الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جون بودريار.. مذاق المفارقة

جون بودريار.. مذاق المفارقة
10 يونيو 2017 23:25
أحمد عثمان (باريس) قبل عشر سنوات، في 6 مارس من عام 2007، رحل السوسيولوجي والفيلسوف جون بودريار عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاماً، في باريس، جراء مرض عضال. ولد بودريار في 20 يوليو 1929، في رايمز (مارن). عمل مدرساً للألمانية في الثانويات، بعد دراسته للغة الألمانية في السوربون في الوقت ذاته الذي مارس فيه النقد الأدبي. كانت أولى أعماله المنشورة ترجمة (بالاشتراك مع غيلبير باديا) لكتاب برتولد بريشت: «حوارات المنفيين». في بدايات الستينيات، ترجم نصوصاً لماركس وانجلز وأكثر من كتاب للكاتب الألماني بيتر فايس (صاحب المسرحية الشهيرة: «مارا/‏ صاد»). بالتوازي، تابع دراساته العليا، هذه المرة في الفلسفة، وفي هذا المجال، كتب عام 1966، تحت إشراف هنري لوفيفر، أطروحة: «نظام الأشياء» التي وسمت دخوله إلى مشهد البحث السوسيولوجي، والتي فضح في متنها مراكز الاهتمام الجديدة (حياة «العلامات»، المعينة من قبل قوانين الرأسمالية لكي «يتم استهلاكها» سريعاً) بنبرة أصيلة، تعزيمية أحياناً، ومصقولة دوماً. تتجلى حرفة بودريار بداية في جامعة باريس 10 (نانتير)، التي أخذ يدرس فيها بدءاً من عام 1972، ثم في معهد البحث عن التجديد الاجتماعي التابع للمعهد الوطني للبحوث العلمية، وأخيراً (بدءاً من 1986) في معهد البحث والتكوين السوسيو - اقتصادي بجامعة باريس 4 (دوفين)، حيث تقلد منصب المدير العلمي. بيد أن صدور «نحو نقد الاقتصاد السياسي للعلامة» جعل منه الوجه البارز في الحياة الثقافية، في فرنسا والعالم في آن واحد. بودريار ملاحظ صارم لمجتمع الاستهلاك والحياة اليومية «في البلاد الصناعية، بالنسبة له، الأيديولوجيات كما الموضات، تختزل في نظام العلامات. والعلامات، أياً كانت ليست سوى مظاهر خداعة. وفي النظام الرأسمالي، تدور هذه العلامات أبدياً حتى تسحب من التداول. وبالتالي، نحن مجبرون على أن نحيا نقصان جوهر الواقعة النهائي. ولذلك، الواقعة لا توجد، وكل ما نطمح إلى تأسيسه كسياسة جديدة أو نظرية اجتماعية ليس إلا وهماً». فكر بودريار، هو فكر تشاؤمي، راديكالي، وحتى عدمي. لا شيء مثير للدهشة، في هذه الظروف، وإن كان فكره اجتاز حركة مايو 68 من دون أن يرتبط بها على وجه الحقيقة، وإنْ رفض تقديم العون إلى حزب سياسي، أياً كان هذا الحزب، إلا أن هذا لا يعني القول إن بودريار لا سياسي، بل على العكس، كل نص من نصوصه ساهم في هذا النقد للأيديولوجيات السائدة. نتاجه صادم أحياناً: كتاب «مرآة الإنتاج أو الوهم النقدي للمادية التاريخية»، و «التبادل الرمزي والموت» كمثال، هو نتاج منشِّط، من الممكن قراءته بعناية. تبعاً لذلك، يتبدى «أثر بوبورغ» و«نسيان فوكو» دوماً محررين تحت إمبراطورية الظروف. كما أنهما يوسمان مولد بودريار كمجادل ملتزم بالراهنية - ناهيك عن أن مسيرته مع الناشر غاليله الذي طبع له أكثر من عشرين كتاباً، وسمته بإرادة التحريض. مقالاته في الصحافة ونصوصه المنشورة في «مذكرات هادئة» (هناك خمس أجزاء منشورة من 1987 إلى 2005) تجذب القراء إليه، حتى ما وراء الجمهور المتخصص. قاده مذاق المفارقة إلى نشر «حرب الخليج لم تقع بعد»، وهو كتيب، صدر في 1991، مكتوب تحت ذريعة فضح هذه «الصورة»، صورة الحرب التي روجتها وسائط الإعلام التلفازية، كتيب يبين تأرجح بودريار بين رؤية شعبية وتخطيطية مناهضة للنزعة الأميركية. بعد الحادي عشر من سبتمبر، نشر بودريار كتاب «روح الإرهاب»، ثم كتاب يجمع عدداً من المقالات حول نفس الموضوع: «قوة الجحيم». هل هو تحول بطيء لرجل جعل من التحريض دائرة فكره؟ أياً كان، لا ننسى أن بودريار يمثل شاهداً نشطاً على زمنه، بالقلم وأيضاً بالصورة. لم يكف عن الدفاع عن هذا الفن. مارسه بشيء من الهوى، تحديداً خلال رحلاته العديدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©