الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند.. إعادة نظر في معدل التضخم

31 يوليو 2016 23:05
تستعد الهند للإعلان، في أية لحظة، ولأول مرة، عن معدل التضخم المستهدف. وهي خطوة مهمة في الطريق نحو عصرنة مؤسساتها الاقتصادية كلها، وعلى رأسها البنك المركزي. وكانت هذه الفكرة قد اقترحت منذ بضع سنوات، وحظيت بكثير من البحث والنقاش، خاصة من خلال تقرير تمت مناقشته في عام 2008 موجه إلى الحكومة الهندية السابقة من حاكم البنك المركزي الهندي «راجهورام راجان». والآن، اكتسبت اقتراحات «راجان» الصفة الرسمية بعد أخذ وردّ بين البنك المركزي والحكومة، وأصبحت جزءاً من السياسة المالية الرسمية التي تتضمن تفويضاً للبنك المركزي باستهداف معدل تضخم محدد. على أن الحجج التي أوردها التقرير حول ضرورة تحديد معدل مستهدف تبدو مقنعة، على كل حال. وكان الهدف منها هو تحقيق درجة من الشفافية في تعاملات البنك المركزي، يمكنها أن تساعد المستثمرين وتحفزهم على العمل. وهي أيضاً تؤكد أن البنك المركزي أصبح يتمتع باستقلالية أكبر. وهذا أمر مهم جداً، خاصة في بلد مثل الهند عرف عن حكومته المبالغة في ممارسة الضغوط على البنك المركزي لدفعه نحو عدم التدخل في قضايا التبذير المالي، والابتعاد عن السياسة المالية ككل. ومن المهم الإشارة إلى أن إنشاء الهيكل المؤسساتي للبنك المركزي يضفي عليه طابع المصداقية، بحيث لا تعتمد سياسته المالية بعد الآن على شخصية حاكمه. وقد ظهرت أصوات معارضة لهذه السياسة تنطوي طروحاتها على بعض النقاط المهمة أيضاً. ومنها حاكم البنك المركزي السابق لـ«راجان» ويدعى «دوفوري ساباراو» الذي قال في مذكراته التي نشرها مؤخراً: «قد يخلق السعي غير المحسوب نحو تحديد معدل مستهدف للتضخم مزيداً من المشاكل إنْ كان الهدف الرئيس منه هو تحقيق الاستقرار المالي بشكل عام»، دون مراعاة مختلف أبعاد المسألة. وتكمن القضية المهمة هنا في أن الهند ربما تستهدف الآن النوع الخاطئ من التضخم. واعتماداً على ما ورد فقد وافق كل من «راجان» والحكومة على فكرة التركيز على ارتفاع وانخفاض أسعار المستهلك بدلاً من مؤشر سعر الجملة الذي كانت تهتدي به من قبل. والنظرية التي تقف وراء هذا القرار صحيحة، وتنص على أنك إذا أردت أن تجعل من المصداقية سلاحاً لمحاربة التضخم، فإنه يتحتم عليك أن تتأكد من أن توقعات المستهلكين للتضخم في المستقبل مستقرة. وهذا يعني ضرورة استهداف الأسعار التي سيتعامل بها الناس. وعندما تم تطبيق هذه النظرية خلقت لنا مشكلة. ففي الهند، تشكل المواد الغذائية ومشتقاتها ما يقارب نصف مؤشر سعر المستهلك. وعلى سبيل المقارنة مع الهند، لا تسهم أسعار المواد الغذائية في مؤشر سعر المستهلك في الولايات المتحدة إلا بنسبة 14 في المئة. وبناء على معدل المداخيل، ينفق الهنود على الغذاء أكثر مما تنفق شعوب الدول الأكثر تطوراً. وهناك مشكلة أخرى، ففي الهند لا تتفق أسعار المواد الغذائية مع السياسة المالية. وكان البنك المركزي يدرك هذه الحقيقة عندما أشار إلى أن أسعار المواد الغذائية محكومة بعوامل تتعلق بالتخزين مثل البنى التحتية الضعيفة أو المتخلفة في المناطق الريفية، بالإضافة إلى اللوائح التي تجعل من الصعب على المزارعين بيع منتوجاتهم بشكل مباشر. ولهذه الأسباب، يمكن القول إن التحكم في التضخم الغذائي في الهند يتطلب إصلاحات زراعية شاملة، وبشرط ألا تكون من النوع الذي يشكل أولوية بالنسبة للحكومة. وحتى لو اعتمد البنك المركزي الهندي مؤشراً جديداً لسعر المستهلك، وعمل على تحديث مؤشر سعر الجملة، فسيتوجب عليه أيضاً أن يضع أسعار المواد الغذائية (وربما الوقود كذلك)، التي يصعب عليه التحكم فيها، خارج المعادلة. وبمعنى آخر، فإن الهند في حاجة لاستهداف «نواة» التضخم في سعر المستهلك. وهذا التوجّه لا يخرج عن الخط المتبع في دول أخرى. ومن بين الدول التي تعمل به الولايات المتحدة، حيث كانت الخزينة الفيدرالية بالغة الوضوح عندما اعتبرت التضخم الاستهلاكي مقياساً لزيادة الأسعار. وقبل مغادرة «راجان» لمكتبه، وهو الذي يفتخر بما قدمه فيه من إنجازات كحاكم للبنك المركزي، يتوجب عليه تصحيح هذه الغلطة التي وقع فيها. وبالنظر لما يعرف عنه من خبرة في معالجة مشكلة التضخم، فإن في وسعه أن يصحح هذا الخطأ بكل مصداقية. وعندما تمر الأيام ويأتي حاكم جديد ليغيّر السياسة، فسيُتهم بالافتقار للرغبة في محاربة التضخم، كما أن ذلك سيعيد أيضاً كل العمل الجيد الذي أنجزه «راجان» إلى نقطة البداية. ويمكن القول، ببساطة، إن الوقت المناسب لتصحيح هذا الخطأ هو الآن وليس غداً. *كاتب أميركي متخصص في الاقتصاد الهندي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©