السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في حضرة الخير والشر

في حضرة الخير والشر
10 ابريل 2013 20:37
بدأت الأعمال الإبداعية الروائية العربية في الآونة الأخيرة تتسابق وتتنافس حول كتابة القضايا الإنسانية الحساسة والمسكوت عنها، والمتروكة في أطراف الزمان والمكان والذاكرة، باستاتيكية مقصودة من المجتمع الذي يمعن في إقصاء ونفي الآخر الضعيف والمهمش والمنبوذ. هذا النفي الإنساني للآخر كان واحدا من مدارات الحكاية المحركة لسرد رواية «في حضرة العنقاء والخل الوفي» للروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، الذي التقط بعدسته الإنسانية الشفافة قضية من أهم القضايا الإنسانية المعاصرة في الخليج العربي بشكل خاص، وبلدان العالم أجمع بشكل عام، وهي قضية البدون عديمي الجنسية، ومسلوبي حقوق المواطنة، من بلاد يستوطنون بها ويعيشون بها بقانون الفعل. فهم متشابكون معها بكل متعلقات الانتماء، ماعدا صيغة اعتراف رسمية بهم من الكيان السياسي الحاكم. في هذه الرواية يقترب المؤلف بمجهره العميق محدقا برؤية فاحصة لبواطن الأمور ومحاذياتها.. يرجع إلى التاريخ، وبدايات القضية، ويرصد تسامحا كبيرا مع القضية، لدرجة ان الفوارق تكاد تكون متلاشية بين البدون والكويتيين. ويبدأ الزمن السردي باسترجاع الماضي من خلال كتابة الرسالة التي أتت على شكل حكاية سردية زمنيا متصاعدة من الماضي إلى الحاضر، تتشابك فيها الشخصية الرئيسية المنسي بن أبيه، مع الشخصيات الأخرى، لتتفاقم صور المعاناة الإنسانية لمنسي، ويصبح كيانا مكتظا بالانفعالات الداخلية وهاديا من الخارج، ولا سيما وهو يطلع ابنته بمتن حكايته فيسرد منسي الموجوع حكايته انطلاقا من كينونته كبدون وكيف تعامل معها المجتمع بشكل سياسي رسمي، أو بشكل إنساني خاضع لعلاقات اجتماعية. في هذه القراءة سأتناول الشخصيات الروائية من منظور وظيفتها ودورها بالنص، ومن حيث علاقتها بالشخصية الرئيسية، المنسي بن أبيه، وهي شخصيات أراها، كما هو واضح من الحكاية نفسها إنها ذات علاقات إنسانية مانحة وأخرى مانعة للخير ومسببة للشر، وتلك حقيقة نابعة من رؤيتين. الأولى: هي رؤية للحياة نفسها التي تتوالف من أشخاص يحيطون بهم ممثلون للخير وآخرون يؤدون أدوار الشر، كما هي طبيعة الحياة البشرية، وهذا ما يربطه دوما نقاد الرواية بالحياة نفسها. الثانية: هي كون منسي مسلوب الإرادة مغلوب على أمره يمثل جسد شخصية البدون المعذب في المجتمع والمضغوط عليه سياسيا، فيعيش كل مظاهر البؤس والشقاء لمن هو مغلوب على أمره، فهو إذن الشخصية المتقبلة لضربات الآخر أو لعطاء الآخر المانح الاستقرار له، هذا يفسر صمت منسي المستمر في الرواية، وعيشه بهذه النمطية السلبية. تتنوع في الرواية أنما الشخصيات، التي يمكن تفصيلها على النحو الآتي: ?1 ـ ?اللامنتمي: لقد تشكلت صورة المنسي بن أبيه كإنسان فاقد لأسباب الاهتمام بالعالم الخارجي، فهو غير منتمي إلى أي من مظاهر الحياة الإنسانية، محتفظا بها في حيز العالم الداخلي، متماهيا معها من دون التعبير عنها.. يجيب وقت السؤال، ويتفاعل عندما يطلب منه. هذه الشخصية التي تمارس المحايدة الإنسانية الكاملة لنداء الحياة، ورغباتها، وتحيد عن فعل الشر إن استطاعت، ولا تتردد في فعل الخير إن طلبت، تكون جسدا ممتدا في النص لتلقي الأفعال من هنا وهناك، فعل الخير وفعل الشر، من الأصدقاء والأعداء ينطبق على وضعية من هو مغيب ومجهول ومهمش في عالم لا يملك فيه إثباتا لوجوده. 