الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بقايا حب تسكن قلبي

بقايا حب تسكن قلبي
10 يونيو 2010 20:56
في لحظة مفاجئة، حطمت أحلامي، وضيعت الأمنيات، وقضت على الأماني، وأفقدتني الأمل واسودت الدنيا في وجهي وجعلتني لا أرى كل الأشياء التي أمامي إلا كئيبة حزينة، عندما جاءت هذه المرة على عكس عادتها، دموعها غزيرة وتكاد تطبق على أنفاسها ولم تستطع التحكم في أعصابها، ضاعت منها الحروف والكلمات، كانت عاجزة عن الكلام، وتأكدت من أن الأمر جلل وضربت أخماساً في أسداس وأنا أحاول تهدئتها حتى أفهم ما تريد، أو أعرف ما حدث واستنفد ذلك مني كثيراً من الجهد ثم سادت لحظة صمت حاولت فيها أن تستعيد علاقتنا بالكلام، واستبشرت خيراً بأن الإلهام سيأتيها وتضع نهاية لهذه اللهفة والترقب، رغم أنني استبعد في كل الأحوال أن تكون لي صلة بحالتها تلك، وكل ما دار برأسي حينها أن شيئاً ما قد حدث في أسرتها التي أعرف عنها كل صغيرة وكبيرة نظرياً من خلال علاقتي بها، إذ لم يسبق أن رأيت أياً من أفرادها، لكن كان من المؤكد أنني كنت مخطئاً في كل ما توقعت، إذ أنني كنت المعني بهذه الدموع والحالة الدرامية التي كانت عليها، اكتشفت عندما بدأت تفصح عن أسباب نحيبها أن علاقتي بها قد أصابها مكروه وتعرضت لضربة مفاجئة لم تكن متوقعة، إنها ستخسرني إلى الأبد، أو سأخسرها إلى الأبد، فالنتيجة واحدة وهي أن كلاً منا سيخسر، وسينتهي ما بيننا، لأن عريساً تقدم لخطبتها عن طريق أقاربها، شاب جاهز ومستعد لكل المتطلبات والشروط الآن، هي لا تعرفه ولا تستطيع أن ترفضه، فلا أسباب لديها يمكن أن تسوقها للرفض، والطامة الكبرى أنه الآن في المنزل، يجلس مع والدها ليتم التعارف وربما الاتفاق، والمصيبة الثالثة أنها يجب أن تتركني وتعود على الفور لأن العريس على موعد لرؤيتها، وفي النهاية ألقت سؤالاً أو حجراً في وجهي عندما قالت: الحل في يديك. جلست في مكاني أتابع خطواتها البطيئة التي بدأت تتسارع، كأنني أصيبت بشلل في الجسد والتفكير إلى أن تباعدت عن ناظريّ وتحولت إلى شبح، فأطرقت برأسي دون أن أدري ماذا أفعل، أسندت ظهري إلى الحائط، زائغ العينين، أحدق في لا شيء. قد لا تصدقون أنني التقيت بها في هذا المكان الذي كان عبارة عن حديقة فسيحة عشرات المرات، التي لا أستطيع أن أحصيها، فنحن نلتقي منذ سنوات، إذ أن حبنا وُلد هنا ويبدو أنه أيضاً يموت هنا، أما العجب فإنني أرى الآن كل الأشياء مختلفة تماماً على عكس ما كنت أشاهدها، فهذه الزهور التي كانت دائماً متفتحة انطفأت بهجتها ورحيقها ورونقها، وتلك الخضرة اليانعة تحولت إلى اللون الأسود، وهذه الأشجار المورقة كأن فروعها تتدلى باكية، وهذا الماء الجاري كأنه دموع والأضواء في المكان وما حوله أصبحت باهتة وأصابها الوهن، ولأول مرة أعود إلى منزلي بعد لقائها وكأنني مهزوم عاد من معركة خسر فيها كل ما يملك، كنت أتذوق طعم الهزيمة في فمي. استلقيت فوق فراشي استعيد الماضي، أربع سنوات مضت منذ عرفتها، لا أنكر أنني كنت معجباً بها قبل ذلك، لم تكن لدي الجرأة للحديث معها، فأنا خجول بطبعي، ولست من الذين يخترعون المواقف والأحداث لفتح حوار مع الفتيات، كنت جاهلاً بهذه الأساليب. وشاءت الأقدار أن ألتقي بها عدة مرات متتالية، فتبادلنا أطراف الحديث في كل المجالات، وتتابعت اللقاءات بترتيب وتدبير أو بصدفة حتى وجدتني غير قادر على الابتعاد عنها، وتأكدت من مشاعري، فهذه هي أعراض الحب، لكني أيضا لا أجرؤ على مفاتحتها والاعتراف بهذه المشاعر والبوح بمكنون الصدر، والغريب أنها هي التي بدأت، واعترفت وفي البداية حاولت ألا ارتمي في بحر العشق، لكن في النهاية بادلتها الاعتراف، لم يكن الحديث يتطرق أبداً بيننا إلى الزواج، إنما في كل أمور الحياة، عن الأحوال الأسرية والمشكلات العائلية والأزمات العامة والفردية، وما كان اجتنابنا الحديث عن الزواج إلا لأنني غير قادر الآن على هذه الخطوة، فأنا في مقتبل العمر وبالكاد أنهيت