الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«هوس» الهواتف الذكية «عشق» غير سوي للعالم الافتراضي

«هوس» الهواتف الذكية «عشق» غير سوي للعالم الافتراضي
7 ابريل 2012
مشاهد وصور سنتوقف عندها للتأمل والتفسير، فتاة شابة عاقلة وجادة ورزينة، تتمسك برفض عريسها ـ الذي تتمناه أي فتاة في سنها ـ لمجرد انغماسه في تصفح "البلاك بيري" للحظات طويلة بعض الشيء، خلال لقاء التعارف الأول الذي جمعه بأسرة العروس. وفسرته الفتاة بحسب قولها:" إنه تصرف مراهق، لا ينم إلا عن قلة الذوق واللباقة، وعدم احترام الآخرين الذين يلتقون به للمرة الأولى! وإذا كان مولعاً بـ"البلاك بيري" لهذه الدرجة الآن، فماذا سيكون الحال بعد الزواج؟! أخرى تستغرق في قراءة الرسائل، وهي بالمصعد الذي يتوقف في أحد الطوابق، وتخرج هي بلا تركيز، وتكتشف أنها خرجت في طابق آخر غير الذي تقصده! وثالث لا يتحرك ولا ينتبه إلى الإشارة الضوئية الخضراء في تقاطع مكتظ بالسيارات إلا بعد سيل من أبواق السيارات التي تنتظر خلفه كي يتحرك، لأنه هائم في تصفح جهازه! ما الحكاية؟ وماهي سر هذا "الهوس"؟ أكثر من مرة أتوقف بعضاً من الوقت، لتفحص عشرات المارة عند مكان مخصص لعبور المشاة في شارع مزدحم، ألاحظ أن عدداً ليس بقليل ممن يجتازون الشارع، إنما تركزت أعينهم في قراءة أجهزة النقال التي يحملونها. أحياناً أتخيل أن كل الناس في حالة “توهان” وعدم تركيز. فإذا تأملت الذين يتوقفون عند إشارات المرور، تجد أغلبهم يقرؤون هواتفهم، وإذا وقفت لترصد الذين يتحركون في الأسواق التجارية لوجدتهم يسيرون وكأنهم هائمون على وجوههم من دون وعي أو تركيز، إلا فيما يتفحصون ما بأيديهم. حتى في قاعات السينما، لا يتوقف كثيرون ـ خلال متابعة الفيلم الذي اشتروا بطاقة لمشاهدته ـ عن تفحص شاشات هواتفهم الذكية، أو الاندماج في محادثة عبر “الشات”. وآخرون تلمحهم يبتسمون أو يضحكون وهم يسيرون في الشارع أو الأسواق، لا لسبب سوى أنهم قد استقبلوا “نكتة” أو طرفة، عبر إحدى شبكات التواصل الاجتماعي. دخلت أحد المقاهي التي يتجمع فيها أعداد كبيرة من رواد “الشيشة” على الكورنيش، ووقفت أتأمل تفاعلات رواد المقهى، ووجدت نفسي أعد وأحصر مشاهداتي لمن تشغلهم هواتفهم عن رفاقه حول “طاولة” واحدة. فوجئت أن أكثر من 75% من “الطاولات” يوجد فرد أو أكثر ممن يجلسون عليها، قد انشغل عن رفاقه بسبب استغراقه في متابعة صفحات هاتفه الذكي! تهديد للأسر أما مشاكل و”خناقات” الأزواج بسبب الهواتف الذكية، فقد أصبحت ظاهرة تهدد كيانات أسرية عديدة. فإن تجمع أفراد الأسرة معاً تجد أغلبهم قد تنحى جانباً ويدخل في محادثة عبر “الشات” بدلاً من الحديث مع أفراد أسرته. وإن تجمعت الأسرة حتى حول “التلفزيون” تجد بعضهم ينشغل بـ”البلاك بيري”. وكثيراً ما نسمع أن هناك أناساً لا يفارقون أجهزتهم الذكية حتى وإن قصدوا “الحمامات” أو “دورات المياه”!الظاهرة باتت تتعدى مقتضيات الأمان، وفواصل المنطق، وحدود العقل، وألقت بظلالها السلبية لتهدد الأمان النفسي والاجتماعي، وتنسف مقومات التواصل الإنساني بين الناس. قد يكون مناسباً أن نتوقف عند ما أكده معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، القائد العام لشرطة دبي، ذات يوم عن انخفاض حوادث السير على طرق الإمارة بنسبة 20%، بسبب العطل الناجم عن بطء خدمات البريد الإلكتروني والمراسلة الفورية في هواتف “بلاك بيري” لمدة ثلاثة أيام، إثر العطب الذي أصاب محولاً رئيسياً في الشركة المصنعة في كندا. وهذا الرصد الذكي، يشير إلى أن هذه الظاهرة الخطيرة تتسبب في حوادث سير عديدة، تنتج عنها إصابات تتراوح بين المتوسطة والبسيطة، وبعضها