2 ـ الشخصيات المانعة الشريرة (العنقاء ومتعلقاتها): شخصية منسي تتعرض من بداية الرواية إلى العديد من الضربات القاسية التي تهاجم هويته وانتمائه، وتجعله يتساءل بمرارة وخيبة جراء كل ضربة عن سبب حرمانه وتعذيبه على أيدي الآخر، وهذا الشر الذي أتاه جراء تعلقه بالعنقاء، عهود الحبيبة، فالزوجة، فأم لابنته وطليقته، المرأة الحقيقية، والرمزية المتحققة في حلم الانتماء الوهمي للأرض والوطن. فعهود المرأة الكويتية التي تخطط أمه لزواجه بها على أمل الحصول على وثيقة انتماء، تغريه في الزواج، وتخطط للزواج، وتقرر ذلك، قبل قدوم أخيها دكتور سعود، من أمريكا، ومن ثم تتركه في الغزو وتغيب عنه من دون سبب واضح، إلا إنها رمزيا تتماهى ومفهوم الأرض، الوطن، فغيابها هو غياب الوطن وفق ثنائية المرأة الوطن، وصمتها ما هو إلا دليل اعتباطية الظلم الذي توقعه على كيان منسي، في ظل غياب مبادئ الإنسانية التي تعذب الآخر وتقمعه (ومن هنا نرى الرابط بين العنقاء وهو طائر خرافي، وعهود التي خانت العهود، وتحولت إلى ذلك الطائر الذي لا يرى). الشخصية المقدمة لدور الشر الرئيسي في الرواية هي شخصية د. سعود، أخو عهود، الذي يقف بوصفه حاميا للتقاليد وممارسا لحراسة الطبقية والعنصرية، على الرغم من قدومه من بلد الحريات والتعددية وحقوق الإنسان بعد دراسته للدكتوراه، فإنه يبقى مختزلا بداخله منظومة الأعراف التقليدية التي تخرج إرثها التعذيبي للآخر من خلال الشخصيات المستضعفة. ومنسي واحد منها. حارب منسي قبل الغزو وطلب منه الطلاق، وخلال الغزو وشي به عند قوات الاحتلال العراقية، وبعدها عند لجنة المحاكمة الكويتية، وصولا لمرحلة الطلاق النهائي من أخته عهود. هذا الطلاق الذي تم بصورة علنية مشهرة، تنافي حالة الزواج التي اختفت فيها معالم الفرح والبهجة، هي واحدة من العلامات الدالة على استحالة نجاح زواج البدون من كويتية، لأن المجتمع بكل حراسه التقليدين وقفوا ضد هذا الزواج، ومن أهم علامات ذلك زواج منسي وعهود خفية حتى من دون طقوس فرح تامة، والطلاق يتم علنا أمام القضاء وبصورة رسمية، مع اختفاء عهود ورحيلها، بعد ظهور ملامحها الشاحبة في النهاية التي تتطابق وإعياء الكويت بسبب الغزو، ولعل سعود هو صورة القامع الاجتماعي في تراتبية هذه العلاقات الاجتماعية. 3 ـ الشخصيات المانحة الخيرة (الخل الوفي): تقابل مصادر الأذى والشر في الرواية شخصيات متعددة تقف بجانب منسي بن أبيه، التي تقوم بدعمه إنسانيا وثقافيا ومدنيا من خلال تشجيعه الدائم على الاستمرار ومقاومة التغريب الإنساني به: (1) بالدراسة والكتابة والزواج، ومن ثم (2) إشراكه معهم في المقاومة الكويتية بوصفه مماثلا لهم ومندمجا معهم وليس آخرا غريبا عنهم، ومخالفا لهم، (3) قاموا بمساعدته وقت وقوعه تحت وطأة الجنود العراقيين، وإرغامه على التدرب في الجيش الشعبي العراقي، بأن حرروه من هذا الوضع، (4) ساندوه كذلك عندما حبس بتهمة التواطؤ مع العدو، بقوا معه ملازمين دوما. حقيقة كثرة المانحين وقلة الحارمين تحيل إلى حقيقة التعاطف مع القضية الإنسانية التي يتعاطف معها الكثير من الكويتيين مقابل فئة قليلة من المعارضين، المتنفذين، وهذه واحدة من دلالات العنونة في شقها الثاني (الخل الوفي). من العرض السابق تم تناول تحليل الرواية من خلال عنصر الشخصيات وفق الرؤية البنوية للسرد الأسطوري من خلال الشخصيات المانحة والمانعة، ووفقا لإيحاءات العنونة التي تتقاطع مع الأمور المستحيلة والخرافية في الثقافة الشعبية العربية: العنقاء والخل الوفي. ? كاتبة وناقدة كويتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©