السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حراك نقابي

30 أكتوبر 2009 22:29
أُجريت خلال الأسابيع القليلة الماضية، انتخابات في عدد من اتحادات ونقابات المهنيين العاملين بأجهزة الحكومة وغيرها، مثل اتحاد المعلمين، ونقابة الأطباء، ونقابة المهندسين، ونقابة الصيادلة، ونقابة الصحفيين.. إلخ. وكان العنصر المشترك في نتائج هذه الانتخابات هو أنها كلها تقريباً انتهت بفوز ممثلي حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم. ولو جاء ذلك نتاجاً لانتخابات أُجريت وفق الضوابط المعمول بها للوصول إلى رغبات أعضاء الجمعية العمومية للاتحاد أو النقابة، لما احتاج الأمر لنقد أو تعليق، لكن الحقيقة كانت غير ذلك. لقد دُعيت الجمعيات العمومية لهذه التنظيمات للاجتماع العام على عجل، مما جعل مشاركة غالبية الأعضاء أمراً مستحيلا. وأشرف على تلك الانتخابات قانونيون لم يعرفوا بالحياد أو الاستقلال، فكانوا يستبعدون من لائحة الترشيح كل من يقدرون أنه ليس موالياً للحزب الحاكم. وفي نهاية العملية تولى ذلك النفر فرز الأصوات وعدها وإعلان النتائج. ولكل من يتوقع أن تكون الانتخابات العامة المنتظرة في إبريل القادم، انتخابات حرة ونزيهة، فإن ما جرى في الأيام الأخيرة يؤكد أن ذلك مستحيل. وهنا نستعيد قولة أحد قادة الحركة الإسلامية (الإنقاذ) ممن لم يتلوثوا بأطماع الحكم، وهو البروفسور حسن مكي رئيس "المركز الاستراتيجي السياسي" التابع للحكم، من أن الإسلاميين السودانيين أصبحت عندهم عقيدة تبرير الفساد في كل ما يساعد على بقائهم في الحكم! والنقابات العمالية والمهنية في السودان كان لها تاريخ ناصع، ودور قلّ أن تجد له مثيلا في البلدان العربية أو الإفريقية. نشأت هذه الحركة قبل أكثر من ستين سنة، وبدأت بالعمال ثم انتقلت للمهنيين، وكان لها دور بارز في الحركة الوطنية التي قادت استقلال السودان. بل كانت الحركة النقابية في بعض الأزمات الوطنية هي صانعة التوافقات بين قادة الأحزاب السياسية. وبعد الاستقلال كانت الحركة النقابية السودانية رأس الرمح في كثير من المنعطفات، من ذلك قيادتها الانتفاضة الشعبية عام 1964 للخلاص من أول حكم عسكري، وإنهائها حكم نميري بانتفاضة 1985. هذا التاريخ هو ما دفع جماعة "الإنقاذ" عند استيلائها على الحكم عام 1989 لحل كل النقابات وإعادة تكوينها وفق قوانين جديدة سلبتها استقلالها وحرمتها حرية الحركة وجعلت منها أداة طيعة بيد الحكومة. ثم جاءت التطورات الأخيرة عقب توقيع اتفاقية السلام، فكان هناك قدر من الحراك وسط القيادات النقابية التي تتوق وتتطلع إلى ذلك الماضي الناصع. ولمواجهة هذا الحراك لجأت الحكومة إلى التدخل بأساليب متعددة حتى لا تتمكن الاتحادات والنقابات من إبعاد القيادات الموالية وتأتي بقيادات أخرى مخالفة. ومن القضايا الكبرى التي تنادي أحزاب المعارضة بضرورة إعادة النظر فيها وتعديلها، مجموعة القوانين التي تحكم وضع النقابات وأسس تكوينها وانتخاب قياداتها. لكن الواقع الحالي يوضح أن ذلك المطلب الشعبي سيكون مصيره الرفض. ومرة أخرى، فإن الحركة النقابية السودانية كانت على الدوام هي المعبرة عن نبض الجماهير والمقدمة على سواها. وبحالها الماثل، فإن التحول المنتظر في السودان قد يطول انتظاره.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©