الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لويس عوض ومذكرات طالب بعثة

لويس عوض ومذكرات طالب بعثة
20 أغسطس 2008 22:33
ربما يكون لويس عوض من النقاد القلة الذين تعرضوا إلى اضطهادات واضحة في حياتهم، وقد أظهر خطابه النقدي والأدبي معاناته من التمايزات العنصرية التي عايشها في إنجلترا حيث درس، ومعاناته عقدة الأقليات والطائفية أيضا في مصر· فبعد عودته من إنجلترا إلى وطنه في أوائل الأربعينيات، الفترة التي اشتعلت فيها الحرب العالمية الثانية، دوّن جزءا من هذه التمايزات العنصرية في سيرته: مذكرات طالب بعثة التي كتبها في ،1942 وسلط الضوء على تجاربه الشخصية بين 1937 ـ ،1940 لكنه فقد مخطوطة السيرة في عام ،1945 بعد أن رفضت الرقابة في مصر نشرها، لكن قدرا غريبا أعادها إليه في سنة ،1965 وقام بنشرها· ولذلك أرى أهمية أن يعاد تلقي هذا المبدع عن طريق أطروحات مابعد الكولونيالية ودراسات السود والأقليات، لأنها يمكن أن تفسر لنا هذه الشخصية، وتقدم بعدا حيويا لفهم موقفه الفكري والنقدي، وأشبهه هنا بالكائن الذي أدمج في التنكّر تحت ظروف سياسية واجتماعية قاهرة، والكائن المتنكر يكتسب صفات مضللة ومربكة مما تؤدي إلى سوء الفهم والحيرة في تصنيفه· والتنكر هو تشابه سطحي بين الكائن البيولوجي المخلوق والأشياء الطبيعية التي يحيا وسطها ابتغاء التخفي أو الحماية الذاتية· وهذا التنكر يربك القارئ، فتنشأ التأويلات، فيرد إلى الماركسية مرة أو إلى المثالية مرة ثانية أو الكلاسيكية أو الرومانسية، لكنه لا ينتسب إلى كل هذه الحقول؛ لأنه يقع في التصدعات ويلتزم موقع الأعراف· والمطلع على سيرته يلمس بعض الشواهد على معاناته نتيجة معايشته للاضطهاد العنصري في إنجلترا وجنوب أفريقيا· ولعل وعيه تفتح وازدهر عند عودته من إنجلترا مرورا بدربان بجنوب أفريقيا، بعدما أنهى الماجستير في كامبردج (1940)، وكانت دربان تعاني التمايزات العنصرية والعرقية بصورة شديدة الوضوح، مما أتاح لعوض التعامل مع معظم الأعراق، ولذا كان يقارن بين خطابات غاندي ومحاضرة زميله صبري في دربان وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين سنة، ويقارن بين وضع الزولو والهنود والأفارقة واليهود والإنجليز في لغة يمكن أن تستجلي من خلالها الألم الذي يعانيه· وتأثرت تجربته الإنسانية بصداقته بالدكتورة جونام الهندية في دربان التي حدثته عن مصدر عذابها نتيجة الحواجر بين البيض والسود· وأخيرا استقل لويس عوض طائرته متجها إلى مصر، لكن فراق جونام كان موردا للألم والسخط، وعندها سجّل شعوره في فقرة توضّح معاناته: ''لو كنت روسو كنت كتبت للعبيد إنجيل حروفه نار وصحايفه بلون الدم الصبيب· لو كنت بايرون سليت سيف العدل والجهاد، وماغمدتهوش قبل ما أشوف بعيني عملاق الظلم مضرج على سهول بريتوريا· لو كنت شلي كنت غنيت مع الصبح ومليت الآفاق بأناشيد الخلاص·· لكن أنا ضعيف وروحي مكسورة وريشتي هزيلة ودمي مهدور في خدمة الأحرار· الوداع يا جنوب أفريقيا، يا بلاد الجمال والكرم اللي مالوش نظير والغنى الممجوج والقلوب الحجرية''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©