الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كأنه لم يكن...

كأنه لم يكن...
10 ابريل 2013 20:36
«حافظوا على هذا البيت فهو من لحمي ودمي وأبقوا فيه ولا تغادروه حتى ولو أصبحتم خدما فيه أو عبيدا.. إن البيوت الخالية تموت يتيمة».. هذه هي الرسالة المباشرة لرواية الجزائري واسيني الأعرج «بيت الأندلس» التي خضعت لمبضع ثلاثة ناقدين في الندوة التي نظمتها لجنة أصدقاء المكتبة بمنتدى الرواد الكبار بالعاصمة الأردنية عمّان. وقد تبارى الناقدون في التجول عبر شخصيات الرواية وخاصة أحمد الموريسكي الذي عذبته محاكم التفتيش في إسبانيا، وركزوا على المشاعر التي تسيطر على اي إنسان يجبر على العيش خارج وطنه وسلطوا أضواء كاشفة على واقعنا العربي عبر مقاربة بما حدث للعرب في الأندلس. وتطرح الرواية (447 صفحة) الصادرة عن مشروع مكتبة الأسرة ومهرجان القراءة للجميع التابع لوزارة الثقافة بالأردن سؤال الرحيل والمنفى القاسي وتصور نزوع النفس إلى الحنين لوطنها الأصلي فالبيت هو الوطن العربي. انحياز وتنحاز الرواية لفكرة التسامح الديني ونبذ الحروب لأنها تتناقض مع أساس الحياة القائم على التعدد والتنوع العرقي والديني والمذهبي، وأن في الكون والحياة متسعا لبني البشر، وتحكي تاريخ العرب في الأندلس وما تعرضوا له من مآس وانتهاكات قمعية وعنصرية نفذتها محاكم التفتيش. وتسجل تاريخ العمارة الأندلسية في الجزائر وما عرفته من أحداث وانتكاسات، وكان البيت الأندلسي رمزا لها حيث تحول في فترة الاحتلال الفرنسي لبلدية ثم مقر إقامة لنابليون وزوجته إلى فضاء للغناء الأندلسي عقب الاستقلال لينتهي إلى حانة ومكان لإبرام الصفقات المشبوهة بين المجرمين ومركز لتهريب المخدرات، ومن ثم لكي يبنى برج الأندلس. وتعتبر «البيت الأندلسي» توثيقا أدبيا وفنيا لواقعنا العربي والصورة النمطية التي يعيشها، فإذا كان للاستعمار دور فيما حدث فإن الورثة الجدد فشلوا حتى في الحفاظ على مخلفات الاستعمار، فالبيت الأندلسي هو الوطن العربي ممثلا بالجزائر.. جشع الطبقات الصاعدة التي لا تتوانى عن إزهاق الأرواح والتخريب لحساب مصالحها الشخصية.. هو البلادة العربية والوطنية الغائبة.. التجارة باسم الدين وتطبيق الشريعة باسم المصالح. ومن وجهة نظر الناقدة رزان إبراهيم فإن الرواية تتخلق لغة خاصة تحيل إلى تاريخ المسلمين في الأندلس على نحو غير منقطع عن جوهر الواقع العربي بما يحمله من انكسارات متتالية، وتتحرك بين زمنين ماض تحركه مخطوطة قديمة نادرة رسمت بكثير من الدقة تاريخ عائلة من الموريسكيين وحاضر ممتلئ بأحداث الماضي. تهجير وترى ابراهبم أن الرواية تلقي أضواء على صراع عاشه حفيد البطل الأندلسي مع جماعة المصالح المسيطرة، التي بحسب الرواية مجرد أفراد أخطاوا وأبرزتهم نماذج إنسانية تعبرعن قوى تاريخية عالمية تمثل نظما دكتاتورية تتكرر ولا تنتهي «الجماعة لم تكن عدوة تراث معين وإنما كانت عدوة للإنسانية جمعاء». كما تعود بنا والحديث للناقدة رزام إبراهيم إلى لحظات التهجير المروعة التي تعرض لها بطلها غاليليو حين أجبر قهرا على ترك غرناطة التي لم يعرف سواها وطناً، وهو ما عملت الرواية على نقله بحرفية عالية وبقيت محتفظة به، مذكرة أن المشاعر التي يحتفظ بها المرء تجاه الأرض التي فارقها ليست بسيطة أبداً. ومن هنا جاء مشهد