الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جَمالٌ إلى درجة العَمى

جَمالٌ إلى درجة العَمى
2 أغسطس 2016 22:38
ترجمة - د.محسن الرملي وسط سوق الكتاب الذي تهيمن عليه الرواية عالميا، وأزمة بيع الشِّعر.. وليس أزمة الشِّعر نفسه، يبتكر الشعراء سُبلاً مختلفة لإيصال قصائدهم، ومنها إصدار الدواوين المخطوطة باليد مع رسومات لفنانين معروفين، وإرفاق النصوص بأقراص فيديو وموسيقى، وذهاب الشعراء بأنفسهم للبحث عن القراء عبر الإكثار من أمسيات التقديم في المكتبات والمدارس والمقاهي والساحات، والقراءات المصحوبة بالمشاهد المسرحية، والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ومضاعفة عدد المهرجانات الشعرية في الدول والمدن والقرى الصغيرة، والترجمة إلى كل اللغات الممكنة، وهي الصيغة التي اتبعتها الشاعرة الإسبانية المعروفة بيغونيا بوثو BEGONYA POZO لإيصال ديوانها الأخير (نوبونكه.. فقرات من روما) الذي نشرته في كتاب واحد، وبترجمته إلى ثلاثين لغة، مرفقة بتخطيطات تفصل بينها، استوحتها الفنانة آغنيس داروكا من مناخات الديوان، ويضم ثلاثين قصيدة مكثفة تتوخى الشعر الصافي أو لبّ الشعر، فإذا كانت الروايات التجارية تتنافس بتزايد صفحاتها والحجوم، يلجأ الشعر إلى منافستها بالتكثيف إلى أقصى الحدود. تكتب بيغونيا بوثو بثلاث لغات، هي الإسبانية والإيطالية والكاتالونية التي تعد الآن من أبرز الأصوات الشعرية فيها، وأسست جائزة ثيسار سيمون التي تُمنح سنوياً لأفضل ديوان مكتوب بالكاتالونية، كما تشرف على جوائز أخرى تخص الشعر الذي تكتبه النساء والترجمات وغيرها. أسست (قاعة الشعر) في جامعة بلنسية، والتي تستضف فيها شهرياً أحد الشعراء من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب كونها عضواً في العديد من هيئات تنظيم المهرجانات الشعرية في إيطاليا وإسبانيا، كمهرجان طليطلة الدولي للشعر. ولِدت بيغونيا بوثو في بلنسية العام 1974، وحصلت على دكتوراه في فقه اللغة وتعمل أستاذة ورئيسة قسم اللغة والآداب الإيطالية في جامعة بلنسية منذ العام 1998 وأغلب بحوثها الأكاديمية المنشورة تتعلق بالأدب المقارن خصوصاً في الشعر المعاصر، كما أنها تدير مجلة الجامعة الفصلية المحكمة (علامات)، وتشرف على عديد من النشاطات الثقافية ضمن المحيط الأكاديمي وخارجه. من بين أهم أعمالها: (سور الليل) 2000، (زمن من ملح) 2004، (قصائد في العراء) 2011 الذي نالت عليه جائزة أوسياس مارتش، (ضربة وحشية تحت البطن) 2013، (بلا هدنة) 2015، وآخرها (نوبونكه.. فقرات من روما) الذي يعد تجربة مختلفة في أعمالها شكلاً ومضموناً، ابتداءً بالعنوان عبر كلمة (نوبونكه) التي نحتتها لتكون بمثابة الاسم لهذا المخلوق-الديوان بكل اللغات، تتلمس فيه آثار المحيط المادية والمعنوية، المكانية والزمانية على الإنسان روحاً وجسداً، وكتب المقدمة له الشاعر الإسباني فيكتور غوميث بعنوان (الجسد يعرف كيف... ألا زلت هناك؟ إلى متى؟)