تكون مميتة. كشفت دراسة أميركية حديثة، عن أن نحو 40% من السائقين يستخدمون هواتفهم الذكية أثناء القيادة. ووفقا للدراسة، التي أجراها موقع ‘’كونفيوزد دوت كوم’’، فإن نحو 27% من المشاركين فيها دخلوا على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” من أجهزتهم المحمولة أثناء قيادة السيارات. كما وجد الموقع أن أكثر من 20 % من المشاركين أجروا اتصالات هاتفية محمولة أو محادثات أثناء انتظار ضوء إشارة المرور الحمراء، في حين استغل 15% زحام المرور لإرسال رسائل نصية وبريد إلكتروني. واعترف 75% من السائقين بأنهم كانوا على علم بالعقوبات التي ستطبق عليهم إذا ما قبض عليهم أثناء استخدام الهواتف أثناء القيادة. ووجدت الدراسة، التي شارك فيها نحو ألفي سائق، أن 20% منهم راجعوا هواتفهم الذكية كل 15 دقيقة، فيما ادعى 45% منهم أنهم لم يبدؤوا القيادة قبل مراجعة هواتفهم. وأكدت الدراسة إن إدمان الناس على استخدام هواتفهم المحمولة لا يضعهم وحدهم في خطر فحسب، بل يهدد أيضا الآخرين من حولهم. أعراض ومشاكل ناصر الهاملي “طالب”، يرى أن الهواتف الذكية أصابت الناس بأمراض نفسية كثيرة، وأصبحنا نرى الناس وكأنهم في حالة غير طبيعية. فهذا لا يدخل “الحمام” إلا ومعه “البلاك بيري”، وآخر تعتريه الفرحة عند إشارة المرور الحمراء، بعد أن كان ينزعج منها في السابق، وذلك بسبب “البلاك بيري”، وآخر يضحك فجأة ومن حوله لا يعرفون السبب، وثالث لا يعي من حوله، وآخر يضطر إلى أن يترك أظافره تطول حتى يتمكن من استخدام الجهاز الذكي والتحكم في لوحه المفاتيح، أما المشاكل الزوجية فحدث ولا حرج. وآخرون لا ينامون إلا والمحمول الذكي بين أحضانهم، وإن نام فإنما ينام نوماً متقطعاً لمتابعة “الشات” على جهازه. إنها أعراض لاضطرابات وأمراض نفسية... أما باسمة علاوي”موظفة” فتقول:” معظم مدمني الهواتف الذكية يشعرون بالتوتر إن تخلوا عن “البلاك بيري”، أو حرموا منه لأي سبب، لقد أصبح مرضاً وداءً يتسلل إليهم، وأصبح يهدد كثيراً من الأزواج والزوجات، ففي البيت عندما نتابع فيلماً أو مسلسلاً، نجد البعض ينشغل بما يأتيه على المحمول، وتأتي الوساوس والظنون والشكوك، وكثيراً ما أسمع أن زوجات تأكدن أن أزواجهن يتسللن إلى “الحمامات” ليتفرغوا لمتابعة ما يصلهم عبر الهواتف الذكية بعيداً عن فضول زوجاتهم. فالأمر بات غريباً، فهذا يتناول طعامه وهو ممسكاً بالبلاك بيري، وآخر “يتسبح” من دون أن يفارقه، وكثيرون يقودون سياراتهم، وينامون وهم ممسكون به. “البلاك بيري” أصبح عدو المرأة والزوجة الأول، فكثير من الزوجات تشكي وتعاني قلة اهتمام زوجها بها لانشغاله بهذا الجهاز، ووصلت زيجات كثيرة إلى الطلاق بسببه، بل وتعدى الأمر إلى أن هناك زوجات فعلن الأعاجيب بسبب هذا الجهاز العجيب، فهناك زوجة طلبت من زوجها أن يلغي خدمة البلاك بيري أو أن تنفصل عنه. تهديد للتواصل الاختصاصية الاجتماعية مها يوسف، توضح أن من يحملون الهاتف الذكية عادة لا يعيرون أهمية لمن حولهم، ودائماً نراهم مشغولين بشاشة الجهاز ولوحة المفاتيح طول الوقت مكتفين بالإرسال والاستقبال لكل ما هو جديد، ليصبح الهاتف وسيلة تواصل إلكترونية شديدة الانتشار بينهم، يتبادلون من خلالها أخبارهم ومناسباتهم عبر “جروبات” للتواصل الاجتماعي، كما أصبح مرتعاً خصباً لنشر الأفكار المنحرفة والشائعات، والقيم المبتذلة، ناهيك عن كونه وبسبب سوء الاستخدام الواضح، سببا من أسباب قطع أواصر التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة نتيجة الانعزال والانفراد بالهاتف من دون المكوث مع بعضهم البعض لمناقشة أمور حياتهم وقضاياهم المختلفة، ويتسبب في مشاكل زوجية وحوادث