الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلْمة.. مدينة جزائرية تستمد شهرتها من دبي

العلْمة.. مدينة جزائرية تستمد شهرتها من دبي
31 أكتوبر 2009 23:41
قبل نحو 15 سنة فقط، لم يكن هناك شيء مميز يجعل «العلْمة» تختلف عن باقي المدن الجزائرية الصغيرة، فقد كانت بدورها مجرد مدينة صغيرة تكبر ببطء بمشاريعها التنموية المختلفة التي تبرمجها السلطات، ولكن عاملاً آخر غير رسمي جعلها تتقدم فجأة بسرعة كبيرة وتلفت الانتباه وتستقطب الأنظار داخل الجزائر وخارجها، وهو بروز مجموعة من التجار الفوضويين الذين استأجروا محال بأحد الأحياء السكنية ليمارسوا فيها أنشطتهم التجارية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. في البداية لم يكترث أحدٌ بهؤلاء التجار الذين بدوا كغيرهم في مختلف أنحاء الجزائر، إلا أنه اتضح لاحقاً أنهم يمارسون نشاطاً مميزاً ويعرضون سلعاً بأسعار منخفضة مقارنة بغيرهم في كل أنحاء الجزائر تقريباً لأنهم في الواقع مستوردون ظهروا منذ إقرار الجزائر التحول إلى اقتصاد السوق وفتح مجال التجارة الخارجية للخواص منذ أبريل 1994 بعد أن كانت الدولة تحتكر الاستيراد، وقد فتح هؤلاء المستوردون محال للبيع بالجملة غالباً وبالتجزئة استثناءً، فبدأوا يستقطبون تجار التجزئة من مختلف أنحاء الجزائر، وبدأت شهرتهم تطبق الآفاق وأصبح «سوق العلمة» قطباً تجارياً كبيراً في سنوات قليلة. سوق دبي اللاَّفت، أنه بعد سنوات قليلة من انطلاق نشاط «سوق العلمة» اختفى هذا الاسم تماماً وحل محله اسم «سوق دبي» ليتكرس على لسان التجار والمواطنين الجزائريين وحتى الأجانب العاملين بالمنطقة وكل المتعاملين مع أنشطتها التجارية إلى الآن. أما سبب تحويل التسمية فيكمن ببساطة، في أن معظم المستوردين كانوا يتجهون إلى دبي لجلب مختلف السلع وبيعها في العلمة، فحملت السوق اسم دبي ورفضت التنازل عنه بالرغم من تعدد مصادر الاستيراد في السنوات الأخيرة حيث أصبحت تشمل دولاً عديدة، ومنها تركيا وسوريا ومصر وماليزيا والصين وفرنسا ودول أوربية عديدة. والزائر يدرك كم تغيرت هذه المدينة التي لم تكن شيئاً مذكوراً قبل عقودٍ قليلة، فقد كانت منطقة فلاحية خصبة وبها سوق شهيرة للمواشي، وكانت فرنسا تسميها «سانت آرنو» نسبة إلى معمِّرٍ استوطنها آنذاك واستولى على أجود أراضيها، وبعد استقلال الجزائر في صيف 1962 أطلقت اسم «العلْمة» على المدينة، ولكن المفارقة أن «سوق دبي» الآن أضحى أشهر من المدينة نفسها، فلم تعد تُذكر المدينة إلا مقرونة بسوقها. تنظيم آلي سوق دبي منظمة بشكل آلي دون تدخُّل من أية جهة رسمية؛ حيث إن نشاطاتها التجارية تتوزع بين عدة شوارع في حي واحد، وكل شارع أو جهة منه، تختص في عرض سلعة معينة، فنجد في شارع آخرَ صيحات الالكترونيات، وفي شارع آخر الأدواتِ الكهربائية المنزلية، وفي شارع ثالث الملابس النسوية والرجالية ولعب الأطفال، ويسير