الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان ونتائج التشدد

13 يونيو 2010 20:38
حين سمعت عن هجوم المسلّحين على بيتين من بيوت عبادة الأحمدية في لاهور يوم 27 مايو المنصرم، نشرت ملاحظة يائسة على موقع الفيسبوك الخاص بي، حيث أدنت العنف وتساءلت بصوت مرتفع: لماذا سمحنا كشعب للأمور أن تصل إلى هذه المرحلة؟ صُدمْتُ فيما بعد بالتناقض الساخر لما فعلته: لقد ذهبت إلى موقع فيسبوك الذي جرى منعه مؤخراً في باكستان لأنه ينقل مضموناً تكفيرياً ضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لشجب جريمة قتل ضد أعضاء في أقلية دينية طالما اتهمت بالكفر! والأحمدية طائفة دينية تأسست في القرن التاسع عشر على يدي زعيم ديني هندي هو "ميرزا غلام أحمد"، ادعى أنه المخلص المنتظر الذي أخبر النبي محمد (ص) بمقدمه. ورغم أن أتباع الأحمدية يعتبرون أنفسهم مسلمين، فإن القانون الباكستاني يعتبرهم من غير المسلمين بسبب خلافات حول قضايا مثل ادعاء ميرزا النبوة. وحتى بعد أن بدأت ظروف الهجوم تتكشّف، بدأ ضباط تطبيق القانون يشيرون بأصابع الاتهام إلى "طالبان" والمجموعات الإرهابية التابعة لها. لكننا لا نستطيع التظاهر بعد الآن بأن هجمات يوم الجمعة هي العمل المتطرف لمجموعة إرهابية وحيدة. وبدلاً من ذلك فإن هجمات من الرعب المتصاعد والعنف، متنامية في مجالها ضد مجموعة الأحمدية، تشكّل تطويراً رهيباً لمشاعر اجتماعية واسعة الانتشار مفادها أن أعضاء هذه المجموعة هم أناس أقل قيمة بسبب معتقداتهم الدينية! وربما أمكن اعتبار كثير من الباكستانيين شركاء في الهجمات، لأنهم سمحوا لهذا المفهوم الضيق أن يزدهر عبر العقود. وتدعو هجمات 27 يونيو إلى عملية بحث معمقة في الروح على كافة مستويات الدولة والمجتمع. وحقيقة الأمر أن رجالاً شباباً، وليس آلات تدار عن بعد، هم الذين قاموا بهذه الهجمات. لقد تم تلقين المهاجمين، بطريقة ما، فكرة أن بعض وجهات النظر والممارسات أو الأشخاص معادون للإسلام وكافرون، وبالتالي يجب إفناؤهم. وتتجلى هذه الفكرة الأساسية في المنع الكاسح للفيسبوك وغيره من المواقع التي يعتقد أنها تحتوي على مضامين تدحض الدين، وفي قتل مسؤول في مؤسسة خدمات المخابرات اتهم بارتباطات مع الأحمدية، وأخيراً في ذبح أكثر من سبعين شخصاً أثناء تأديتهم الصلاة. وقد يبدو من غير المناسب مقارنة هذه الأحداث المتباعدة، إلا أن المنطق المستخدم في كل حادثة كان نفسه: في أي موقع يتبين وجود خلاف في الرأي أو تباعد في المعتقدات، يجب إطفاء هذا الموقع، بغض النظر عن عدد الضحايا البشرية أو ضحايا حقوق الإنسان أو حرية الإيمان والتعبير. وإذا وضعنا الطرح السياسي جانباً، فإن وحشية هذه الهجمات تتطلب رداً حكومياً راسخاً وقوياً. لقد تم عبر السنوات توثيق حقيقة أن عدم التسامح المتنامي حيال معتقدات الأقليات هو نتيجة طبيعية لقوانين التكفير التي تحمل عقوبات شديدة. وقد استخدمت هذه القوانين لتبرير الرقابة وتصفية حسابات ثأر شخصية وتيسير سرقة الأراضي وممارسة العنف على الأقليات. أعلن رئيس الوزراء الباكستاني في أغسطس 2009 تشكيل لجنة لمراجعة "قوانين ضارة بالتناغم الديني"، فُهِم أنها تضم قوانين التكفير، لكن لم ينتج شيء عن تلك العملية، فأعلنت الحكومة في فبراير أنها ستقوم بتغييرات إجرائية لقوانين يمكن استغلالها لإيجاد "عنف وسوء تناغم" في المجتمع. والمحزن أنه لم يتم تنفيذ أية تغييرات، وما زالت صيحة المعركة ضد الكفر تستخدم بشكل متزايد. وتقود باكستان اليوم 56 دولة مسلمة في حملة ضد التشويه الديني. لكن من الأمور المهينة رؤية حكومتنا تمارس التأثير على الرأي العام من أجل حقوق الأديان عالميا بينما لا تستطيع حماية الشعب داخل بلدها. حقيقة الأمر أنه إذا رفضت حكومتنا الهجمات العنفية على مجموعة الأحمدية، يتوجب عليها اتخاذ جميع الخطوات الضرورية للتعامل مع الأسباب الجذرية للتمييز ضد الأقليات الدينية. وبالإضافة إلى الإعلان عن عدم شرعية قوانين التكفير، يتوجب دعم الحوار المفتوح وحوار الأديان وإصلاح المناهج المدرسية، بما فيها مناهج المدارس الدينية، وعينها على رفض الرؤى الخاطئة ودحضها حول الأديان والطوائف المختلفة. هوما يوسف - كاتبة مستقلة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©