دمار البيت ليساهم في خلق وعي نقدي يتشكل ضد هدم يجرد المدينة من ذاكرتها، فيكون القارئ في نهاية الأمر قبالة نشاط جمالي لافت يعري خطاب السلطة ويفضح خاصية زمن الديكتاتور، وبالتالي يصبح هدم البيت ممارسة قمعية لا تقل شناعة عن فعل التهجير الذي مورس بحق الموريسكيين. حنين وحسب الناقدة رزان إبراهيم أستاذة النقد الحديث في جامعة البترا فإن القارئ ينخرط مع «البيت الأندلسي» في جملة من الإيحاءات السيكولوجية والفكرية المدهشة تمس حواسه عملت على تكريس حالة الحنين إلى زمن أندلسي قديم وعززت القرابة السيكولوجية بين زمنين، وهو ما استعانت فيه بحاسة شمية عبقة برائحة المكان يسترجع معها الروائي وصلات أندلسية ضائعة. ولفتت إلى أن الرواية وقد ناصبت العداء كل معتقد بخرافة النقاء البشري، تنطلق من فكرة أن أي انتماء واحد سيحصر البشر بالضرورة في موقف متحيز متعصب، ويولد أشكالاً مختلفة من أشكال القمع الناجمة عن اختلاف في الجنس والهوية. وقالت: إن الرواية تفتح الباب مشرعاً لأكثر من قضية إشكالية تحضر فيها الفكرة مع أخرى تجابهها كقضية الحروب.. من الذي يصنعها؟ ما هي جدواها؟ قضية الوجود الإسلامي في الأندلس.. هل كان احتلالاً لإسبانيا؟ وهو ما يتم عبر حوارات مونولوجية متسائلة نستمع إليها عن طريق غاليليو لكنها تدفع باتجاه لغة حوارية تحرضك على التفكير وتتظاهر بأنها لا تنحاز إلى رأي بعينه. كما تلتفت إلى أن ما يرتكب من أفعال شائنة باسم عقيدة ما لا يتهم هذه العقيدة بالضرورة، وإلا كنا اتهمنا مسيحية عرف عنها التسامح بأنها لا تحترم الحريات إذا قمنا بوضعها قي سياق محاكم التفتيش، ولذلك لا يمكن إحالة مشاهد عنف واستبداد وقع في الجزائر إلى طبيعة تمس الإسلام، وهذا لا يلغي بطبيعة الحال حضوراً لشخصيات تلحق نفسها بالإسلام عبرت عن قوى الاستبداد والظلم وتحالفت معه، وفي نهاية الأمر ننظر إليها باعتبارها وليدة عصرنا واضطراباته وتشوهاته وخيباته ولا يمكن إدراجها في خانة الإسلام. الرحيل والرواية كسائر أعمال واسيني الأعرج كما ترى رزان تمتلك حساسية خاصة تجاه المرأة، ليس باعتبارها رمزاً وإنما باعتبارها كائناً حياً شكّل مصدراً من مصادر القوة والعزاء للرجل، كما حرصت على نقل تجربة الحب بسخاء عبر أكثر من شخصية بما في ذلك شخصية «سيرفانتيس» الذي لم تعد أرض حُبس فيها غريبة بفعل حب يمنح السكينة ووهم الأرض المفقودة فكانت «زريدة» متنفسه عن إحباط أصابه، وإن كان في نهاية الأمر قد اختار تعقلاً باتجاه أرض له فيها أناس آخرون. كما يحضر في الرواية سؤال الرحيل المستمر والغياب الدائم والمنفى القاسي الذي عاشه «مراد» وسط ناس لا يشبهونه من القتلة القدامى والجدد.. يحضرالمنفى خياراً تفرضه تراجيديا الحياة، وهو ما حصل مع «سليم» حفيد مراد حين أحس بتمزق مع تراب الوطن فاختار الرحيل بعيداً عنه أي المنفى. وترى الناقدة رزان أن واسيني الأعرج عبر شخصياته يحضر الروائي ناقداً ثقافياً في حربه على نظام تحكمه مافيا العقار، ويكشف الأسلوب الذي تستخدمه المؤسسات في الهيمنة على الجمهور، ويفضح خطاب السلطة الذي يصنع الأقنعة ويصوغ خطابات مقنّعة هدفها قلب الموقع بين القاتل والضحية، وهو خطاب دأب على التلاعب بالإشارات لغرض تكوين ثقافة جماهيرية منقادة تخدم السلطة بعجزها عن التمييز بين فعل الإنتاج والتدمير، وهو