حسن شريف: التكرار اليومي من طبيعتي الشخصية

يعكف الفنان حسن شريف منذ مدة على تنفيذ مشروع من الكتابة يقول إنه يوازي عمله الفني، ويعتبر الكتاب الذي يحمل مبدئيا عنوان ''نسج'' مشروعا مفتوحا للكتابات التي أنتجها حسن شريف منذ مطلع السبعينات، إضافة إلى كتابات يقوم بإنجازها· وتركز معظم مواد الكتاب على تجربة ''التكرار'' التي تميز هذه الكتابات، حيث يعبر شريف عن رغبته في هذا التكرار لأنه على حد قوله ''من طبيعة شخصيتي والجوهر المتناقض والمتسم بالتكرار المتهور للحياة اليومية التي نعيشها في الزمن الحاضر غير القائم على أساس وطيد وغير الباعث على الأمل والنجاح، بل هو باعث على اليأس ومشكوك فيه''· ويقول شريف في جلسة حميمة معه إنه قد قطع في هذا المشروع شوطا مهما، وإن قارئ كتابه هذا سيلحظ أمورا جديدة، تتعلق بكتابته عن أعماله بشكل مركز ومكثف، ويوضح شريف ''في بعض الأحيان أفرغ أعمالي من المعنى، وفي أحيان أخرى أحمّل أعمالي معاني ودلالات كثيرة وإضافية ومتكررة وثقيلة أو حتى أنها تصل إلى درجة تصبح معها ''مضللة''، وهذه الميزة مثل ''الخديعة والمكر'' هي من الطبيعة الجوهرية التي أوكد عليها من خلال ''أشيائي'' التي أصنعها وأصنفها في إطار الأعمال الفنية''· وعن ''أشيائه'' هذه التي سبق للفنان فالسالان كانارا أن صنع فيلما عنها، يقول حسن شريف إن ''الأشياء التي أصنعها تمتلك في فحواها ''البروتوبلاستا الضالة''، وهي تعني الخلية أو الوحدة الحية الأصلية تائهة ومتنافرة في فضاء ممتلئ بالحيل والمكر والخداع، فأعمالي هي محاكاة أو نتيجة لهذا التناقض المشمئز، ولهذه الأسباب فإن ''أشيائي'' لا تتوافق مع مفهوم ''التعبير'' أو ''الانطباع''، وإنما هي واقع ما وراء التعبير، فهي تمثل ''الواقعية وغيابها في الآن نفسه''، لأن العمل الفني المعاصر يعتمد كليا على ''اللحظي''، وهو محاكاة فورية لمفهومنا عن الواقع الحاضر''· وفي ما يشبه التقديم الأولي لمشروعه هذا يقول حسن شريف ''أستخدم في هذه الكتابة الكثير من الكلمات مثل ''أعمالي'' و''أفكاري وغيرها، لكنني أقصد الحديث عن مفهومي عن الفن والحياة، وعن أعمالي الفنية بضمير المفرد المتكلم، وأبتعد تماما وبقدر الإمكان عن التحدث بصيغة ''نحن''، لأن هذه الصيغة لا تعبر بشكل دقيق عن ''اللا- ملاءمة'' في مجال الفكر والفن، إنما هي مجرد أداة تنكر يستخدمها السياسيون بطريقة سلسة ليوهموا الناس بوجود ''الاختلاف في الرأي'' مع منافسيهم، ولإقناع الأفراد في المجتمع بالدعوة المستقبلية ''وهي في العادة وعود كاذبة''، ولذلك ففي كلمة ''نحن'' يكمن العنف المترهل مع المنافس''· وفي مجال العمل الفني تعبر كلمة ''أنا'' عن مفهوم ''اللا- ملاءمة'' الذي يشدد عليه حسن شريف نظريا وعمليا، فهي تستخدم ''بطريقة واضحة بين المتحدث والمتلقي، وبين العمل الفني والمشاهد من دون اللجوء إلى التسامح المشعوذ والمائع أو الهذيان السياسي والرخاوة، ومن دون استخدام تلميحات وإشارات خفية، فالضمير ''أنا'' يحتوي في مضمونه البوح الذاتي المقصود والهادف عمدا''· ونظريا، يجد حسن شريف أن ''المفاهيم لا تمتلك القدرة على اكتساب قوة مضاعفة من الأنظمة إلا عن طريق تفكيك القواعد السائدة، ومن ثم إعادة تنسيقها، وعلى هذا الأساس فإن أعمالي تمتلك ''فضاءات محجوبة''· وهناك بناءات مخفية في دواخلنا لأن من المستحيل الحصول على بناء معماري بصري متكامل الأجزاء وملموس من غير أن تكون لدينا أجزاء مخفية، لأن عملية التضاد هي التي تقوي مفهوم العمل الفني، وتكمن هذه العملية في ''الشحنة المستحثة'' التي بواسطتها تحدث عملية ''التخلق البنيويّ'' في إدراكاتنا عن مفهوم الجمال، وبالتالي عملية بناء العناصر المتناقضة ''سالب- موجب''··الخ· وفي إطار الحديث عما يسميه ''أعمالي'' يقول شريف: إن العمل الفني المعاصر لا يقيم اتصالا بالطريقة المألوفة بين الفنان والمشاهد، ولا يعبر عن موقف أو تبرير للفنان بالطريقة السائدة، وإنما هو نوع من تحويل التجربة الإنسانية إلى أشياء وأشكال، ويوضح ''لذلك فإن أعمالي تسعى إلى تخليق تجارب إنسانية وترجمتها إلى أعمال بصرية محددة تحمل في داخلها فضاءات مختلطة من المضامين المتناقضة بين ''الصح'' و''الخطأ'' مثلا، وهذه المضامين مصفوفة بجانب بعضها البعض بطريقة أفقية تشبه نبتة تتوسع وتتكاثر وتعوم فوق سطح الأرض، وهي تمثل الظواهر المعاصرة لزمننا الراهن''· ونتوقف عند فهم حسن شريف للفن الجماهيري فنجده يكتب ''بالنسبة لي كل عمل فني ينتجه الإنسان هو عمل جماهيري يمتلك في فحواه التعبير عن الأمور الحياتية الراهنة بمختلف ميادينها، وذلك منذ أن رسم الإنسان القديم أول خدش على جدار كهفه المظلم إلى يومنا هذا''، ويوضح فكرته كاتبا ''إنسان هذا الزمن صمم أول مركبة فضائية، وهي تعتبر أجمل قطعة نحتية في تاريخ الإنسان، إضافة إلى الأبراج الإسمنتية والزجاجية والجسور والحدائق العامة وغيرها من البنى المعمارية في زمننا''· وعلى صعيد آخر يشارك حسن شريف في معرض يقام في صالة برجمان بعمل من ثلاثة أجزاء، ويتكون العمل من مجموعة ملاعق ستيل مشبوكة بأسلاك نحاسية، والمعرض الذي تشرف عليه اليونيسكو يضم مشاركة لعدد من الفنانين من ألمانيا وبلجيكا وأفريقيا، كما أن المعرض سوف ينتقل بعد انتهائه ليقام في ألمانيا·