الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشخصية مفتاح الرواية

الشخصية مفتاح الرواية
10 ابريل 2013 20:39
صدر مؤخراً عن دار التكوين بدمشق، الترجمة العربية لكتاب «أثر الشخصية في الرواية»، وهو كتاب معروف في الأوساط الأدبية للناقد الفرنسي فانسون جوف، وقد قام بترجمته الناقد والمترجم المغربي لحسن أحمامة الذي سبق أن قدم الترجمة العربية لكتاب «شعرية الرواية» للمؤلف نفسه. ويقول المترجم في توطئة الكتاب، أن أهمية هذا الكاتب تكمُن في كونه يُوسع من دائرة تحليل الشخصية، باعتبارها أحد مكونات النص الروائي. ويضيف المترجم مُقدماً هذا الكتاب القيّم: «ظل تحديد مفهوم الشخصية، بوصفه الأكثر عناداً في التحليل الأدبي، غامضاً لحقبة طويلة من الزمن، ما أدى بالعديد من النقاد والباحثين إلى صرف النظر عنه أو اعتباره قضية ثانوية. فمنذ أرسطو طرأت تحولات عدة، إذ اعتبرت الشخصية تابعة لمفهوم الحدث بالقياس إلى العمل التخييلي، ذلك أن الحدث هو ما يحدد وظيفة الشخصية التي لا تعدو أن تكون أحد مؤثتاته». ويؤكد المترجم أنه مع القرن التاسع عشر، سيحتل هذا المفهوم مكانة بارزة في الفن الروائي بعد أن بات وجوده مستقلاً عن الحدث. جاء هذا التحول نتيجة للقيمة التي منحت إلى الفرد مع الثورة البورجوازية، لكن ما لبثت هذه القيمة أن انحسرت مع بداية القرن العشرين، كما حدث على سبيل المثال مع شخصيات بيكيت وفوكنر وكافكا، حيث ساد التشكيك في كل شيء، وساد الاعتقاد في لا جدوى الوجود. ولعل ما شاب حقيقة الشخصية من خلط تمثل في عدم التمييز بين الشخصية كمكون تخييلي والشخصية كذات فردية أو كجوهر سيكولوجي، ولقد أسهم في ذلك نقاد الأدب المتوسلون التحليل النفسي، ما أدى إلى المبالغة في تناول الشخصية. ولئن غيّب الأدب القديم جانب الشخصية، مِؤكداً الأفعال الضرورية لمسار الحكاية، من حيث هي أحداث مرتبطة بهذا المكون، فإن السرود التي ستأتي بعد ذلك اقتضت أن تكون الأحداث والوقائع التي تضطلع بها الشخصية متسقة مع طبيعتها المزاجية. فمن اعتبارها تابعة إلى الحدث إلى اعتبارها وظيفة أو بنية تخييلية، أو وظيفة نحوية، أو علامة، ستظل الشخصية مفهوما زئبقياً يأبى عن كل تحديد صارم. وهو ما نبهت إليه فرجينيا وولف حين قالت «دعونا نتذكر مدى قلة ما نعرفه عن الشخصية». ولعل ذلك يجد تأكيده في التصورات المتباينة عند المنظرين والنقاد. إذ إن تعدد النظريات والمناهج، لا يعني الخلل والاضطراب، وإنما يعني تعدد المنظورات التي يرى بها إلى هذا المفهوم النصي وإلى تعدد التأويلات. وسواء كانت الشخصية ـ حتى في تصور بعض الروائيين أو النقاد ـ كائناً ورقياً أو بنية تخييلية، فإنها تجد مرجعها في العالم الواقعي، باعتبار أن الرواية تنهض من المجتمع، أي أن ثمة معادلاً لها في الكون الواقعي. هذا المرجع هو الكائن البشري. والدليل على ذلك وسم الشخصية الروائية باسم علم عند العديد ـ إن لم تقل كلهم ـ من الروائيين، بل إن البعض منهم يطلقون على شخصياتهم أسماء كشخصيات تاريخية. بنيتان نصيتان وبحسب المؤلف، أنه بصرف النظر عن المؤلف الضمني والقارئ الضمني، من حيث هما بنيتان نصيتان، ثمة مؤلف حقيقي يضطلع بكتابة الرواية التي لن يتحقق حضورها إلا بالقارئ الحقيقي، أي أن بناءها الفني وتلقيها الجمالي مرتهنان بشخصين حقيقيين يوجدان أو وجدا في الزمان والمكان الفعليين. هكذا، فالشخصية التخييلية نتاج غير مفارق للواقع بكل تناقضاته ومفارقاته. إن الرواية تعبير عن الإنسان. ولكن من هو الإنسان؟ تلك هي المسألة. لسنا هنا بصدد القيام بنوع من الإسقاط، وإنما نروم من ذلك تبيان صعوبة تحديد الشخصية على نحو شمولي. فإذا كان من البله أو من العبث معرفة الذات البشرية، فكيف بالإمكان معرفة الشخصية معرفة عميقة؟ لقد تعددت تعاريف الإنسان، لكن لم يتوصل إلى حد الآن ـ في حدود علمنا ـ إلى كنهه، أي حقيقته رغم المساعي الدائبة والجادة في علم النفس، والأنثربولوجيا والمعارف الأخرى. الإنسان ذلك الكائن المجهول كما كتب أحدهم. بل قد نجازف بالقول إن كل ما كتب عن الكائن البشري لا يعد وكونه الجزء البارز من جبل ثلجي يختفي جزؤه الأعظم تحت الماء. وما خفي كان أعظم. وهل نجحت الفنون عامة في تقديم تفسير شامل للطبيعة البشرية؟ لو تسنى لها ذلك لبلغ الإبداع عموماً نهايته، ولتوقف المبدع عن الإبداع، لأن إدراك الشيء في كليته يعني انقضاءه ونهايته. على أننا لا نتغيا من كل هذا الحط من الإسهامات النظرية في تصور مفهوم الشخصية، ولكن نبغي من ذلك التأكيد على كون هذه الإسهامات كانت جديرة بالاهتمام، من حيث توسيعها لهذا المفهوم الشاسع و اللامتناهي. في هذا الصدد، فمؤلف فانسون جوف أثر الشخصية في الرواية الذي يقارب هذا المكون الروائي من منظور فينومنلوجي، يضعنا في صلب هذا الموضوع الشائك، من خلال عرض لا يدعي الشمولية كما يؤكد الناقد على ذلك، وإنما النظر إلى الشخصية من جانب تلقيها. كيف نتلقاها، كيف ندركها من خلال الاستراتيجيات التي يقترحها علينا جوف. وهي استراتيجيات يشكل فيها التفاعل بين القارئ والشخصية المحرق الأساسي، علماً بأن الشخصية صعبة الإدراك على طول المتخيل الروائي. مقتطفات ونظريات ولئن كانت إحدى هنات هذا الكتاب الجدير بالقراءة، متمثلة في الاقتصار على مقتطفات من بعض الروايات العالمية، دون النظر إلى الشخصية في مجملها على طول المحكي الروائي، فإن ذلك لا يعدو كونه استراتيجية تغياها الناقد لاختبار مدى مصداقية وإجرائية تصوره النقدي، آملاً، في ما نعتقد، تمثل هذا الجهاز وتطبيقه من قبل الباحثين والنقاد، على النص الروائي كلية. ولعل ذلك يتضح من خلال تذييل الكتاب بملحق يحلل فيه مقتطفاً مهماً من رواية أوهام ضائعة لبلزاك. يستند الجهاز النقدي عند جوف على مرجعية مهمة تشمل السيميائيات البنيوية ونظرية التلقي، وعلم النفس والأنثربولوجيا، وغيرها، هدفه في ذلك الوقوف عند تجليات الشخصية واستجلاء أهم جوانبها، ومحاولة إدراك مظاهرها الخارجية والداخلية في سياق تفاعلها مع القارئ. ولذلك، فالكتاب يزخر بمصطلحات نقدية، بعضها مألوف عند القارئ المتخصص، وبعضها لم يسبق أن وجدت معادلات له في حدود علمنا. ولقد اجتهد المؤلف قدر الإمكان في نحت مصطلحات عربية قادرة على تقريبها من القارئ، علماً بأن أغلب المصطلحات النقدية، وإن لم تكن كلها، ذات أصول غربية. ويقول المترجم إن جهده في ترجمة هذا الكتاب قصد المساهمة في توسيع الممارسة النقدية في العالم العربي، الذي ما زالت الترجمة فيه متلكئة بالقياس إلى ما يترجمه الغرب من أعداد هائلة من الكتب في شتى مجالات العلوم والمعارف، وما زال ينظر إلى المترجم في العالم العربي نظرة تحط من شأنه ومن قيمته، وكأن الترجمة ليست سوى ممارسة آلية تخلو من كل إبداع وفن، بل ليس التطور بحاجة إليها. ولعل ذلك أحد أسباب تخلفنا عن مسايرة التطور السريع الذي يشهده العالم برمته، مع العلم أن الفعل الترجمي هو البوابة الكبرى للوقوف أمام تحديات العصر.ولعل ثاني أسباب هذه النظرة الدونية إلى الترجمة وممارسيها، يؤول إلى غياب سياسة تعنى بهذا الشأن، وتوليه الأهمية البالغة التي يستحقها، وذلك بإنشاء مؤسسات تحتضن العاملين في هذا الحقل، بغية تبادل الخبرات والتجارب. لنذكر هنا بالدور الرائد الذي لعبه بيت الحكمة، في عهد الخليفة العباسي المأمون، وما صاحب ذلك من ترجمة لأمهات الكتب كانت أساس نهضة عربية إسلامية لم يبلغها العصر الراهن. ولذلك لا نجانب الصواب، إذا قلنا إن أساس كل تقدم قائمٌ على الترجمة التي توسع من دائرة الانفتاح على الآخر، وتغلق باب العزلة المفضي لا محالة إلى إقصاء الذات. وإذا كان أساس التقدم هو الترجمة، فأساس الانفتاح هو المثاقفة والتسامح من حيث هما قيمتان حضاريتان تعليان من شأن الفرد، وتقصيان الصدامات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©