التنظيم على هذه الشكل إلى غاية نهاية السوق مع سلع مختلفة. وفي حوافها يقف التجار «الفقراء» وبخاصة الشبان منهم يعرضون فوق طاولاتهم سلعاً خفيفة على المتسوقين ومنها المياه المعدنية والمشروبات الغازية والشاي والفول السوداني وصور الفرق الرياضية والأقراص المضغوطة المُقرصَنة التي تباع بأثمان بخسة وغيرها من السلع، كما وجد شبانٌ آخرون في حركة المرور وكثرة السيارات مصدراً للاسترزاق من خلال تحويل بعض الشوارع المجاورة إلى مواقف فوضوية للسيارات والمرْكبات المختلفة. بينما وفرت هذه السوق آلاف فرص العمل للشباب؛ حيث يوظف كل محل عدداً من العمال داخله، ولذلك تشرع هذه المحال في عملها في حدود الثامنة صباحاً وتغلق في حدود الخامسة مساءً على غرار الإدارات احتراماً لعمالها، وبعد أن تتوقف حركة المتسوقين، يبدأ نوعٌ آخر من العمل ويتعلق بإدخال السلع في شاحنات كبيرة ويقوم «الحمَّالة»، أي العمال الذين يشتغلون بحمل السلع، بتفريغها وإنزالها إلى المخازن. وتوفر السوق آلاف مناصب العمل لهؤلاء»الحمَّالة». جنسيات مختلفة تقول مصادر محلية إن عدد التجار بسوق مدينة العلمة، التي تبعد عن الجزائر العاصمة بـ329 كلم وتقع شرقها، وهي تابعة إدارياً لولاية «سطيف» وتبعد عنها بنحو 24 كم، يصل إلى 3 آلاف تاجر وأن هؤلاء الذين بدأوا فوضويين قد أصبحوا الآن تجارا قانونيين يدفعون الضرائب ويساهمون في مداخيل بلدية «العلمة» التي أصبحت من أغنى بلديات الجزائر. ولا تقتصر جنسية هؤلاء التجار على الجزائريين، فهناك أيضا تجارٌ سوريون وأتراك وصينيون ومن جنسيات أخرى ويقيمون بفندق «الريف» بالمدينة. كما أن السِّلع التي تصل إلى «سوق دبي» بالعلمة عن طريق ميناء «جنجن» بولاية جيجل (قرابة 100 كلم من العلمة)، يتحول جزءٌ منها إلى دول مجاورة بفعل التهريب. وبسبب الشهرة الواسعة التي اكتسبتها «سوق دبي» داخل الجزائر وخارجها، زاد التهافتُ على محالها التجارية، فالتهبت أسعار بضائعها وأصبحت تتراوح بين 150 ألفا و300 ألف دينار جزائري حسب موقع المحل ومساحته (ما يعادل 2000 إلى 4 آلاف دولار أميركي)، وهي أسعار باهظة جدا في الجزائر وتفوق عدة مرات أسعار استئجار المحال في الجزائر العاصمة نفسها، وهو ما جعل التجار المستوردين يتهمون مالكي المحال من سكان الحي بالانتهازية ويؤسسون جمعية لتنظيم تجارتهم والدفاع عن مصالحهم، وطالبت الجمعية السلطاتِ بإنشاء مدينة تجارية لهم على غرار سوق دبي بالإمارات العربية المتحدة، خصوصاً أن «سوق دبي» الحالي بالعلمة لم يكن مهيئاً أصلاً لهذا النوع من النشاطات التجارية الكبرى، ولا يزال الطلب على طاولة السلطات إلى حدِّ الساعة. أما المواطنون فلا يهمهم أن يبقى السوق في مكانه أو يُحوَّل إلى جهةٍ أخرى بقدر ما يهمُّهم أن يبقى السوق مصدراً لمختلف السلع العالمية بأسعار معقولة.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©