء والهندسة والزراعة وعلم النفس الاجتماعي، عمره 15 عاما فقط، ولكن المبدأ مألوف ومعروف: إن كل هذه التخصصات تلعب دوراً في عملية الإخلاء الناجحة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©