ما لم ينطل على مراد وحفيده اللذين كانا قادرين على التمييز وتحديد من استفاد من دم الشهداء مطالبين أصحاب السلطة بأن يتركوا الشهداء ليناموا قليلاً. إحالات من جهته يرى الناقد والشاعر عبدالله رضوان إنه إذا الزمن التاريخي هو الأكثر حضورا وسيطرة على النص الروائي كما وكيفا، فإن دورة الحياة داخل النص متداخلة ومنسجمة في قراءة التحولات وبخاصة عبر تصوير ما يحدث من متغيرات على البيت الأندلسي نفسه ليصبح تجسيدا للجزائر بمجملها تاريخا وراهنا. وقال: إن الرواية معقدة بنائيا متعددة الأصوات وذات شخصيات كثيرة وبأصول عرقية ودينية مختلفة ومليئة بالإحالات التاريخية والوثائقية وتحقق إيهاما ناجحا تنتفي فيه الحدود بين الحقيقة التاريخية والخيال، وهو ما يحقق تداخل المتعة مع الإرباك في لحظة واحدة وهذه خاصية نادرة تحسب للرواية والروائي معا. وحسب رضوان فإنه إذا كان كتاب «مجنون الزا» نجح في تصوير خروج العرب الأول من الأندلس وغرناطة بخاصة زمن الملك أبو عبدالله الصغير، فإن «البيت الأندلسي» نجحت كرواية محققة اشتراطاتها الفنية في تصوير الخروج الثاني «المورسكي» زمن محاكم التفتيش مع دمج ذلك بما يحدث من خراب وفساد داخل الجزائر وكأننا أمام دورات تاريخية في مسيرة الفساد والتسلط ومصادرة الشرط الإنساني. إشكالية ومن وجهة نظر الناقد محمد سلام جميعان فإن الرواية تسير في خطين متوازيين، الأول تاريخي يسرد مأساة العرب في الأندلس والثاني يتناول عجز العرب عن استيعاب العولمة والحداثة، مما يؤدي إلى ما أسماه انمحاء الهويات وإلغائها والتضحية بها في سبيل اقتصاد العولمة، حيث تهيمن طبقة من المنتفعين وعصابات المافيا المالية والعقارية على البيت الأندلسي وتحوله إلى كباريه وماخور بعد أن كان رمزا للهوية والذات الجمعية. ويرى أن الرواية إشكالية من حيث طبيعة بعض الشخصيات الموجودة وبالأخص «لالا سلطانه» وهي شخصية يهودية يتعاطف معها الكاتب تعاطفا ملحوظا، وربما أستخدمها ذريعة إلى أن قتلها بطريقة بشعة، وهو شكل من أشكال تدمير التوازن والتعدد الثقافي والاندماج العرقي في نسيج المجتمع. ومن وجهة نظر إنسانية وفنية قد يكون تعاطفه مع هذه الشخصية شكل من أشكال التعالي على الصراع الديني وان الحب أقوى منه ومن محاكم التفتيش التي تعرض لها «سيدي احمد» مع حبيبته «لالا سلطانه». موقف ووفق جميعان فإن للكاتب موقف من دخول العرب شبه جزيرة أيبريا ومنها الأندلس، ويعتبره دخولا طارئا وزمنا انتهى، لأن الآخرين تشربوا الهزائم والانكسارات وما يؤيد هذا لومه الشديد لطارق بن زياد وموسى بن نصير وعبدالرحمن الداخل على ما قاموا به، ويرى في خروج العرب من الأندلس عودة كل شيء لطبيعته الأولى. ففي صفحة 89 جاء: «ثمانية قرون ونيف وكأن شيئا لم يكن.. كل شيء عاد لطبيعته الأولى، وكأنك يا طرق بن زياد ما صرخت وما فتحت.. وكأنك يا موسى بن نصير ما عزلت وما توليت.. وكأنك يا عبدالرحمن الداخل ما رفعت سيفك وما دخلت.. وكأنك يا عبدالرحمن الناصر ما ناورت وما استحلفت.. وكأنك يا منصور بن أبي عامر ما قتلت وما حجبت.. وكأنك يا محمد الصغير ما بعثت وما اشتريت لتنفذ من خرم الإبرة كأي كائن صغير.. كأنكم لم تكونوا.. كأني لم أكن». فإذا كانت هذه النهاية فلماذا دخلنا الأندلس؟!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©