مرورية. ويضعف التواصل بين أفراد الأسرة في البيت الواحد والأصدقاء المقربين، لأن الشخص المستخدم يعيش لحظة استخدامه في عالم خاص يكون فيه بعيدا عن الآخرين. فـ”البلاك بيري” أو ما هو على شاكلته، يسبب عزلة للشخص ويجعله في عالم مختلف عن الآخرين، حيث إنه يبعد الإنسان عن أفراد أسرته ولا يشاركهم همومهم وقضاياهم، وقد يسبب مشاكل كثيرة مع الزوجة والأبناء. وقد ينجم عن استخدام “البلاك بيري” العديد من المشاكل، حيث إنه قد يزود الشخص المستخدم بمعلومات خاطئة، ويساعد على تردد وانتشار الإشاعات، ويسرق الوقت، ويشوش الأفكار عن طريق دخول الشخص المستخدم إلى مجموعات مختلفة في العادات والتقاليد والأفكار. كما أن خطورته تكمن في استغلال هذه التقنية بشكل سلبي بين الشباب، وأصبحت مصدرا إعلاميا مزعجا ينشر الروابط السيئة عبر الشبكة العنكبوتية، بالإضافة إلى وسيلة للتعارف غير المنضبط بين الشباب مما يؤدي إلى الوقوع في محظورات أخلاقية، وسلوكيات خاطئة. مرض عشق العالم «الافتراضي» الدكتور فؤاد أسعد، خبير علم النفس والعلاقات الإنسانية، يحاول توصيف ظاهرة “هوس” البعض بالهواتف الذكية، وفقدانهم التواصل والحوار الإيجابي فيما بينهم، ويقول: “إن تعلق الكثيرين بالهواتف الذكية كتقنية تكنولوجية تمثل ثورة في عالم الاتصالات، إنما هي ظاهرة تحمل في جنباتها انعكاسات سلبية عديدة. لقد باتت ظاهرة مقلقة ومحيرة، فهم يبحثون ويتعلقون بعالم افتراضي يفرض عليهم سحره وسطوته وغموضه، فهو عالم غامض وواسع وجذاب بالنسبة إلى هؤلاء الذين يتوهمون ويتعلقون بعوالم أخرى، ربما لأنهم عاجزون عن التواصل الطبيعي فيما بينهم، أو لأنهم يهربون من واقعهم الذي يعيشونه، أو أنهم يعانون الحرمان من إشباع احتياجاتهم الحقيقية، وهذا العالم الافتراضي يسمح لها بالهروب من مشاكلهم الحقيقية أو لأنهم واهمون بشكل مرضي، فالإنسان حينما يحب فهو يحب ما لا يملكه ولا يربطه بالطرف الآخر أي علاقة، ومن هنا يحدث الخلل، لأنهما يحاكيان الحب، فليس هناك حب حقيقي، إنما هو حب افتراضي غير واقعي لا يريح ولا يسعد بل يضر ولا ينفع! فالعالم الافتراضي يخرج الكثير والكثير من مكبوتات البشر، وأصبحت الصلة الإلكترونية بديلة عن الزيارات واللقاءات الطبيعية، فالصبية تركوا الشوارع ليبحثوا عن ألعابهم المفضلة، وأصبح هذا العالم واقعهم. فكيف لا يصبح هو العالم الواقعي، وهو من يدخل الشخص عليه متجرداً من كل ما يرتدي من أقنعة أمام البشر ليختبئ خلف شيء واحد قد يكون اسماً مستعاراً، ويخرج كل ما لا يقدر على إخراجه في حياته الطبيعية، فتتكشف شخصيته الحقيقية بما تحمل من مميزات وعيوب بلا تجميل حين يتعامل مع شخص آخر سواء كان رجلاً أو امرأة. وكثيراً ما تجد العلاقات على الشبكة العنكبوتية مختلفة تماما عن العالم الواقعي، على الرغم من بعد المسافات والثقافات والأيدلوجيات التي يتأثر بها الإنسان في حياته، فالكبت النفسي الذي يلازم البعض وجد له مكاناً يعتقد أنه أميناً على سره، فيدخل الشبكة ويخرج ما ثقل عليه، ولا يستطيع إخراجه على أرض الواقع بلا “رتوش” ولا زينة، ويتجرد من هذا كله باحثاً عن شهوة أو متعة أو أي شكل من أشكال الإشباع. ولا شك في أن هناك من لا يتعاملون إلا “افتراضياً” سواء كان في الواقع أو على الشبكة العنكبوتية، وأن العلم بالشيء دائماً غير الجهل به، والمنبهر بالشيء دائماًُ ما يغفل ما يمر بجواره، لشدة انتباهه لشيء واحد، فتضيع عليه فرصة التعرف إلى الشكل بالكامل . أما العلم به فلا ينبهر فتكون لديه المساحة الكافية لاستكشاف هذا العالم بهدوء من دون أن يقع في براثنه أو يسقط في حفره”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©