دراستي الجامعية ولم التحق بأي عمل بعد، وليس لدي أي دخل، وهذه الظروف وإن كانت تمنع الزواج لكنها لا تمنع الحب، وأنا متأكد من أنني لم أعدها يوماً بذلك، وإن كانت النتيجة الطبيعية للحب هي الزواج، فأنا أعرف مسؤولية الكلمة، ولا ألقي بالوعود الكاذبة ولا أسرف أبداً في الخيال، ولم أخرج لحظة من أرض الواقع، وما حسبت حساباً لهذه اللحظة التي جاءت فيها بهذا الخبر المشؤوم، أو لم أتوقع أن يأتي في الوقت غير المناسب. والتقينا ثانية وأخبرتني أن خطبتها قد تمت بالفعل وأن عريسها بدأ اتخاذ الخطوات العملية في الإعداد لعش الزوجية، ووافقت أسرتها واتخذت من جانبي قراراً لا رجعة فيه، وقد نجحت في تطبيقه رغم قسوته، إذ عزمت على الانسحاب من حياتها تماماً، وقطع كل الطرق المؤدية إليها، فأنا لا أقبل أن أكون على علاقة بفتاة ليست لي، بل هي الآن لغيري، وبينهما رباط حتى لو كان مبدئياً، ولم أضعف أمامها وهي تحاول أن تختلق مسميات لعلاقتنا، ورفضت تماماً أن أكون - كما قالت - حبيبها، بينما الآخر زوجها، حتى أنها بدأت تتهمني بأنني أتخلى عنها، وستكون هي الضحية وستدفع وحدها الثمن، وتعيش المعاناة وأنا بعيد عن هذا كله. وضعت نفسي أمام هذا الاختبار الصعب، لكني كنت قادراً على اجتيازه، رفضت نصائح الأصدقاء المقربين مني الذين يعرفون هذه التفاصيل بأن أبحث عن علاقة أخرى كي أنسى واكتفيت بتوجيه جهدي واهتماماتي إلى عملي الذي التحقت به، وكان يستهلك كل وقتي، انغمست فيه وحققت فيه نجاحات كبيرة في وقت قصير، فلا تشغلني أخبارها ولا ما وصلت إليه، إذ رأيت أن في ذلك ضعفاً لا يليق بي ولا أريد أن أكون كذلك، وكان هذا هو السر في التناسي الذي لجأت إليه وهو يتحول بالتدريج إلى نسيان، لكن ما زالت بقاياها تسكنني، وذكرياتها تداعبني، والماضي معها تهب نسماته، ولا بد للحياة أن تمضي في كل الأحوال، ومن الطبيعي أن أفكر في الاستقرار والزواج بعد أن أصبح تحت يدي بعض المال وتوافرت الإمكانات، لم أستطع أن أقيم علاقة عاطفية جديدة، فهذه لا تأتي بقرار أو تباع أو تشترى فكان الاختيار عقلانياً، وبدأت اتخاذ الترتيبات المعتادة التي تستغرق أشهراً طويلة، وقد عاهدت نفسي على ألا يكون لتجربتي الماضية أي تأثير على حياتي القادمة. وكأن كل شيء يأتيني في غير موعده، التقيت بمحبوبتي بعد قطيعة اقتربت من ثلاث سنوات، علمت منها أنها كانت تبحث عني وتحاول أن تتقصى أخباري لكنها لم تجد من يدلها إلا بعد جهد جهيد، حتى كادت تنشر إعلاناً في الصحف لكنها خشيت سوء النتيجة، المهم أنها تحقق لها ما أرادت، فهدفها أن تراني وها قد حدث هذا، أما ما وراء ذلك فهي تريدني أن أعود إليها، إذ أنها لم تستطع الحياة بعيداً عني ومن دوني، ولم تستطيع الاستمرار حتى في الخطبة لهذا الشاب وتمكنت بعد عناء من فسخها بالقوة، حتى اضطرت أسرتها لموافقتها على ذلك، بالطبع أخبرتها بما أنا فيه بكل صراحة وشفافية، وأعلنت لها موقفي بعدم قدرتي على التراجع عن الخطوات التي اتخذتها، ضربت كفاً بكف وأنا أنعي حبي للمرة الثانية، ولا أصدق أنها تأتي طواعية كأنها تطلب يدي، كما اعترفت في بداية علاقتنا واتخذت الخطوة الأولى، وكأن الرياح دائماً وليس أحياناً تأتي بما لا تشتهي السفن، فما كنت أتمناه بالأمس، أرفضه اليوم وإن كان ذلك كله رغماً عن أنفي ودون اختياري. أما ما لا يصدقه عقل وجاءني دون أن أسعى إليه أو يخطر لي على بال، فقد علمت بالصدفة البحتة - بما يشبه أفلام السينما - أن محبوبتي قد كذبت عليّ، ولم يتقدم أحد لخطبتها في أي وقت وأن ما حدث كان مجرد تمثيلية، لتتأكد من حبي لها، ولتحفزني على اتخاذ خطوة نحو الارتباط بها رسمياً والتقدم لأسرتها، وتسببت بحماقتها أو بحماقة من نصحها بذلك ضياع قلبين، فلا أدري إن كنت حزيناً على ذلك، أم سعيداً لأنني لم أرتبط بكاذبة، لكن الحقيقة أنني رغم مرور أكثر من ربع قرن واختفائها من حياتي، فإنني أشعر ببقايا حبها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©