، واصفاً قصائد الديوان بأنها تتميز بالترحال بين الداخل الإنساني والخارج، وتترصد الحركة الخفية المصاحبة لهذا الترحال. وقد أُقيم لهذا الإصدار الجديد كثير من حفلات التقديم وأمسيات القراءة، وما زالت مستمرة، منها في عدة مدن إسبانية وتشيلية وبرتغالية وإيطالية، كما حظي الديوان بردود الأفعال المشيدة به عبر المقالات النقدية التي كتبت عنه ومن خلال العروض من فنانين تشكيليين لتحويل جزء منه أو كله إلى أعمال فنية، كترجمته اليابانية لتكون على شكل لافتة أو سجادة طولانية مصحوبة برسوم يابانية تقليدية، ومنها على شكل لوحة تُطوى وتُفتح كخرائط المسافرين أو اتخاذ قصائده القصيرة ورسوماته كمادة لتصميم تقويم سنوي فني.. وغيرها، وهنا نقدم ترجمة لهذا الديوان إلى العربية، مع الحرص على الحفاظ على بنيته التقنية، وإيصال حساسيته الشعرية قدر الإمكان. الآن وحسب، أعتقد بأنني قد فهمت حقيقة معنى، حُب: عندما يفيض كل شيء ولكن لا شيء يكفي. *** على الأرصفة المُتَكسّرة بفعل تقادم الزمن تجازفين بالجِلدِ. ستأتي ليلة اللوز ولكن.. سيكون الوقت متأخراً. *** شراشف خضراء تلامس حلمكِ. وعندما تستيقظين سيختفي الطعم المتبقي في الفم تماماً.. مِثل ليلة الأمس. *** غيوم منتفخة تتجفف أيضاً تحت المظلة. طالما تسيرين هادئة. ربما لن تتبللي. *** خلف الستائر التي تُخفي الحياة تنظرين إلى الشمس: بعينين متعَبتين ثمة نور أكثر من اللازم لكِ. *** بلا اكتراث نكهة القهوة والشارع يَمران كل يوم: لكنكِ تنتمين إليهما. *** ترن في الخارج أجراس لا تُسمَع أبداً: إنها الموسيقى كلها لكِ، هنا أبعد من أسوار معلَّقة. *** أوراق الأشجار تتحدث إليكِ الريح تعوي وكل شيء بلون التفاح إنه زمن الهَدهَدة. *** غسيل أبيض مثل جلد ناعم على حبل الغسيل. تودين لو تطيري بأجنحة أصيلة.. مزيفة. *** الذبابة البلهاء ذاتها تصر في محاولاتها مع النافذة ترشين السم عليها بغضب وتنظرين احتضارك. *** المساء الضاج: يأخذ أكفاً مسرعة إلى التضحية. وبعد الليل الطويل ينتصر الفراغ ببطء. *** شمس ناعمة في آخر أيام سبتمبر. لا.. تبللي القلب: إنه بالغ الرقة. *** وجهكِ مرسوماً بالشموع. تُصلين وتُعطري بالبخور بيتك المُختَرَع. *** النعاس يعطلكِ بينما أنت تناضلين ضد الكابوس: في القبضات المقفلة، لا زال.. يكمن اللغز. *** على الهاتف يتحول الصمت إلى كبسولة خشنة. تقتلعين بحزم الضمادة المتسخة. *** كوة الحائط المستعملة التي تحتضن دائماً عظاماً ورَمادا. مرة بعد أخرى ثمة مساحة أقل للموت. *** تدق من أجلك مثل مُعجزة هذه النواقيس. إنها الحادية عشرة والنصف من يوم.. كباقي الأيام. *** تتنفسين تحت الغطاء على إيقاع المخمل الأخضر. الكفّان على النهدين يتشمّمان رائحة الجِلد. *** كل هذا الجمال يؤذي العينين. تحديداً ولهذا تُقرري أن تفتحيهما أكثر وتُصابين.. بالعمى. *** مثل قطرات على الشرفة الخاوية هكذا أنتِ أيضاً خفيفة وصغيرة تصطدمين بها. *** يغَني الجُدجُد يغَني الضمير العادل .. والهائج. الذي يقضم في الليل اللحم المُمَزَّق. *** بعينين مفتوحتين تشمين الغرفة القديمة. تجلسين. وبنظرة حميمة تقيسين نفسك، وتصمتين. *** بين أصابع ذائبة ممزوجة بلعاب وأسنان سوداء، يتقيأ الجنون بقايا الغرق. *** (إلى كريستينا علي فرح) صوتكِ الإفريقي يأخذني من يدي. منذ زمن طويل، لم أحس بالأرض تنبض هنا. *** طريّ جداً هذا الجسد المنطوي على الرغبة. ولا زلتِ هناك تتسائلين: إلى متى؟ *** مثل بذور ليمونة هما.. عيناه الجميلتان: تلحسينهما أولاً، ثم تأكلينهما بحُب. *** (إلى أمي) الأصابع المقوّسة ليديكِ ليست مشوَّهَة.. وإنما لها شكل الزمن، آثار لمسات ودَم. *** الأوراق الحمراء المهجورة بشكل مفضوح على الدرجات الملساء .. تقودكِ للانزلاق. *** تعلمتِ أن تحسدي النوارس فهي دائماً أزواجا. ياه.. إن الاستعارات لا تتحسسك في الظلام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©